أدت الهجمات التي شنتها جماعة أنصار الله الحوثي، في البحر الأحمر وباب المندب، إلى تعطيل في حركة التجارة العالمية عبر هذا الطريق التجاري المائي الحيوي، وزيادة تكاليف الشحن، إلا أن الحرب في غزة أدت إلى أضرار كبيرة باقتصاديات دول الجوار.
أشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن التهديد بالتصعيد حول عدد من نقاط التوتر في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والآن إيران وباكستان، يتصاعد كل يوم.
تشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه على الرغم من عدد القتلى المذهل والبؤس الشديد للعنف في الشرق الأوسط، فقد تم احتواء التأثير الاقتصادي الأوسع حتى الآن على الغالب. عاد إنتاج النفط وأسعاره، وهو محرك حاسم للنشاط الاقتصادي والتضخم في جميع أنحاء العالم، إلى مستويات ما قبل الأزمة. ولا يزال السياح الأجانب يسافرون إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.
ومع ذلك، بالنسبة لدول الجوار، كمصر ولبنان والأردن، فإن الضرر الاقتصادي شديد بالفعل.
وقدر تقييم أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه في غضون ثلاثة أشهر فقط، كلف العدوان الإسرائيلي على غزة البلدان الثلاثة خسائر بنحو 10.3 مليار دولار، أو 2.3 % من ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعةً، ومن المتوقع أيضًا أن يقع 230 ألف شخص تحت براثين الفقر، في الدول الثلاث.
تم احتواء التأثير الاقتصادي الأوسع لحرب غزة. عاد إنتاج النفط وأسعاره، وهو محرك حاسم للنشاط الاقتصادي والتضخم في جميع أنحاء العالم، إلى مستويات ما قبل الأزمة
وحذر التقييم من أن "التنمية البشرية يمكن أن تتراجع لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات على الأقل في مصر والأردن ولبنان"، مستشهدًا بتدفقات اللاجئين والدين العام المرتفع وانخفاض إيرادات التجارة والسياحة، وهو مصدر حيوي للعملة الأجنبية والعمالة.
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن هذا الاستنتاج يعكس تحديثًا أصدره صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، الذي قال إنه من المؤكد أن يخفض توقعاته لأكثر البلدان عرضة لذلك، عندما ينشر توقعاته الاقتصادية العالمية في نهاية هذا الشهر.
وقال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس: إن "أحدث الضربات الاقتصادية لا يمكن أن تأتي في وقت أسوأ بالنسبة لهذه البلدان".
وعانى النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من انخفاض بالفعل، حيث انخفض إلى 2 % عام 2023، بعد ما كان 5.6 % في العام السابق. لقد انخرط لبنان في ما يسميه البنك الدولي واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم منذ أكثر من قرن ونصف. وكانت مصر على حافة الإفلاس.
وذكر تقرير الصحيفة الأمريكية إلى أن عدم اليقين بشأن مسار الحرب يؤدي في الأردن ولبنان ومصر إلى تدني ثقة المستهلكين والشركات، ومن المرجح أن يساهم في انخفاض الإنفاق والاستثمار، كما يقول صندوق النقد الدولي ومحللون مختصون.
ولفت التقرير، إلى أن مصر، أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان، لم تتعاف بعد من ارتفاع تكلفة الواردات الأساسية مثل القمح والوقود، وانخفاض عائدات السياحة، وانخفاض الاستثمار الأجنبي الناجم عن وباء "كورونا"، والحرب في أوكرانيا.
وتسبب الإنفاق الحكومي الكبير على المشاريع الضخمة والأسلحة في ارتفاع ديون مصر. عندما رفعت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة للحد من التضخم، تضخمت مدفوعات الديون، بالإضافة لاستمرار ارتفاع الأسعار داخل مصر الذي أثر على القدرة الشرائية للأسر، وخطط الشركات للتوسع.
وقال لانديس: "لا أحد يرغب في الاستثمار، لكن مصر أكبر من أن تفشل"، موضحًا: أن "الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، ومن غير المرجح أن تسمح البلاد بالتخلف عن سداد قروضها الأجنبية البالغة 165 مليار دولار، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية والسياسية".
وبحسب التقرير، يعد انخفاض حركة الشحن العابر إلى البحر الأحمر من قناة السويس أحدث ضربة تتلقاها مصر. وفي الفترة بين كانون الثاني/يناير وآب/أغسطس، حققت مصر إيرادات متوسطها 862 مليون دولار شهريًا من قناة السويس، التي يمر عبرها 11% من التجارة البحرية العالمية.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي للأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، جيمس سوانستون: "إنه وفقًا لرئيس هيئة قناة السويس، انخفضت حركة المرور بنسبة 30% هذا الشهر مقارنة بشهر كانون الأول/ديسمبر، كما انخفضت الإيرادات بنسبة 40% مقارنة بمستويات 2023"، وأضاف: "هذا هو أكبر تأثير غير مباشر".
وبالنسبة لهذه الاقتصادات الثلاثة المتعثرة، فإن انخفاض السياحة مثير للقلق بشكل خاص. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، شكلت السياحة في مصر ولبنان والأردن عام 2019 ما بين 35% إلى ما يقرب من 50% من صادراتها من السلع والخدمات مجتمعة.
وفي أوائل كانون الثاني/يناير، كانت التذاكر المؤكدة للسياح الأجانب إلى منطقة الشرق الأوسط الأوسع في النصف الأول من هذا العام أعلى بنسبة 20 % مما كانت عليه في العام الماضي، وفقا لشركة "ForwardKey"، وهي شركة لتحليل البيانات تتعقب حجوزات السفر الجوي العالمية.
كلما تصاعد القتال زاد انخفاض عدد المسافرين. فقد تبخرت السياحة إلى "إسرائيل" في الغالب، ما أدى إلى ضرب اقتصادها بسبب عدوانها الشامل على قطاع غزة
إلا أن تقرير الصحيفة الأمريكية أشار إلى أنه كلما تصاعد القتال زاد انخفاض عدد المسافرين. فقد تبخرت السياحة إلى "إسرائيل" في الغالب، ما أدى إلى ضرب اقتصادها بسبب العدوان الشامل.
في الأردن، انخفضت حجوزات شركات الطيران بنسبة 18 %، وفي لبنان، حيث يجري قتال بين الجيش الإسرائيلي وعناصر حزب الله على طول الحدود، انخفضت الحجوزات بنسبة 25 %.
وأعتبر نائب رئيس قسم الرؤى في "ForwardKey"، أوليفييه بونتي: أن "المخاوف من المزيد من التصعيد الإقليمي، تلقي بظلالها على آفاق السفر إلى المنطقة". وقد ساهمت السياحة في لبنان سابقًا بخمس الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد.
وقال المدير العام لشركة لبنان للسياحة والسفر في بيروت، حسين عبد الله: "الموقع الأول في لبنان هو بعلبك"، وأضاف: "الآثار الرومانية المترامية الأطراف التي يبلغ عمرها 2000 عام مذهلة لدرجة أن الزوار اقترحوا أن الجن بنو قصرًا هناك لملكة سبأ، أو أن الكائنات الفضائية بنوه كمنصة هبوط بين المجرات"، وتابع: "الآن إنه فارغ تمامًا".
وأشار عبد الله، إنه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، انخفضت الحجوزات بنسبة 90 % عن العام الماضي. وقال: "إذا استمر الوضع على هذا النحو فإن العديد من منظمي الرحلات السياحية في بيروت سيتوقفون عن العمل".
وتراجع السفر إلى مصر أيضًا في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر. وذكر لانديس أن شقيقه ألغى رحلة مخططًا لها إلى نهر النيل، واختار قضاء العطلة في الهند بدلًا من ذلك.
وكشف المستشار في شركة "أميسول ترافيل إيجيبت"، وعضو "تحالف الشرق الأوسط للسفر"، خالد إبراهيم: إن "عمليات الإلغاء بدأت تتدفق بعد بدء الهجمات. ومثل منظمي الرحلات السياحية الآخرين، ورغم تقديم خصومات على الوجهات الشهيرة مثل شرم الشيخ في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء، وصل معدل الإشغال إلى حوالي 80% من المعدل الطبيعي".
وقال إبراهيم من المدينة المنورة بالسعودية، حيث كان يقود جولة: "أستطيع أن أقول إن هذا الشتاء، من كانون الثاني/يناير إلى نيسان/أبريل، سيكون مليئًا بالتحديات. ربما تنخفض الأعمال إلى 50% ".