في الذكرى الـ12 للثورة السورية، تستمر مساعي النظام السوري لفك العزلة الدولية المفروضة عليه بدون تقديم تنازلات سياسية. حيث تتزامن الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، مع حراك لتعويم الأسد إقليميًا ودوليًا.
وفي حين لا تزال خطوات النظام السوري محدودة في هذا الاتجاه، فإنه يحاول إضفاء طابع رمزي عليها. وهو ما كان واضحًا في قرار الأسد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ذكرى الثورة، ومن ثم انتقاله إلى الإمارات في جولة بدت استعراضية. ويأتي ذلك عقب محاولات إقليمية لاستغلال الزلزال الأخير في فك العزلة عن دمشق.
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال قبل أيام عن توجيهات صدرت عن مستشارة الأسد، لوزارة خارجية وصحة النظام، تؤكد على الاستفادة قدر الممكن من "التعاطف الناتج عن الكارثة للضغط على الرأي العام الدولي لإنهاء العقوبات واستخدام المساعدات لتوثيق العلاقات مع الدول العربية"
في هذا السياق، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال قبل أيام عن توجيهات صدرت عن مستشارة الأسد، لوزارة خارجية وصحة النظام، تؤكد على الاستفادة قدر الممكن من "التعاطف الناتج عن الكارثة للضغط على الرأي العام الدولي لإنهاء العقوبات واستخدام المساعدات لتوثيق العلاقات مع الدول العربية". وبحسب أحد مصادر الصحيفة الأمريكية: "كانت الرسالة هي تعظيم الاستفادة من الأزمة". وعقب الزلزال، أعلنت أمريكا عن سماحها بوصول المساعدات إلى سوريا حتى شهر آب/ أغسطس المقبل، رغم أن العقوبات على نظام الأسد لم تكن تشمل المساعدات الإنسانية.
تطبيع محدود واستراتيجيات لمواجهته
يتزامن هذا الحراك المحدود مع إدانةً أوسع لنظام الأسد على المستوى العالمي، خاصة فيما يتعلق بمحاكمة عناصره في أوروبا. فعلى سبيل المثال، ربطت الخارجية الأمريكية ما بين العقوبات على منفذ مجزرة التضامن بمساعي التطبيع مع نظام الأسد. وكما يوضح المنسق العام لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، محمود زغموت، فإنه "ربما تُسبّب محاكمات عناصر النظام حرجًا للدول الراغبة بتطبيع العلاقات مع الأسد، إذ إنها تتجاهل الجرائم الرهيبة التي ارتكبها بحق الشعب السوري على مدار سنوات، إلا أن ذلك لن يحول دون تهافت بعضها للتطبيع معه، خاصة بعض الدول العربية".
ويوضح زغموت في تصريح لـ"الترا صوت" الأسباب وراء ذلك: "الأول: أنها لا تبالي بقضايا حقوق الإنسان وقضايا الشعوب، والثاني أنها لا تختلف كثيرًا عن نظام الأسد من حيث أنها أنظمة استبدادية لا تعكس إرادة شعوبها، وليس لها مصلحة في تغيير نظام الحكم في سوريا، فمن شأن ذلك أن يلهم الشعوب ويدعم تطلعاتها في السعي للتغيير والوصول لحقها في تقرير مصيرها".
بدوره، يشير مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث مع "الترا صوت"، إلى أن هناك "دائمًا خططًا وعملًا لمواجهة الخطط الرامية لإعادة العلاقات مع النظام السوري"، ولكنه يوضح أن هذه الجزئية يتم تضخيمها، بمعنى أنه لم يكن هناك تطبيع جديد مؤخرًا مع النظام، فقد زار سلطنة عُمان وروسيا والإمارات وكلها تدول لم تقطع علاقتها معه.
ويوضح رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بأن هناك سبع إلى ثماني دول هي من تطبع مع النظام السوري، لذا لا يمكننا القول إلى الآن أن هناك عملية تطبيع واسعة مع النظام، كما أن الدول المطبعة مع النظام في غالبيتها تحكمها حكومات مستبدة. وفي هذا السياق، يشير عبد الغني إلى المحاكمات المرفوعة ضد عناصر نظام الأسد في عدة دول أوروبية، قائلًا: "هناك محاكمات وملفات مرفوعة ولكنها ضد عناصر منخفضة الرتب في النظام السوري، وليست متوسطة أو كبيرة، لأنهم لا يسافرون لأوروبا، والمحاكم الأوروبية تشترط التواجد على أراضيها، من أجل المحاكمة، فهي لا تأخذ بالحكم الغيابي".
ولكن رغم ذلك، يوضح رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن هناك أبعادًا سياسية داخل هذه المحاكمات، قد تشكل رادعًا أمام التطبيع مع نظام الأسد، مشيرًا أن "الحكم الصادر على أي مسؤول كبير أو صغير، يشكل إدانةً للنظام نفسه، وصحيح أنها محاكمات جنائية ضد الشخص، لكن الشخص هو جزء من النظام، مثل الحكم ضد أنور الرسلان، حيث اتهم بالجرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم لا يمكن لفرد أن يرتكبها، بل تكون سياسة نظام".
ويتابع في هذا الإطار: "تساهم المحاكمات في منع إعادة أي شكل من أشكال العلاقات مع النظام لأن النظام أدين بجرائم ضد الإنسانية، أي أنه نظام مجرم ومدان، وهذا يساهم في ابتعاد الدول التي تحترم نفسها عن التطبيع مع النظام، لأنه مرتكب لجرائم، وبشار الأسد نفسه قائد الجيش وهو المسؤول الأول عن كل شيء حصل في سوريا".
عمل حقوقي ضد التطبيع
ويتطرق عبد الغني إلى العمل الحقوقي الذي يهدف لإثبات الانتهاكات في سياق إحباط التطبيع مع الأسد، بالقول: الخطط التي تساعد دائمًا، هي إثبات الانتهاكات، فمثلًا التقرير الذي صدر قبل أيام من لجنة التحقيق الدولية، يساعد في هذا السياق لأنه يثبت انتهاكات النظام على نطاق واسع، وتقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أدان النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، ونحن أصدرنا تقريرًا بمناسبة ذكرى الثورة وأظهرنا كيف أن النظام على مدار 12 عامًا كان المرتكب الأكبر للانتهاكات بفارق شاسع عن باقي الأطراف، وكيف أن هذه الانتهاكات سياسة دولة".
ويستكمل عبد الغني بالقول: "هذه الإجراءات من صميم العمل ومستمرة وتساهم في إدانة النظام وانتهاكاته وتتضمن ليس فقط عدم وجود علاقات معه، بل المحاسبة والضغط لتغييره". أمّا عن المحاكمات في الدول الأوروبية، فهي جهود جهات حقوقية ودولية وسورية وكذلك جهود الضحايا أنفسهم. ويشير إلى مساعدة الحكومات الغربية بالكشف عن المتورطين، من خلال تقديم أدلة لها، تقوم بموجبها بتحريك وحدات جرائم الحرب لديها، وهو دور موجود ضمن نظامها، لكنه يبقى محدودًا خاصةً مع اقتصاره على من يتواجد في الأراضي الأوروبية.
من جهته، يشير المنسق العام لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا إلى تقاعس المجتمع الدولي في ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا، بالرغم من إصدار عشرات التقارير الأممية والمحلية التي تدين نظام الأسد بارتكاب جرائم حرب، مشيرًا إلى أن أسباب هذا التقاعس "سياسية صرفة، ومرتبطة بالقرار السياسي للدول الكبرى، فهي من تقرر مع الأسف من يجب ملاحقته ومن يجب التغاضي عنه".
العقوبات كاعتراف بالمجزرة
في نيسان/ أبريل 2013، نفذ عناصر نظام الأسد مجزرة حي التضامن في دمشق، التي كٌشف عنها بعد ما يقارب العشرة أعوام من وقوعها، لتكون دليلًا وشاهدًا جديدًا على توحش النظام. مع ذكرى الثورة وبعد ما يقارب العام من الكشف عن المجزرة، فرضت الخارجية الأمريكية عقوبات على أمجد يوسف منذ مجزرة التضامن التي أسفرت عن مقتل 41 شخصًا، مشيرةً إلى "تورطه في انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان"، كما ربطت بين التطبيع مع الأسد والمجزرة والعقوبات، بالقول: إنها "بمثابة تذكير واقعي بالأسباب التي ينبغي أن تمنع الدول من تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد".
وحول هذه العقوبات، يوضح عبد الغني في حديثه لـ"ألترا صوت"، أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان ساهمت فيها من خلال تقديم معلومات تفصيلية عن أمجد يوسف وعمله، وهي تفاصيل لا تتقدم بدونها العملية الإجرائية والتقنية.
وقدم عبد الغني تصورًا لموضعة العقوبات على مرتكب المجزرة أمجد موضحًا سياقها ودورها، وأنها "تحمل رسالة سياسية فيها اعتراف بالمجزرة وتبنٍ لها، والأثر مهم ولا يقتصر على أمجد يوسف، لأن أمجد هو جزء من النظام، أي أنه ينفذ أوامر بشار الأسد وأوامر النظام السوري، وفي النظام لا يستطيع أي أحد تنفيذ شيء بدون أخذ أوامر".
ويرى عبد الغني أن العقوبات الأمريكية تحمل عدة أبعاد، دون التقليل منها أو المبالغة في أهميتها، إذ إن لها أبعادًا سياسية وأخرى رمزية تسلط الضوء على القضية السورية وتعيد التأكيد على بربرية وتوحش النظام، وهذا جانب مهم بعد تراجع وخفوت الاهتمام بالقضية السورية، كما أنها إثبات للمجزرة في العالم.
أمّا محمد زغموت فيرى أن الخطوة رمزية من جهة إدانة المجزرة ومرتكبيها، قائلًا: "القرار هو خطوة رمزية فقط، لجهة إدانة الجريمة ومرتكبيها، لكن لا تأثير لها من الناحية العملية طالما بقي هذا المجرم وأمثاله طلقاء. ولم يساقوا للوقوف تحت قوس العدالة، لينالوا جزاءهم المستحق. وأظن أن مثل هذه القرارات لن تزيد مجرمي الحرب في سوريا إلا مزيدًا من العنجهية والشعور بسهولة الإفلات من العقاب".
وعن إمكانية محاكمة النظام دوليًا، أوضح عبد الغني أن الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية تحتاج إلى أمور إجرائية مثل أن تكون الدولة مصادقة عليها ونظام الأسد لم يقم بذلك، أو أن يحيل مجلس الأمن الملف، وهذا لن يحصل بسبب الفيتو الروسي، لذلك المحكمة لا تعمل في سوريا رغم أن ما حصل ويحصل في سوريا من اختصاصها، من ناحية أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
قدم عبد الغني تصورًا لموضعة العقوبات على مرتكب المجزرة أمجد موضحًا سياقها ودورها، وأنها "تحمل رسالة سياسية فيها اعتراف بالمجزرة وتبنٍ لها"
واختتم عبد الغني حديثه، بالقول: "نحن حريصون على التذكير باستمرارية انتهاكات النظام، وهذه أبرز المخططات الحقوقية، والنظام لم يغير من ممارساته وبالتالي العقوبات المفروضة عليه، بما فيها المقاطعة، هي من صميم القانون الدولي وناتجة عن الانتهاكات التي قام بها وما تزال مستمرة ولم تتوقف".