اجتمع قائد الجيش الأوكراني، أوليكساندر سيرسكي، سرًا بكبار ضباط الجيش الأوكراني في أواخر تموز/يوليو ليبلغهم عن خطته الجريئة التي ستقلب الطاولة على موسكو، عبر إطلاق أول هجوم واسع النطاق ضد الأراضي الروسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وكان لهذه العملية العسكرية واسعة النطاق أن فاجئت روسيا عندما اجتاحت القوات الأوكرانية الدفاعات الحدودية الروسية الضعيفة في السادس من آب/أغسطس الجاري، واستولت سريعًا على مائة بلدة وقرية في منطقة كورسك الروسية، أظهرت فيها أوكرانيا للولايات المتحدة والدول الغربية أنه لا يزال لديها القدرة على القتال، وفقًا للصحيفة ذاتها.
النتائج مرهونة بنجاح أو فشل الهجوم
ونقلت "وول ستريت جورنال"، أن رئيس أركان "اللواء الميكانيكي 61"، أرتيم خولودكيفيتش، الذي كان بين الحاضرين وصف رد فعله الأول على القرار بـ"الصدمة"، وتضيف بأنه كان يفكر "إلى أين نحن ذاهبون؟"، ويقول خولودكيفيتش: "لقد فجرنا الأسطورة القائلة بأن روسيا دولة لا تقهر. لقد فعلنا شيئًا لم يفعله أحد منذ 80 عامًا".
العملية العسكرية سلطت الضوء بشكل أكبر على مهندسها سيرسكي الذي واجه موقفًا صعبًا عندما تولى منصبه في شباط/فبراير الماضي
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن العملية العسكرية سلطت الضوء بشكل أكبر على مهندسها سيرسكي، والذي واجه موقفًا صعبًا عندما تولى منصبه في شباط/فبراير الماضي، حيث يسعى منذ ذلك الحين إلى إدارة حرب استنزاف ضد عدو أكبر بكثير.
لكن الهجوم الأخير قلب المعادلة في الوقت الحالي، وأعاد أوكرانيا إلى الهجوم، إلا إن نجاح العملية سيتحدد في نهاية المطاف بما إذا كانت ستؤدي إلى مكاسب دائمة، أو خسائر أكبر على ساحة المعركة، أو ينجم عنها مكاسب سياسية تجلب المزيد من الدعم العسكري من الولايات المتحدة وحلفائها، أو تعزز موقف أوكرانيا في أي مفاوضات سلام مستقبلية، وفقًا للصحيفة ذاتها.
ومع ذلك، فإن بعض الاستراتيجيين العسكريين والجنود قد شككوا في الهجوم ضد كورسك، وقالوا إن سيرسكي يخصص احتياطيات ثمينة من القوى العاملة والمعدات لجبهة جديدة، بينما تستغل روسيا خطوط الدفاع الأوكرانية المتهالكة على الجبهة الشرقية للمضي قدمًا، بحسب "وول ستريت جورنال".
وقد سحبت روسيا عدة آلاف من القوات من أوكرانيا ردًا على التوغل، لكنها كثفت هجماتها على هدفها الرئيسي بوكروفسك، وهو مركز لوجستي حيوي للعمليات الأوكرانية في الشرق.
خدعة جريئة
وتقول الصحيفة الأميركية، إن هذه العملية تمثل خدعة جريئة من الرئيس الأوكراني، فولدويمير زيلينيسكي، والذي وقع بين تقدم بطيء، لكن لا هوادة فيه من قبل روسيا التي تريد السيطرة على أوكرانيا، وعدم رغبة الغرب في توفير الأسلحة الكافية لعكس المكاسب الروسية.
وتضيف بأن عملية كورسك نالت استحسانًا عامًا لتخطيطها وسريتها وسرعتها، وقال محللون وضباط أوكرانيون إن سيرسكي استخلص استنتاجات واضحة من الهجوم المضاد الفاشل لأوكرانيا خلال صيف عام 2023، عندما تشاورت أوكرانيا مع الولايات المتحدة وشركاء غربيين آخرين، ونشرت ألوية تم تشكيلها حديثًا، وأرسلت خططها بمقاطع فيديو وتعليقات عامة.
ووفقًا لـ"وول ستريت جورنال"، فإنه لم يشارك في الاجتماعات التي قادها سيرسكي سوى عدد قليل من كبار الضباط لوضع خطط مفصلة للغزو، وقد استعان سيرسكي بوحدات متمرسة في المعارك، مثل لواءي الهجوم الجوي الـ80 والـ82 لقيادة الهجوم، ولم يُخطر الولايات المتحدة بالخطط.
وبينما استهدف الهجوم المضاد الذي شنته القوات الأوكرانية أقوى الدفاعات الروسية في الجنوب العام الماضي، فإن سيرسكي اختار هذه المرة استهداف موقعًا افترضت موسكو أنه لا يمكن المساس به، وتركته محميًا بشكل ضعيف من قبل بعض الجنود المجندين.
اختراق الخطوط الروسية
قبل اجتماع سيرسكي مع كبار الضباط من الوحدات المختارة للعملية في تموز/يوليو الماضي، أمضت قوات اللواء 61 أشهرًا في التدريب في الشرق على ما افترض الضباط أنه سيكون اشتباكًا دفاعيًا آخر، وحتى بعدما كشف سيرسكي أنهم سيذهبون إلى روسيا، اعتقد خولودكيفيتش أن الأمر قد يكون مجرد خدعة لروسيا.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإن نقل اللواء 61 من الشرق كان مصحوبًا بحملة تضليل تشير إلى أنهم كانوا متجهين إلى فوفشانسك، وهي مدينة شمالية تتعرض للهجوم منذ أيار/مايو الماضي، عندما شنت روسيا توغلها عبر الحدود.
وبدلًا من ذلك، كان اللواء ضمن الموجة الثانية من القوات الأوكرانية المتوجهة إلى كورسك في السابع من آب/أغسطس الجاري، حيث تقدمت القوات المهاجمة على متن مركبات مدرعة سريعة الحركة للتوغل في عمق روسيا متجنبة الهجمات المباشرة في المدن والقرى.
#روسيا أطلقت حوالي 200 صاروخ ومسيّرة باتّجاه #أوكرانيا ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص، وسدد ضربة لشبكة الطاقة في البلاد.
اقرأ أكثر: https://t.co/j0EYX1PY3U pic.twitter.com/iJwJ1PbyKy— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) August 27, 2024
وترى "وول ستريت جورنال"، أن هذه العملية السريعة تتشابه مع هجوم خاركيف الذي شنه سيرسكي، والذي استغل نقاط الضعف الروسية لاختراق خطوطهم، وقطع طرق إمداد القوات الروسية، لاستعادة مساحات واسعة من الأراضي.
وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن أوكرانيا تستغل حاليًا عدم استعداد روسيا لشن هجوم في العمق، مما أدى إلى إنشاء ما أسماه زيلينسكي منطقة عازلة لعرقلة العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، فيما لا تزال القوات الأوكرانية تحتجز المزيد من السجناء لإضافتهم إلى مجموعة تأمل أوكرانيا في مبادلتها بمواطنيها المحتجزين في روسيا.
وتستخدم أوكرانيا تكتيكات ومعدات جديدة لكسب اليد العليا في هذا الهجوم بحيث تكون الدفاعات الروسية أضعف، بما في ذلك استخدام طائرات بدون طيار صغيرة متفجرة لإسقاط المروحيات وطائرات المراقبة الروسية، وفقًا لما تقول "وول ستريت جورنال".