تستمر قضية تسريب الوثائق الاستخبارية حول طبيعة "الرد الإسرائيلي على إيران" في التفاعل، مسلطةً الضوء هذه المرة على حرب الجواسيس بين إسرائيل وإيران.
وشهد الخميس الماضي تسريب وثيقتين استخباريتين في غاية السرية، إحداهما بعنوان: "إسرائيل: سلاح الجو يواصل الاستعدادات لضرب إيران، ويجري تمرينًا ثانيًا على استخدام قوات كبيرة"، فيما حملت الثانية عنوان "إسرائيل: قوات الدفاع الجوي تواصل الاستعدادات الرئيسية للذخائر وأنشطة الطائرات المسيرة الشبح بشكل شبه مؤكد لشن ضربة على إيران".
وقد وضّحت الوثيقتان خطة إسرائيل للهجوم على إيران، وتم نشر الوثيقتين السريتين على قناة بمنصة تلغرام تدعى "ميدل إيست سبكتاتور"، في ظل مخاوف إسرائيلية من أنّ الأمر قد لا يقتصر على الوثيقتين المذكورتين، حيث من المؤكد حسب هآرتس أن هناك مزيدًا من الوثائق الأخرى، سواءً عن المواجهات بين إسرائيل وإيران، أو روسيا وأوكرانيا، أو الصين وتايوان.
تتجهّز إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية لإيران ردًّا على الهجوم الصاروخي الإيراني مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أكّدت أن الوثائق المسربة حقيقية، وجاء التأكيد الأميركي بعدما شككت مصادر إسرائيلية في صحة الوثيقتين، وأفاد البنتاغون في تعقيبه أن الوثيقتان تعودان إلى الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية، ووكالة الأمن القومي. كما أعرب البنتاغون عن قلقه إزاء هذا التسريب، معلنًا "إجراء تحقيقٍ في مصادر التسريب"، مؤكدًا رغم ذلك أنّ "الضرر الذي لحق بالأمن القومي يبدو محدودًا" وفقًا لبيان وزارة الدفاع الأميركية.
وتستبعد التحليلات الإسرائيلية المبثوثة في وسائل الإعلام أن يكون التسريب متعمّدًا من الجانب الأميركي، "للضغط على إسرائيل أو تنبيه إيران". وركزت التحليلات الإسرائيلية في المقابل على قناة "ميدل إيست سبكتاتور" التي نشرت الوثيقتين، بالقول، كما ورد في تحليل على هآرتس، إنها "موالية لإيران رغم ادعائها أنها مستقلة وغير منحازة، تسعى إلى عالم متعدد الأقطاب، وتركز بشكل أساسي على إيران ومحور المقاومة".
ومع ذلك تلفت التحليلات الإسرائيلية النظر إلى أنّ الوثيقتين المسربتين، كانتا متاحتين للمشاركة بين تحالف "العيون الخمس" الاستخباراتي. وهو تحالف يضم كلًّا من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا وأستراليا. ويُفهم من هذه الإشارة أنّ المحللين الإسرائيليين ربما يشيرون بأصابع الاتهام لإحدى الدول الأعضاء في هذا التحالف، بوصفها المسؤولة عن التسريب.
حرب الجواسيس بين إسرائيل وإيران:
ترجّح صحيفة "التايمز" أنّ إيران تعلّمت دروسًا في التجسس من وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية المعروفة اختصارًا بـ"الموساد"، حيث حاولت إيران مؤخرًا رشوة إسرائيليين، كما دفعت، حسب التايمز، مئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية في صورة عملات مشفرة لإسرائيليين، من أجل التقاط صورٍ لمواقع عسكرية حساسة في إسرائيل.
وتتزايد المعطيات والأدلّة، حسب التايمز، على تحقيق طهران عملية تجسس ناجحة في إسرائيل، حيث ترجّح المصادر أن إيران استطلعت بنجاح قاعدة نيفاتيم الجوية التي ضربتها صواريخ باليستية إيرانية، بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، من قبل جواسيس إيرانيين مزعومين، وكذلك قاعدة جولاني التدريبية التي قُتل فيها 4 جنود في هجوم بطائرة مسيرة لحزب الله، وبطاريات دفاعات القبة الحديدية الجوية" في الأراضي المحتلّة.
يشار إلى أنّ إسرائيل اعتقلت 7 إسرائيليين يهود من مدينة حيفا، بينهم منشقٌّ عن الجيش وقاصران، بعد تحقيق أجراه جهاز الشاباك، ووكالة الاستخبارات المحلية والشرطة الإسرائيلية. وبحسب المدّعي العام فإن بعض الموقوفين كان يتجسس منذ عامين لصالح إيران. وتُقدّر مصادر التايمز أن طهران نجحت في تجنيد "عشرات العملاء من المشردين ومدمني المخدرات والمجرمين" وفق تعبيرها.
وكان الأسبوع الماضي قد شهد القبض على شخص يُدعى فلاديمير فاركوفسكي (35 عامًا) في تل أبيب، بعد أن حصل على سلاحٍ لاغتيال عالمٍ إسرائيلي مقابل 100 ألف دولار من قبل مشغّليه الإيرانيين، كما اعتُقل فلاديسلاف فيكتورسون (30 عاما) وشريكته آنا بيرنشتاين (18 عامًا) قبل أيام؛ بتهمة الحصول على 20 دولارًا مقابل كل قطعة من كتابات "الغرافيتي" المناهضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي اتُّهم رجل الأعمال الإسرائيلي موتي مامان (72 عامًا) بالسفر إلى إيران، وهناك طالب بمليون دولار للمساعدة في اغتيال نتنياهو.
في المقابل سجّل الموساد اختراقات كبيرة ضد إيران، ولعلّ الجميع يتذكّر تفاخر يوسي كوهين عام 2018، "بكشف عملية سرقة واختراق أرشيف الأسلحة النووية الإيرانية، التي نفذها عشرون عميلًا لم يكن أي منهم إسرائيليًا". وتنقل تايمز عن شخص يدعى بني سبتي (52 عامًا)، وهو يهودي فارسي، قوله إنه "من الطبيعي جدًّا أن يذهب إيرانيون يعانون إلى الموساد، أو وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويبيعوهم بعض المعلومات، أو يلتقطوا صورةً لجار قد يكون عالمًا أو قائدًا في الحرس الثوري الإيراني".
وتنقل تايمز عن بني سبتي قوله، إن من بين النجاحات الشهيرة للموساد في إيران "اغتيال عالم نووي إيراني باستخدام مدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد، وإصابة شبكة الكمبيوتر النووية الإيرانية بالبرمجيات الخبيثة، واغتيال إسماعيل هنية زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس في طهران العام الجاري".
وبلغ التجسس الإسرائيلي في إيران، حسب تايمز، درجة أن يشتكي الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي الشهر الجاري من أن رئيس مكافحة التجسس في البلاد، والمسؤول عن استئصال الجواسيس، وُجد أنه في مرحلة ما كان عميلًا مزدوجًا للموساد".