قدّم المفكّر العربي عزمي بشارة، مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في مقابلة جديدة على التلفزيون العربي، قراءةً معمّقة لمسارات الحرب الإسرائيلية على غزة، وللمواقف السياسية العربية والدولية، ولآفاق هذه الحرب، وتداعياتها على فلسطين والمنطقة العربية والعالم.
أكد بشارة على ضرورة عدم الاعتياد على المجازر والتطبيع معها، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الحروب الشاملة الهمجية على شعب بأسره أمر غير مسبوق، مشدّدًا على أنّ ما يتحمله الناس في غزة فوق طاقة البشر. ولفت إلى ما وصفها بـ"القاعدة غير الأخلاقية" التي وُضِعت لهذه الحرب منذ بدايتها، والتي تجلّت بتصريحات قادة الاحتلال غير الأخلاقية وغير المعتادة. وذكّر في هذا السياق بقول الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إنه لا يوجد أشخاص أبرياء في غزة، من دون أن يستنكر أحد كلامه الهمجي والبربري، ووزير الأمن يوآف غالانت الذي قال إننا نتعامل مع حيوانات بشرية، إلى آخره من الساسة الذين تناوبوا على الحديث بهذا الشكل، من دون أيّ حسيب أو رقيب.
واعتبر انطلاقًا من ذلك أنّ ما يجري في غزة هو عقاب جماعي للمدنيين والسكان، لكي لا يتكرر ما حصل، وليعبّروا عن نقمتهم على من كان السبب به في نظر إسرائيل، أي حركة حماس، مشيرًا إلى أنّ معاقبة المدنيين والسكان لتحقيق أهداف سياسية تكرر في التاريخ الصهيوني، لكن ليس بهذا الحجم.
أشار عزمي بشارة إلى انعدام الثقة بين نتنياهو الذي يمثل القيادة السياسية من جهة، والقيادة العسكرية من جهة ثانية، واعتبر أنّ موضوع الأسرى يزيد كذلك من الضغط السياسي والشعبي على رئيس الحكومة الإسرائيلية
رفض سافر لوقف إطلاق النار
استهجن صاحب كتاب "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" الرفض العلني والسافر لوقف إطلاق النار من قبل بعض القادة في الغرب، وهو ما يعني ضمنًا تأييدهم استمرار إسرائيل في الجريمة التي ترتكبها، أو بشكل أكثر تحديدًا، في جريمة الحرب الممتدة التي تشنّها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبالحديث عن المزاج العام الإسرائيلي، لفت بشارة إلى أنّ الضغط الشعبي على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مرتبط بما حصل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مجدّدًا القول إنّ مستقبله السياسي قد انتهى عمليًا.
وفيما أشار إلى انعدام الثقة بين نتنياهو الذي يمثل القيادة السياسية من جهة، والقيادة العسكرية من جهة ثانية، اعتبر أنّ موضوع الأسرى يزيد كذلك من الضغط السياسي والشعبي على رئيس الحكومة الإسرائيلية.
واعتبر بشارة أنّ الهدف الأساسي من الحرب الذي يوجد عليه إجماع في داخل إسرائيل، ومع الولايات المتحدة، هو القضاء على حركة حماس، موضحًا أنّ موضوع الأسرى والرهائن هو خاضع لهذا الهدف، وتابع له، وأنّ الحديث عنه ناجم عن ضغط شعبي يشكّله الأهالي ومن معهم.
وفيما رأى أنّ أولوية الإسرائيليين هي القضاء على حماس، وليست إطلاق الأسرى، شدّد على أنّ هذين الهدفين المعلنين للعدوان متناقضان في الصميم، ولا سيما أنّ العديد من الرهائن قد يلقون حتفهم في القصف والعمليات العسكرية، وهو ما حدث بالفعل، بحسب ما أعلنت حركة حماس.
وإذ جدّد بشارة القول إنّه لم يكن هناك من داعٍ أن يكون هناك مدنيون في قبضة الحركة، وأنّ هؤلاء يشكّلون عبئًا في مكانٍ ما، أعرب عن اعتقاده بأنّ الحركة كانت تريد الإفراج عنهم منذ البداية، إلا أنّ الاحتلال عقّد هذا الأمر من خلال القصف والتلويح بالاغتيالات.
مبالغة حقيقية وشكل من النفاق
وفسّر موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن المتماهي مع موقف الاحتلال على أنّه شكل من النفاق. ولفت إلى وجود ميول حقيقية نحو الصهيونية لدى بايدن الذي صرّح مرارًا عن تعاطفه معها، كما قد يكون لديه نفور تجاه العرب والمسلمين، ولو لم يعبّر عنه صراحةً، وشدّد على أنّ مثل هذا الأمر غير مبرّر، لافتًا في هذا السياق إلى حادثة طعن طفل فلسطيني في الولايات المتحدة.
ورأى بشارة أنّ الإجماع الأمريكي الإسرائيلي على الحرب وأهدافها يجرّ خلفه إجماعًا أوروبيًا كذلك، معربًا عن اعتقاده بأنّ الأوروبيين يتصرّفون بشكل مخجل إزاء العدوان على غزة.
اجتياح وصمود
وبخصوص العملية البرية الإسرائيلية، رأى أن الاحتلال يعمل على مراحل، ويأخذ بالاعتبار الثمن الناجم عن مقاومة الطرف الآخر، ولذلك ربما يتجنّب الاجتياح الكامل والواسع دفعة واحدة.
وفيما رأى أن الإستراتيجية التي يعتمدها الاحتلال في هذا الصدد تدلّ على أنه أخذ في الاعتبار وجود مقاومة فلسطينية، وأنّه يريد التقدم وتحقيق هدفه بأقلّ حجم من الخسائر، شدّد على أن المقاومة في المقابل حقيقية، وهي ستشتدّ بطبيعة الحال، ما يعني أنّ اجتياح غزة لن يكون سهلاً أو رخيصًا.
ومع اعتباره أنّ الموقف الأمريكي والأوروبي يشجّع إسرائيل على المضيّ بتحقيق الأهداف المتفق عليها من الحرب، وهي القضاء على حماس، في حين يكتفي الموقف العربي بالاستنكار في أقصى الحالات، لفت إلى وجود عاملين متغيّرين في المعادلة تأخذهما إسرائيل بالاعتبار، وهما المقاومة بالدرجة الأولى، ولكن أيضًا التغيرات في الرأي العام العربي والدولي.
وأكد أنّ صمود المقاومة في هذه الحرب كان متوقَّعًا، مشيرًا إلى أنّ الإسرائيليين أنفسهم يعرفون ذلك، وهم أدركوا يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر أنّهم لم يعرفوا حقيقة المقاومين.
وأوضح أن الإسرائيليين لم يكن لديهم أيّ معلومات تشي بما قد يحدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يمكن أن ينسحب ويسري على بقية الأمور والاستحقاقات، بما فيها ما تستطيع المقاومة فعله اليوم في غزة.
واعتبر بشارة أنّهم يعوّضون عن إخفاقهم الاستخباراتي وجهلهم بالمعلومات بالقصف الهمجي الواسع، لدرجة أنّهم يبرّرون قصف المستشفيات والمدارس بذريعة أنّهم يفترضون وجود مقاومين فيها، من دون أيّ دليل على ذلك.
الهدنة الإنسانية وإطلاق الأسرى
وفي قراءته لملف مفاوضات تبادل الأسرى، أشار بشارة إلى أنّ كتائب القسام أعلنت موافقتها على فكرة إطلاق سراح جميع الرهائن الموجودين في قبضتها، مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
ومع أنّ مثل هذا الأمر قد لا يبدو خياليًا، إلا أنّ بشارة جزم بأنّ صنّاع القرار في إسرائيل لا يوافقون على مثل هذه الصفقة، لأنها ستُعتبَر إنجازًا لمن قاموا بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
واعتبر أنّ رفض "إسرائيل" لأيّ حديث عن هدنة لأكثر من 24 ساعة، يعني أنها لا تريد أن يرتاح الشعب في غزة، في حين أنّ الهدن الإنسانية تحصل في كل الحروب، بأسرى ومن دونهم.
الترانسفير.. المشروع الجاهز دائمًا
وفي سياق متصل، أكد بشارة أنّ إسرائيل لديها خطط تهجير دائمة، معتبرًا أنّ موضوع الترانسفير محبب في تاريخ الفكر الصهيوني.
وذكّر بما جرى عام 1948 في هذا السياق من تهجير بشكل منهجي، والذي كان مبنيًا على خطط وفكر، بمعنى أنّك أقلية في بلد ولكي تصبح أكثرية، يجب أن تهجّر غالبية السكان، ويفضّل أن تهجّرهم جميعهم، حتى إنّ هناك تعبيرات عن ندم على إبقاء بعض العرب في الداخل.
لكن في حالة الفلسطينيين في حدود 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الاحتلال لن يتمكّن من تهجير السكان بالقوة، لكنّه أشار إلى أنّ ثمّة هجرة تحصل فعلًا، نتيجة التضييق على حياة الناس، وهو يرقى لمستوى التهجير غير المباشر. واستشهد في هذا السياق بحصار غزة، الذي دفع الكثير من أهالي القطاع إلى الهجرة، وهذا أمر طبيعي.
ورأى بشارة أنّ تهجير أهل غزة بالقوة، عبر استنساخ سيناريو 1948، من خلال وضعهم في الشاحنات ونقلهم إلى سيناء على سبيل المثال، هو حلم يتوخى تحقيقه العديد من الصهاينة بلا شكّ، لكن طالما أنّ مصر ترفض ذلك، وأنّ الشعب الفلسطيني واعٍ لما جرى عام 1948، فإنّ ذلك يبدو متعذّرًا، إلا إذا حصلت مذبحة شاملة، أو حصل تواطؤ من الطرف الآخر مع دولة عربية أخرى، وهذا يبدو صعبًا في هذه المرحلة.
وأشار إلى أنه إذا حصل تغيّر كبير على مستوى الرأي العام الأمريكي، وهو ليس مستبعَدًا، رغم الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي المنخرط في الدعاية الإسرائيلية، فقد يدفع ذلك باتجاه مراجعة موقف الإدارة الأمريكية من الحرب.
أما الأمر الآخر فهو أن تقوم الدول العربية باتخاذ خطوات فعلية، وعدم الاكتفاء باستنكار العدوان والمجازر. وأوضح أنّ القضية الفلسطينية هي عامل عدم استقرار بالنسبة للإدارة الأمريكية، لكن التفكير يجب أن يكون في حلّها، وليس في القضاء عليها، أو تهميشها.
ورأى استنادًا إلى ما تقدّم، أنّه إذا اتخذ العرب إجراءات وخطوات حقيقية، على الأقلّ بالموقف من إسرائيل والانفتاح عليها، ومن مسار التطبيع معها، فذلك سيؤثر كثيرًا على الأمريكيين.
ميّز عزمي بشارة بين موقف إيران من القضية الفلسطينية، ومواقفها من دول ومحاور أخرى في المنطقة، وتحديدًا مواقفها في اليمن وفي العراق وفي سوريا، وهي مواقف لها علاقة بأمنها القومي ومصالحها
وبالحديث عن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعدد من نظرائه العرب، لفت إلى أنه أراد أن يناقش مع العرب موضوع اليوم التالي للحرب، لكن يبدو أنّه سمع كلامًا مختلفًا، وأنّهم رفضوا نقاش هذا الموضوع، وطالبوا ببحث موضوع وقف إطلاق النار حصرًا، واصفًا ذلك بأنه مؤشّر جيّد.
وفي هذا السياق، حذر بشارة من أن نقاش "اليوم التالي" لانتهاء الحرب على غزة، من جانب الأمريكيين، هو سؤال حول من سيأتي على ظهر دبابة إسرائيلية لحكم قطاع غزة.
دول ومواقف
وتعليقًا على الموقف التركي، لفت صاحب "أن تكون عربيًّا في أيامنا" إلى أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان أخذ مواقف متقدّمة وممتازة من الناحية الخطابية في المرحلة الثانية من الحرب، لكن بقيت الخطوات الجدية غائبة. وبين أن الحسابات البراغماتية تطغى على ما سواها فـ"لم نر خطوات جدية من بلد مهم يمكنه اتخاذ خطوات مهمة".
وفيما اعتبر أنّ تركيا بلد مهمّ، وبإمكانها أن تتّخذ خطوات مهمة، أشار إلى أنه إذا أكملت إسرائيل مخططها مع الولايات المتحدة، فإنّ تعاملها مع الجميع سيختلف، بما في ذلك الرئيس أردوغان والدول العربية.
وثمّن بشارة المواقف المبدئية الصادرة عن بعض القوى في أمريكا اللاتينية، نصرة لغزة وللقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنّ هؤلاء يدفعون ثمن هذه المواقف، بوجود لوبي إسرائيلي يحرّض عليهم.
وبالانتقال إلى دول الإقليم، أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ إيران ليست لديها نيّة خوض الحرب كما هو واضح، مشيرًا إلى أنّه يصدّق أنّ كتائب القسام عندما أطلقت عملية طوفان الأقصى لم تشاور إيران أو حزب الله، وربما لم تشاور القيادة السياسية في الخارج.
وميّز بشارة بين موقف إيران من القضية الفلسطينية، ومواقفها من دول ومحاور أخرى في المنطقة، وتحديدًا مواقفها في اليمن وفي العراق وفي سوريا، وهي مواقف لها علاقة بأمنها القومي ومصالحها، وهي مستعدّة أن تنشئ ميليشيات في دول ذات سيادة، ومستعدة أن تراهن على المشاعر الطائفية.
وفيما اعتبر أنّ الناقلات وحاملات الطائرات والبوارج جاءت إلى المنطقة لتحذير إيران وليس غزة، رأى أنّ إيران تعيد الرسائل، حيث تنتج فوريًا توازن ردع مع هذه البوارج، ما يعني أنّها توجّه رسائل في مقابل تلك الأمريكية، بمعنى أنّها ليست هي التي بادرت، وهذا مرتبط أيضًا بنفوذها الإقليمي.
وأكد بشارة أنّ طهران تدعم حركات المقاومة بصورة عامة، لكنه شدد على وجوب عدم الاعتقاد بأنّ دولًا حقيقية، مثل إيران، تقوم بحساباتها بموجب توقعاتنا الأخلاقية بشأن دعم المقاومة، موضحًا أنّها داعمة لهذه الحركات، لكن لديها حسابات أكبر مرتبطة بمصالحها الإقليمية.
وتعليقًا على غياب أي موقف للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد من الأحداث الجارية، اعتبر بشارة أنّ سوريا باتت خارج المعادلة، مشيرًا إلى أنّها أصبحت مرتعًا للطائرات الإسرائيلية واختراقاتها، وكذلك لميليشيات من كل العالم، وهي باتت ساحة، بعدما تحوّلت إلى دولة ذات دور إقليمي في وقت سابق خلال عهد حافظ الأسد.
ورأى أنّ ذلك نجم عن عدم قدرة رئيس النظام الحالي بشار الأسد على إدارة الأزمة بالإصلاح والتفاهم والمساومات والتنازلات، وإصراره على شنّ حرب شاملة على شعبه بهذا الشكل، وفي النتيجة، أصبحت سوريا عبارة عن خراب حقيقي.
لكنّه مع ذلك شدّد على أنّ الشعب السوري متضامن مع غزة، فهو يدرك أهمية قضية فلسطين لبلاد الشام، وهو يدرك معاناة الفلسطينيين.
ولفت إلى أنّ أهمية قضية فلسطين أنّها آخر قضية استعمارية في المنطقة، لذا يُفترض أن توحّد الشعوب والأنظمة.
عن خطاب نصر الله
وتعليقًا على خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، قال بشارة إنّه لم يكن متوقّعًا منه أن يعلن الحرب في خطابه، وليس مطلوبًا منه أيضًا أن يعلن ذلك، بمعزل عن الأسباب التي دفعت كثيرين إلى تضخيم التوقعات من الخطاب وما يمكن أن يدلي به.
وأشار إلى أنّ حزب الله في النهاية هو قوة لبنانية، وهناك أغلبية لبنانية بالتأكيد ضدّ الحرب، وقال: "ربما هذا الأمر لم يكن ضمن اعتباراته في الماضي، لكنه أصبح أكثر ضمن اعتباراته اليوم، بوصفه قوة سياسية تلبننت أكثر من السابق، ولا سيما بعدما دخلت الحكومة بعد 2006، وأصبحت ضمن موازين القوى اللبنانية، وساهمت بالتأكيد في ترسيم الحدود".
وشدّد على أنّ التناقض بين حزب الله وإسرائيل لا يزال أساسيًا، بدليل الحشد الذي يقوم به والذي لا يهدف للسيطرة على لبنان، وإنما لمواجهة إسرائيل، لافتًا إلى أنه أشعل الحدود في المواجهة الأخيرة، وقد شرح في خطابه بالأرقام كيف خفّف الضغط عن غزة وغير ذلك.
ورأى بشارة أنّ حزب الله يجعل إسرائيل تدفع ثمنًا من الجبهة الشمالية، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنّ طبيعة المعركة في غزة لا تتغيّر نتيجة لتغيير يحصل في لبنان، بمعنى أنّ ما يحصل الآن على الحدود اللبنانية هو تغيير لقواعد الاشتباك، حيث أصبح السقف الذي يمكن الوصول إليه قبل إعلان حرب أعلى بكثير من السابق.
وأشار إلى أنّ إسرائيل دفعت ثمنًا أغلى بكثير ممّا حصل في تموز 2006، لكنّها لم تعلن حربًا، لأنها لا تريد حربًا أثناء انشغالها في غزة، كما أنّ اللبنانيين أيضًا لا يريدون الحرب في الوقت الحالي.
وأعرب عن اعتقاده بأنّ اشتعال الحرب في لبنان يمكن أن يدفّع إسرائيل ثمنًا أغلى، شكّك في قدرتها على تغيير طبيعة وقواعد الحرب في غزة. وقال: "في رأيي، لا يوجد جواب يقيني على هذا السؤال. تقديري الشخصي أنّها لن تغيّر قواعد الحرب، لكن قد يكون هناك اجتهادات أخرى في هذا الصدد قابلة للنقاش".
وشدّد عزمي بشارة على أنّ القضية الرئيسية الآن هي المقاومة والصمود والميدان، والعمل على مستوى الرأي العام العربي والعالمي، وهو ما يحتاج إلى خطاب قابل للإقناع
وأشار إلى أنّ مثل هذه الأمور لا تُحَلّ بكلام انفعالي على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي أعقد من ذلك، ويجب أن تُدرَس بدقّة، معربًا عن اعتقاده بأنّ حزب الله قادر على دراستها بدقّة. وأضاف: "على الأقلّ في هذا الموضوع لديهم خبرة".
مبادرات سياسية لوقف العدوان على غزة
من جهة ثانية، تطرّق بشارة إلى إمكانية حصول مبادرات سياسية لوقف العدوان على غزة، فشدّد على أن الحسم ميداني وفق الموازين الحالية، مشيرًا إلى أنّه لا يتوقع وجود مبادرات سياسية قد تحلّ الأزمة، إلا بحال فرض وقف إطلاق النار نتيجة لبعض المتغيّرات، كازدياد الاحتجاج في الغرب، واتخاذ العالم العربي مواقف تضطر الولايات المتحدة إلى وقف إسرائيل عند حدّها.
لكنّ بشارة استبعد مبادرات سياسية من حركة حماس، مشيرًا إلى أنّه كان يتوقع منها أن تشرح ما جرى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأن يكون هناك سرديّة من جانبها في مقابل السردية الإسرائيلية، خصوصًا لناحية الرد على المزاعم والأضاليل الإسرائيلية حول الارتكابات التي جرت على هامش العملية.
وشدّد على أنّ القضية الرئيسية الآن هي المقاومة والصمود والميدان، والعمل على مستوى الرأي العام العربي والعالمي، وهو ما يحتاج إلى خطاب قابل للإقناع، معتبرًا أن المبادرات السياسية ليس وقتها حاليًا.
الضفة الغربية ودور السلطة الفلسطينية
وتوقف الدكتور بشارة عند التطورات المتصاعدة في الضفة الغربية، فلفت إلى أن أهل الضفة لا يتضامنون مع غزة فحسب، بل إنّ المعركة هي معركتهم أيضًا. وذكّر بأنّ عملية طوفان الأقصى جاءت في جانب منها، بسبب ما يجري في الضفة من اقتحامات متكررة وعمليات استيطان وغير ذلك من صدامات متصاعدة على مدار العام.
وفي حين تحدّث عن انتفاضة جارية في الضفة منذ عام، اعتبر أنّ المطلوب من السلطة هو اتخاذ مواقف وخطوات ولو بالحدّ الأدنى، لافتًا إلى أنّ اتفاق أوسلو، الذي جدّد رفضه بالمطلق، لم توقّعه السلطة مع المستوطنين المتطرفين، وبالتالي فإنّها مُطالَبة بالدفاع عن الفلسطينيين أمام هجمات المستوطنين المتواصلة.
وسأل عن موقع السلطة الفلسطينية في مستوى وقف الحرب على غزة، معتبرًا أنّ ما تقوم به السلطة على مستوى صنع القرار السياسي لا يبدو كافيًا، متسائلاً في هذا السياق كذلك عن دور السلطة في تشجيع مصر على فتح معبر رفح وإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
حراك شعبي دولي وتضييق على حرية التعبير
وبالانتقال إلى ما يحصل في الأراضي المختلة عام 1948 بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أكد بشارة وجود تضييق واستغلال لظروف الحرب لتمرير أمور ما كانت لتمرّ في ظروف عادية.
وتحدّث عن تضييق على حرية التعبير بشكل غير مقبول في بعض المناطق، لافتًا إلى حصول اعتقالات بسبب منشورات على وسائل التواصل، بل إنّ هناك طلابًا يُفصَلون من الجامعات بسبب ذلك.
وأكد بشارة أهمية الحراك الشعبي الدولي نصرة لغزة، وتضامن القوى الديمقراطية والتقدمية والمتحررة في العالم مع قضية فلسطين، رغم كل ما يجري من غسل للأدمغة، ومحاولات تضييق وغير ذلك، وخصوصًا من أشخاص لا ينتمون للقومية العربية، ولا يشاركون حركة حماس قناعاتها ومعتقداتها.
ونوّه بمشاركة الكثير من اليهود في هذا النوع من الحراك الشعبي، مشدّدًا على أنّ قضية فلسطين ليست مع اليهود ولا مع اليهودية، فالمشكلة الفعلية هي مع الصهيونية ومع حركة الاستعمار. كما حيّا بعض المواقف الجريئة للبعض في الغرب، ممّن يغرّدون خارج السرب، كما فعلت المحررة في نيويورك تايمز التي استقالت من وظيفتها، بعدما خيّرت بين هذه الخطوة وبين سحب توقيعها على عريضة تستنكر قصف المستشفيات.