17-أكتوبر-2024
مدينة الخليل

صورة أرشيفية لفلسطيني يجلس في متجرع في السوق القديمة لمدينة الخليل (رويترز)

وسط حواجز عسكرية كثيفة وقيود أمنية مشددة، تحوّل قلب مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة منذ أكثر من عام إلى ما يشبه "سجنًا مفتوحًا"، حيث يفرض جيش الاحتلال حصارًا خانقًا يقيّد حركة الفلسطينيين ويعزلهم عن حياتهم الطبيعية، وفقًا لوكالة "الأناضول" التركية.

ومع تزايد الضغوط اليومية والاعتداءات المستمرة من المستوطنين وجيش الاحتلال، تتحوّل المدينة التاريخية إلى مسرح لمعاناة مستمرة تدفع الفلسطينيين نحو الرحيل القسري. وبالتزامن مع شنه إبادة جماعية في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عزز جيش الاحتلال قواته في محيط المسجد الإبراهيمي والبؤر الاستيطانية المتناثرة بين المساكن الفلسطينية وسط الخليل، وأغلق شوارع وأزقة تصل بين بيوت وأحياء المدينة.

ومع حلول الأعياد اليهودية في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ازدادت الضغوط، وتحول السكان إلى سجناء في منازلهم وقيّد الاحتلال الإسرائيلي حريتهم في الحركة والتنقل.

وسط حواجز عسكرية كثيفة وقيود أمنية مشددة، تحوّل قلب مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة منذ أكثر من عام إلى ما يشبه "سجنًا مفتوحًا"

وقُسمت الخليل وفق اتفاق 1997 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل إلى منطقتين: "خ-1" الخاضعة لسيطرة فلسطينية، و"خ-2" الخاضعة لسيطرة إسرائيلية، وتُقدر الأخيرة بنحو 20 بالمئة من مساحة المدينة، وتقع فيها البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي.

من حظر التجول إلى الإغلاق والاعتداءات

في الأشهر الأولى للإبادة الجماعية في غزة، فرض جيش الاحتلال على أهل الخليل حظرًا كاملًا للتجوال، بدأت تخف حدته تدريجيًا ليتحول إلى حظر أيام السبت من كل أسبوع، وخلال الأعياد اليهودية، إذ يتوجب على الفلسطينيين المكوث بمنازلهم. وبالتزامن مع إجراءات جيش الاحتلال، صعّد المستوطنون الإسرائيليون من اعتداءاتهم على الفلسطينيين، بما في ذلك مهاجمة البيوت وتسميم الأغنام كما حصل في حادثتين منفصلتين خلال أيلول/سبتمبر الماضي.

وعن تلك المعاناة، يقول عماد أبو شمسية، وهو من حي تل الرميدة، إن عائلته كبقية العائلات في المنطقة المغلقة "تعيش ظروفًا صعبة وقيودًا على الحركة"، ويتطرق في حديثه مع "الأناضول" إلى الاعتداءات على الأهالي أثناء مرورهم من الحواجز العسكرية الإسرائيلية من وإلى بيوتهم، مبينًا أنها تتنوع بين "ضرب وتنكيل وإهانة للأطفال وتفتيش يدوي استفزازي وتحرش جنسي بالأطفال والفتيات".

ويذكر أبو شمسية أنه اعتبارًا من مساء يوم الجمعة من كل أسبوع، يفرض جيش الاحتلال على أهالي الخليل حظرًا للتجول بسبب دخول السبت، وهو يوم عطلة أسبوعية لليهود، مضيفًا "نُمنع من الحياة الطبيعية في يوم السبت من كل أسبوع، بما في ذلك الخروج حتى في ساحة المنزل أو الوقوف على النوافذ، كل شيء يتوقف ونبقى رهائن للحبس المنزلي".

ويلفت أبو شمسية إلى أن "كثير من العائلات الفلسطينية اضطرت لمغادرة قلب الخليل بسبب القيود الإسرائيلية، خاصة تلك التي لديها أبناء في الثانوية العامة أو الجامعات"، مبينًا أن هؤلاء لجأوا إلى بيوت أقارب لهم بعيدة عن منطقة الإغلاق، ويشير المواطن الفلسطيني إلى أن معاناتهم لا تتوقف عند هذا الحد، موضحًا: "المستوطنون يقتحمون المنازل بلباس الجيش، وينكلون بالمواطنين، ويجرون أعمال تفتيش وتخريب ومصادرة للهواتف النقالة بدون سبب".

ويشتكي أبو شمسية من الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون وسط الخليل لتوفير سبل العيش واحتياجات أسرهم، وذلك جراء القيود الإسرائيلية، ويقول بهذا الصدد إن كل شيء يتم شراؤه بكميات قليلة وبأحجام صغيرة "حتى نتمكن من إدخالها عبر حواجز التفتيش العسكرية والبوابات الإلكترونية بها".

لم تؤثر الإجراءات على الحركة فحسب، بل ألقت بظلالها على العلاقات الاجتماعية، فبينما تتمكن ابنتا أبو شمسية المتزوجتان خارج المنطقة المغلقة من زيارة العائلة، فإنه لا يسمح لزوجيهما بالدخول، ويوضح أبو شمسية أن السلطات الإسرائيلية فرضت تثبيتًا لأسماء سكان الخليل وفق قوائم بالأرقام، وتمنع دخول كل من هو خارج القائمة ولا يحمل رقمًا. ومع حلول عيد "العرش اليهودي" الذي يبدأ، اليوم الخميس، ويستمر أسبوعًا، فإن أبو شمسية كباقي العائلات، يشعر بالقلق ويتهيأ للمكوث طويلًا في المنزل.

مزيد من الحواجز

من جهتها، تقول لجنة إعمار الخليل، وهي جهة حكومية فلسطينية وظيفتها تثبيت السكان وترميم البيوت القديمة، إن جيش الاحتلال أضاف حواجز جديدة في قلب المدينة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تضاف إلى أكثر من 100 حاجز وعائق ونقطة عسكرية كانت موجودة من قبل.

ويقول مدير اللجنة، مهند الجعبري، لـ"لأناضول": "الاحتلال بدأ إجراءاته بحظر التجول داخل الأحياء، والآن يقتصر حظر التجول على أيام السبت والأعياد اليهودية"، ويذكر أنه من بين الإجراءات المتبعة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 "منع مغادرة المنازل قبل الساعة السادسة صباحًا، ومنع العودة إليها لمن غادروها بعد العاشرة ليلًا".

ويشير إلى "جولات استفزازية كثيفة للمستوطنين في البلدة القديمة أيام السبت من كل أسبوع، يترتب عليها إغلاق المتاجر وشل الحركة التجارية في الخليل"، محذرًا من "ممارسة الضغوط على المواطنين لدفعهم إلى الخروج من البلدة القديمة بالخليل وإخلائها ضمن سياسة تهجير يخطط لها الاحتلال".

ويلفت الجعبري إلى تراجع أعداد المصلين بشكل كبير في المسجد الإبراهيمي طوال العام الماضي وتكرار منع رفع الأذان، وإغلاق محيطه في أي حدث أمني في المحافظة حتى لو كان بعيدا عنه. وقسم الاحتلال الإسرائيلي في عام 1994 المسجد بواقع 63 بالمئة لليهود، و37 بالمئة للمسلمين، عقب مذبحة ارتكبها مستوطن أسفرت عن استشهاد 29 مصليًا، وتقع غرفة الأذان في الجزء المخصص لليهود.

ويقدر الجعبري عدد المواطنين المتأثرين مباشرةً ويوميًا بالإجراءات الإسرائيلية بالمناطق المغلقة بنحو 4500، يرتفع العدد إلى 8500 عند الحديث عن كامل البلدة القديمة، مشيرًا إلى المداهمات الليلية للبيوت، حيث تم إخضاع السكان وهواتفهم ومنازلهم للتفتيش والاعتداء عليهم بشكل شبه يومي.

وخلص إلى أن "سكان البلدة القديمة والأحياء المحيطة بالمسجد الإبراهيمي يحتاجون إلى حماية وأمن، فضلًا عن دعم إنساني وإسناد مادي، خاصة مع فقدان كثيرين منهم أعمالهم نتيجة عدم تمكنهم من الوصول إليها".

خطر التهجير

وبداية أغسطس/آب الماضي، نشرت منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية تقريرًا عنونته بـ"حياة محتلة: خطر التهجير القسري للفلسطينيين في الخليل"، يرصد الواقع المرير وسط المدينة، وسلطت المنظمة الضوء على تفاصيل التدهور السريع في حصول فلسطينيي الخليل على الرعاية الطبية، ويرجع ذلك إلى القيود التي يفرضها جيش الاحتلال والعنف الذي يرتكبه الجنود والمستوطنون.

وضمن التقرير، قالت مديرة الشؤون الإنسانية بالمنظمة، فريدريكه فان دونغن: "تتسبب القيود المفروضة على الحركة والمضايقات والعنف من قبل القوات والمستوطنين الإسرائيليين بمعاناة هائلة غير ضرورية للفلسطينيين في الخليل. ولهذا الأمر تأثير كارثي على صحة الناس النفسية والجسدية"، حيث تنتشر في قلب الخليل عدة بؤر استيطانية يسكنها نحو 500 مستوطن، وسط انتشار عسكري لمئات الجنود.

وتشهد الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، انتهاكات إسرائيلية يومية من الجيش والمستوطنون، بموازاة الإبادة الجماعية التي ترتكبها تل أبيب بقطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وبحسب البيانات الرسمية، أسفرت الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة عن استشهاد 756 فلسطينيًا حتى، أمس الأربعاء، بالإضافة إلى إصابة نحو 6250 فلسطينيًا، وما لا يقل عن 11300 فلسطيني معتقل في سجون الاحتلال.