في خطوة يُرجح أن يكون لها تداعيات تصعيدية، وبعد سماح واشنطن للقوات الأوكرانية باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية، أقرّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم الثلاثاء، في وثيقة رسمية أسس جديدة للعقيدة النووية الروسية، مما يدل على تحول في سياسات موسكو العسكرية، والتي تأتي بالتزامن مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي، جو بايدن، واستلام الرئيس المُنتخب، دونالد ترامب، مهامه رسميًا في المكتب البيضاوي.
الخبر الذي نُشر عبر وكالة "تاس" الروسية، يشير إلى أن الرئيس الروسي أجرى تعديلًا على العقيدة النووية الروسية، بعدما صادق على قرار يقول مضمونه: "إن روسيا ستعتبر أي هجوم من قبل دولة غير نووية مدعومة بقوة نووية على أنه هجوم مشترك"، كما أنه أشار إلى أن موسكو "ستحتفظ بحقها في النظر في الرد النووي على هجوم بأسلحة تقليدية يهدد سيادتها"، بما يشمل الصواريخ والطائرات المسيّرة التي قد تستهدف عمق الأراضي الروسية، لافتًا إلى أن هذه الوثيقة تشمل أيضًا الأراضي البيلاروسية.
تحول في العقيدة النووية الروسية
كان بوتين قد واجه خلال الأشهر الأخيرة ضغوطًا مارسها صقور الكرملين، تطالب بإدخال تعديلات على العقيدة النووية الروسية، واستند "الصقور" في ضغوطهم إلى الهجمات الصاروخية الأوكرانية التي ضربت القواعد العسكرية الروسية بقاذفات بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية في وقت سابق من الصراع، لكن بوتين رد بحذر حينها معتبرًا أنه لا يرى أي تهديدات من شأنها أن تبرر استخدام الأسلحة النووية.
أقرّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في وثيقة رسمية أسس جديدة للعقيدة النووية الروسية، مما يدل على تحول في سياسات موسكو العسكرية تجاه الحرب الأوكرانية
هذا التعديل يُنظر إليه على أنه رد روسي متوقّع على سماح إدارة بايدن للقوات الأوكرانية باستخدام الصواريخ بعيدة المدى من طراز "أتاكمز" (ATACMS) التي يصل مداها إلى أكثر من 300 كم. قرار أميركي وصفه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأنه "صائب تمامًا"، لكنه قوبل فيما يبدو بتحفظ من ألمانيا، وهو ما يُقرأ من ناحية تمسك برلين بموقفها الرافض "تسليم صواريخ تاوروس بعيدة المدى لأوكرانيا"، والذي يأتي بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه المستشار الألماني، أولاف شولتز، مع الرئيس الروسي.
طبقًا لما جاء في موقع "ذا غارديان" البريطاني، فإن المستشار الألماني، كان عرضة لانتقادات دول التكتل الأوروبي جراء هذه المكالمة الهاتفية، ودفعت بالرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لوصفها بـ"صندوق باندورا" في إشارة إلى الأسطورة الأغريقية القديمة. فعليًا لم يضيف الاتصال أي تقدم على وقف إطلاق النار، خاصة أن بوتين أعاد التأكيد في المحادثة التي استمرت لساعة كاملة على ضرورة تخلي كييف عن طموحاتها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وانسحاب أوكرانيا من الأراضي التي تحتلها موسكو، والتي توسّعت مساحتها منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
وتعزز التقارير الأخيرة التوقّعات بأن تشهد الحرب الروسية الأوكرانية تصعيدًا عسكريًا خلال الشهرين القادمين، وذلك بعدما ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، اليوم الثلاثاء، أن كييف قصفت للمرة الأولى بالصواريخ الأميركية بعيدة المدى منشأة عسكرية في منطقة بريانسك غربي روسيا، وهو ما أكدته هيئة الأركان الأوكرانية بإعلانها استهداف مستودعًا في مدينة كاراتشيف، والتي تقع على بعد 115 كم من الحدود الروسية، دون أن تضيف تفاصيل أخرى.
مخاوف من تقارب إدارة ترامب مع الكرملين
كانت الحرب الروسية الأوكرانية شاهدة على تحول في نطاق التحالفات العسكرية خلال الأيام الماضية، بعد تأكيد الولايات المتحدة إرسال كوريا الشمالية أكثر من 10 آلاف جندي إلى شرق روسيا للمشاركة في العمليات القتالية التي تخوضها القوات الروسية ضد القوات الأوكرانية في منطقة كورسك أقصى الغرب الروسي، وهو ما جعل مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تتسائل عمّا إذا كانت الحرب الروسية الأوكرانية ستتحول إلى حرب بالوكالة على الأراضي الأوكرانية، قد تدفع أطرافًا في شرق آسيا بالانجرار إليها، في إشارة إلى الصين وكوريا الجنوبية واليابان.
من المتوقع أن تُنفذ أوكرانيا أولى ضرباتها العميقة باستخدام الصواريخ الباليستية "ATACMS" بعيدة المدى التي يصل مداها إلى أكثر من 300 كيلومتر.
اقرأ أكثر: https://t.co/gNE36eLvOx pic.twitter.com/EzQFOjoE5Y— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 18, 2024
تنظر موسكو إلى فوز ترامب بانتخابات الرئاسة بحذر شديد، والذي ترى أنه سيساعدها على إعادة ضبط التوازن الدولي، وتحديدًا فيما يخص الدعم الغربي لكييف، بحسب ما تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، لكنها تضيف مستدركة أن موسكو تدرك أيضًا أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفات ترامب. في وقت سابق من العام الجاري، كان ترامب قد أشار إلى أنه "قادر على إنهاء الحرب قبل أن يصبح رئيسًا بشكل رسمي"، كما ذكر أيضًا أنه يملك "خطة دقيقة جدًا حول كيفية إيقاف النزاع بين أوكرانيا وروسيا"، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل، مرجعًا ذلك إلى "عنصر المفاجأة".
تتفق معظم التقارير على أن الكرملين سيدخل في مفاوضات مع البيت الأبيض لإنهاء الحرب في أوكرانيا بعد استلام ترامب مهامه رسميًا. في الولايات الأميركية تسود خشية من تقارب إدارة ترامب مع الكرملين، ومصدرها ترشيح ترامب للديمقراطية المنشقة، تولسي غابارد، لرئاسة وكالة الاستخبارات الوطنية، وهي الوكالة ذاتها التي حققت بالتأثير الروسي على انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2020، ويُعرف عن غابارد أنها تتشارك وجهات النظر الجيوسياسية ذاتها مع روسيا، بحسب ما تشير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
تصف المؤرخة الأميركية، روث بن غيات، ترشيح غابارد لهذا المنصب بأنه "الطريق إلى قلب بوتين"، معتبرةً أن هذا القرار يوجه رسالة إلى دول العالم بأن إدارة ترامب "ستكون حليفة للكرملين"، محذرة من أن الأمن القومي الأميركي سيكون معرضًا "للخطر". كما سيسمح هذا المنصب لغابارد بتقديم إحاطة الاستخبارات اليومية لترامب، وهو ما يحذر تقرير الصحيفة الأميركية من ناحية تقديمها معلومات تعزز وجهات نظر ترامب، ما سيكون له تأثير سلبي على تقارير الوكالة الأميركية، لافتًا إلى اعتماد غابارد على التقارير الروسية المناهضة لواشنطن في انتقاداتها السابقة لإدارة بايدن.