يصرخ أهالي غزة من أجل وقف لإطلاق النار. كل يوم هناك المزيد من إراقة للدماء، وصل العدد إلى ما يقرب من 28 ألف ضحية، و70 ألف جريح، بالإضافة للدمار والجوع والمرض.بين الناجين أعداد كبيرة من الأطفال المشوهين، اليتامى، المصابين بالصدمات النفسية مدى الحياة.
بهذا الوصف يفتتح المحرر الأمريكي في جريدة "الغارديان" البريطانية، سايمون تيسدال، مقاله الذي جاء تحت عنوان: "لماذا لا يوجد حتى الآن وقف لإطلاق النار في غزة؟".
يشير تيسدال إلى أن الملايين من المتظاهرين، في جميع أنحاء العالم، يطالبون بوقف إطلاق النار، ويناشدون السياسيين أن يفعلوا المزيد، وأن يفعلوا أي شي يوقف المذبحة الآن. في المساجد والكنائس والمعابد اليهودية يُصلي الناس من جميع الأديان لتنتهي المقتلة الكبرى.
تريد الحكومات العربية والأوروبية والولايات المتحدة وروسيا والصين وإيران جميعًا وقفًا لإطلاق النار، أو هدنة إنسانية على الأقل. يقولون إنهم يسعون لذلك. يعد الحوثيون والمجموعات العراقية واللبنانية بأنهم سيوقفون هجماتهم إن تم التوصل لوقف لإطلاق النار، الذي سيقلل من الخطر المتصاعد لقيام حرب إقليمية كارثية.
يلفت المحرر في الصحيفة البريطانية إلى أن هناك نظرة عالمية واضحة. ويوجد إجماع دولي، تم التعبير عنه مرارًا وتكرارًا بأن هذه الحرب غير إنسانية وغير أخلاقية وغير عادلة، وهي مدمرة بشكل كبير اقتصاديًا وسياسيًا. والأمر أصبح مخجلًا للجميع، لذا يتوجب إيقاف الحرب على الفور.
وهنا يتساءل تيسدال: لماذا لا يوجد وقف لإطلاق النار حتى الآن؟
لأسباب سياسية أنانية، سيعارض نتنياهو جميع صفقات تبادل المحتجزين والسجناء إذا استطاع ذلك، وربما يصر على توقف محدود للغاية للقتال في قطاع غزة
يقول المحرر في "الغارديان": "كل يوم يقدم المسؤولون المشاركون في المحادثات غير المباشرة ملاحظة إيجابية حذرة، تتحطم الآمال، ثم يتم إحياؤها". بالنسبة للفلسطينيين المحاصرين في غزة وعائلات المحتجزين، هو أمر مؤلم.
بعد أن قدمت حماس ردها مع بنود الصفقة، يرتفع التفاؤل مرة أخرى.
يلفت تيسدال إلى نقطة يعتبرها أساسية. مع افتراض أن "الشروط المعقدة للصفقة المحدودة قد يتم الاتفاق عليها أخيرًا، فما هو الاحتمال الواقعي الذي ستحمله؟ ناهيك عن تحقيق سلام واسع؟".
يشير الصحفي الأمريكي إلى أن المشكلة الجذرية ليست آليات وقف إطلاق النار، بل في الخطط القصيرة وطويلة الأمد للأطراف المعنية، والتي تختلف اختلافًا كبيرًا ولا يمكن التوفيق بينها على ما يبدو. ولا يمكن لأي صفقة أن تنفي انعدام الثقة الأساسي بينها.
يعتبر المحرر في "الغارديان" أنه من غير الحكمة أن يربط جو بايدن الصفقة في غزة بمحاولته "الطموحة" لصياغة تسوية أوسع في الشرق الأوسط.
في المقام الأول، يريد البيت الأبيض "وقف مؤقت للأعمال العدائية". ومع ذلك، فإنه لا يزال، في الوقت الحالي، يعارض "وقف إطلاق نار شامل". ويردد كلام بنيامين نتنياهو بأن ذلك مخاطرة بعدم هزيمة حماس وتركها في السلطة.
تفضي "صفقة بايدن الكبرى"، طويلة الأمد، في نهاية المطاف، إلى قبول "إسرائيل" بـ"أفق سياسي غامض" للفلسطينيين الذين يسعون إلى دولة مستقلة. ومع ذلك، بالنسبة لواشنطن، فإن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وليس تقرير المصير الفلسطيني، هو الهدف الأكبر والأكثر إلحاحًا.
وطالما أن بايدن يرفض الوقوف في وجه نتنياهو سيقى النفوذ الأمريكي محدودًا. وإذا انتصر دونالد ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، فمن المحتمل أن يصبح الدعم الأمريكي لإسرائيل غير مشروط، وهو ما يعرفه نتنياهو صديق ترامب.
يعكس مخطط بايدن حاجته الانتخابية إلى تحقيق إنجاز كبير في السياسة الخارجية. لكنه لا يولي اهتمامًا كافيًا لما هو مطلوب بالفعل، بما في ذلك وقفًا شاملًا لإطلاق النار الآن.
في "إسرائيل"، يتشبث نتنياهو، الذي لا يحظى بشعبية، بالسلطة، ويرفض رفضًا قاطعًا دعوة حماس إلى وقف إطلاق نار دائم، لأن هذا من شأنه أن يحبط تعهده الذي يكرره في الكثير من الأحيان للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية، وتحقيق "انتصار كامل". كما أن هدفه المتمثل في الحفاظ على السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة إلى أجل غير مسمى سيكون دون جدوى إذا قبل فكرة الدولة الفلسطينية.
لم يحرر الضغط العسكري الإسرائيلي المحتجزين، كما يأمل نتنياهو، ولم تهزم حماس بعد أربعة أشهر من الحرب، بل قُتل العديد من الجنود الإسرائيليين.
وبحسب تيسدال، يجب أن يكون هذا كافيًا في حد ذاته لإغراق نتنياهو. لذا فإن وقف لإطلاق النار الذي يستمر لأسابيع، وما ينتج عنه من ضغط لجعله دائمًا، من شأنه أن يؤدي إلى انهيار حكومة ائتلاف اليمين المتطرف.
تاريخ الشعب الفلسطيني هو صرخة طويلة من الغضب والألم. وبدون خطة سلام موثوقة ومدعومة دوليًا وجدول زمني ثابت لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، لن يتوقف الصراخ
لذلك في المقام الأول لأسباب سياسية أنانية، سيعارض نتنياهو جميع صفقات تبادل المحتجزين والسجناء إذا استطاع ذلك، وربما يصر على توقف محدود للغاية للقتال في غزة.
يشير المحرر كذلك إلى أن قادة حماس منقسمون أيضًا بين الموجودين غزة والذين استنفذوا ويريدون وقفًا لإطلاق النار الآن، والموجودين في الخارج ويضغطون من أجل صفقة أفضل تشمل الآلاف من السجناء الأمنيين، وتمويل إعادة الإعمار والانسحاب العسكري الإسرائيلي الكامل من غزة.
أما من يطلق عليهم البعض "محور الشر الجديد"، والمتمثل في الصين وروسيا وإيران، فيمكنهم أن يفعلوا أكثر من ذلك بكثير لتحقيق وقف لإطلاق النار الذي يزعمون أنهم يدعمونه.
يوضح تيسدال أنه، على سبيل المثال، تريد حماس منهم أن يقدموا ضمانات، على غرار القادة الأوروبيين، لكنهم وجدوا أنهم عاجزون عن ذلك حتى الآن.
يستفيد الإيرانيون من الهجمات التي تعاني منها "إسرائيل"، ويشجبون علنًا "بؤس" الفلسطينيين في غزة، ومع ذلك يرونه بشكل خاص وسيلة لتحقيق أجندتهم الجيوسياسية، بحسب الكاتب.
يصل تيسدال للخلاصة قائلًا: "إذن لماذا لا يوجد وقف لإطلاق النار؟ الجواب البسيط هو أن القادة السياسيين المهتمين بالذات، والخائفين وغير الفعالين، يعرقلون ذلك.
وعلى أمل أن تصمت البنادق في غزة، لأن جميع الحروب تنتهي في نهاية المطاف، لكن كم من الوقت سيستمر الهدوء؟
تاريخ الشعب الفلسطيني هو صرخة طويلة من الغضب والألم، ستنهار الصفقات داخل الغرف الخلفية. وبدون خطة سلام موثوقة ومدعومة دوليًا وجدول زمني ثابت لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، لن يتوقف الصراخ.