01-يوليو-2024
فوز اليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات التشريعية الفرنسية

(AFP) انتخابات فرنسا

كما كان متوقعًا، تصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا، حيث تمكن الحزب من حصد أكثر من 34% من الأصوات، وهي نتيجة ليست بعيدةً من النتيجة التي منحتها الاستطلاعات للحزب المتطرف الذي يقوده جوردان بارديلا (29 عامًا)، حيث منحته الاستطلاعات نسبة تتراوح بين 34 إلى 37% من نيات التصويت، وهو ما قد يفضي إلى سيناريو غير مسبوق مع حصول الحزب المتطرف على غالبية نسبية أو مطلقة بعد الدورة الثانية في السابع من تموز/يوليو الجاري.

وفي حال وصول زعيم الحزب بارديلا إلى رئاسة الحكومة، فستكون هذه المرة الأولى التي تحكم فيها فرنسا حكومة منبثقة من اليمين المتطرف، منذ الحرب العالمية الثانية.

وكان من اللافت للانتباه مستوى المشاركة القياسية في الاقتراع السابق لأوانه، حيث سجلت نسبة مشاركة تناهز 70%، وهي نسبة لم يجر تسجيلها منذ عقود، وبالتحديد منذ انتخابات 1978 التشريعية، باستثناء اقتراع 1986 الذي جرى وفق النظام النسبي وعلى دورة واحدة.

فبحسب بيان لوزارة الداخلية الفرنسية بلغت نسبة المشاركة قرابة 60% حتى الساعة الخامسة مساء بالتوقيت المحلي، فيما يستمر التصويت حتى الساعة السادسة مساء في أغلب مراكز الاقتراع والثامنة مساء في المدن الكبرى ومن بينها العاصمة باريس.

وفي تفاصيل النتائج الأولية، غير الرسمية، تمكن اليمين المتطرف من التفوق على تحالف اليسار أو (الجبهة الشعبية الوطنية بعضوية الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي والخضر وفرنسا الأبية) التي حصدت ما بين 28.1، وتفوق أيضًا على التحالف الرئاسي الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون، (يتكون هذا التحالف من حزب النهضة وآفاق والحركة الديمقراطية) حيث لم يحصل إلا على نسبة 21% من الأصوات.

التحديات المتوقعة أمام البرلمان المقبل تعكس انقسامات داخلية بين التكتلات السياسية المتنافسة، وتزايد المخاوف من زيادة حالات التمييز والعنصرية في السياسة الفرنسية

يشار إلى أنّ نتائج 3 استطلاعات رجحت أن يحصل التجمع الوطني على غالبية نسبية كبيرة في البرلمان الفرنسي "الجمعية الوطنية"، فيما رجحت استطلاعات أخرى أن يتمكن الائتلاف المتطرف من الحصول على غالبية مطلقة.

وبات من المرجح أن يحصد التجمع الوطني المتطرف ما بين 230 إلى 280 مقعدًا في البرلمان الفرنسي القادم.

وقال رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال في أول تعليق على النتائج الأولية للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها إنه "يجب منع اليمين المتطرف من تحقيق أغلبية مطلقة في البرلمان وتفادي البقاء في المركز الثالث" بالنسبة لجبهة ماكرون.

وتابع قائلًا "يجب علينا منع حصول الأسوأ وعلى المجتمع الوقوف في وجه المشاريع المظلمة للتطرف" على حد تعبيره.

يشار إلى أنّ ردّة فعل الرئيس ماكرون على تراجع جبهته في الانتخابات البرلمانية الأوروبية وصعود اليمين المتطرف كانت حلّ البرلمان، وهو قرار رأى فيه البعض تسرعًا. لكن ماكرون الذي اتخذ القرار بحل الجمعية الوطنية رفض بشكل قاطع الذهاب لانتخابات رئاسية سابقة لأوانها.

أما مارين لوبان فعلقت على نتائج الجولة الأولى قائلة: "الديمقراطية تكلمت ووضعت التجمع الوطني في الطليعة ومحت حزب الرئيس إيمانويل ماكرون".

وأضافت: "أشكر جميع الفرنسيين الذين أظهروا رغبتهم في طي صفحة ماكرون وأتباعه"، محذرة: "الفوز لم يتحقق بعد، بل يجب القيام بكل شيء لمنع نجاح جبهة معادية للسامية وللجمهورية" في إشارة إلى "الجبهة الشعبية الجديدة".

وكررت لوبان دعوتها لأنصار حزبها لمنحه "الأغلبية الساحقة في جولة الإعادة ولكي يتم تعيين جوردان بارديلا رئيسًا للحكومة المقبلة باسم مبدأ التناوب على السلطة ثم الشروع بعد ذلك في القيام بإصلاحات".

وتابعت: "أدعوكم إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة في الجولة الثانية"، داعية أولئك "الذين لم يصوتوا لصالح حزبها الاقتراع لصالح الحرية والأمن والوحدة".

وفي ختام كلمتها، حاولت لوبان، حسب وكالة الأنباء الفرنسية، طمأنة الفرنسيين بالقول: "لن يفقد أي فرنسي حقوقه. الحقوق ستكون كلها مضمونة"، منهية: "في 7 يوليو/تموز المقبل جندوا أنفسكم لكي بفوز الشعب. عام 2024 سيشهد ولادة الأمل".

ولم يختلف خطاب جوردان بارديلا، رئيس "التجمع الوطني" كثيرًا عن خطاب لوبان، حسب ذات المصدر، فقد شكر الفرنسيين الذين "تنقلوا بكثافة إلى مراكز التصويت وأكدوا مرة أخرى عبر التصويت طموحهم للتغيير". وأضاف بارديلا الذي يملك حظوظ كبيرة لتولي منصب رئيس الحكومة بعد الجولة الثانية: "تصويت يوم الأحد المقبل سيكون تصويتا حاسما في تاريخ الجمهورية الخامسة".

ووضع الشاب اليميني المتطرف الفرنسيين أمام خيارين بقوله: "إما أن تقبلوا فوز تحالف السيئين ـ يقصد بذلك الجبهة الشعبية الجديدة التي يقودها جان لوك ميلنشون ـ والتي تريد تدمير فرنسا والتلاعب بأمنها ومستقبلها، أو تصوتوا لصالح التحالف الوطني الذي يعد الحصن الوحيد الذي سيدافع عن الجمهورية وعن مؤسسات الدولة والذي سيعيد الأمن ويكبح جماح الهجرة".

وأنهى بارديلا خطابه بالقول: "أتطلع أن أكون رئيس وزراء لجميع الفرنسيين وأحترم المؤسسات والمعارضة. وسأضمن الحقوق وأدافع عن شعار الجمهورية المتمثل في الحرية والعدالة والأخوة".

فيما وجّه جان لوك ميلنشون زعيم "فرنسا الأبية" المتحالف ضمن "الجبهة الشعبية الجديدة"، انتقاده الأول لماكرون الذي كان يعتقد، حسب ميلنشون، بأن حل البرلمان سيضع الفرنسيين أمام خيارين اثنين فقط كما كان الأمر خلال الانتخابات الرئاسية، أي التصويت لتحالفه الرئاسي أو لصالح "التجمع الوطني". وتابع: "لكن الفرنسيين أحبطوا المكيدة عبر الذهاب إلى مراكز التصويت بكثافة ولقنوا درسًا كبيرًا لماكرون وللتحالف الرئاسي على حد سواء".

وخصص ميلنشون انتقاده الثاني لليمين المتطرف قائلًا للفرنسيين أنتم أمام خيارين: "إما تعميق الخلافات والانقسامات بين أفراد الشعب أو التصويت لصالح الجبهة الشعبية الجديدة التي تعد البديل الوحيد لليمين المتطرف".

وأوضح ميلنشون أن "الأمر لا يكمن فقط في التصويت ضد حزب أو تحالف ما، بل التصويت لصالح مستقبل آخر يحترم الكرامة الإنسانية"، داعيًا الفرنسيين إلى اختيار "الجبهة الشعبية الجديدة" في الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها ثلاث كتل سياسية. وأنهى:" تعليماتنا واضحة: لا يجب أن نعطى صوتًا أو مقعدًا واحدًا للتجمع الوطني".

يذكر أن فرنسا عرفت في تاريخها الحديث 3 فترات من التعايش بين رئيس وحكومة من توجهات مختلفة، وذلك في عهد كل من الرئيسين فرنسوا ميتران (1986-1988 و1993-1995) وجاك شيراك (1997-2002).

وخلال يوم التصويت، أبدى عدد من الناخبين الفرنسيين "قلقهم حيال هذه الانتخابات المبكرة"، وأشار البعض منهم إلى أن هذا القلق بدأ مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الأوروبية التي تصدرها اليمين المتطرف.

ويزداد القلق أكثر عند الفرنسيين من أصول مهاجرة، ولدى شرائح المهاجرين، ويتعلق قلقهم بتزايد حدة العنصرية، وبإمكانية سن اليمين المتطرف لتشريعات تستهدفهم

يشار في الأخير إلى أن ثمة خطرًا حقيقيا في أن يكون البرلمان القادم متعثرًا في حال إخفاق التكتلات الموجودة داخله والمتنافرة أصلًا في تشكيل تحالفات فيما بينها، وهو ما يهدد، حسب المتابعين، بإدخال فرنسا في نفق مجهول المعالم.