انتظر ملايين البشر حول العالم انطلاق نهائيات النسخة العاشرة من كأس العالم في ألمانيا الغربية عام 1974، وذلك بعد تصفيات مثيرة أسفر عنها وصول فرق كأستراليا وزائير وهايتي وألمانيا الشرقية لأول مرة في تاريخها إلى النهائيات، في وقت فشلت فيه منتخبات كبرى بالوصول إلى المونديال كإنجلترا والاتحاد السوفييتي وإسبانيا.
صاحب هدف الفوز على ألمانيا الغربية: إذا كُتب على قبري عبارة هامبورغ 74 سيعرف الجميع من الموجود بداخله
وكان الجديد في هذه البطولة نظامها الفنّي، حيث تم تقسيم الفرق الـ16 إلى 4 مجموعات يتأهل من كل واحدة منها فريقان إلى دور المجموعتين الذي يضم 8 فرق، إذ تحوي المجموعة الأولى أول الأولى والثالثة، وثاني الثانية والرابعة، كما تضم المجموعة الثانية أول الثانية والرابعة، وثاني الأولى والثالثة، ويتأهل بطل كل مجموعة مباشرة إلى المباراة النهائية، ويلعب أصحاب المركز الثاني في المجموعتين مباراة لتحديد صاحب المركز الثالث، وهذا يعني إلغاء الدور نصف النهائي في البطولة.
وضمّت المجموعة الأولى من دور المجموعات الأول كلّاً من أستراليا وتشيلي و"الأخوة الأعداء" ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، حيث تغلّب أصحاب الأرض على تشيلي 1-0 في مباراة شهدت ظهور أوّل بطاقة حمراء في تاريخ المونديال، وكانت البطاقة التي أشهرها الحكم التركي دوغان باباجان من نصيب المدافع التشيلي كارلوس كازيلي، في وقت تغلّبت به ألمانيا الشرقية على أستراليا 2-0.
ومع فوز ألمانيا الغربية على أستراليا وتعادل شقيقتها مع تشيلي 1-1 في الجولة الثانية، تأكّد خروج أستراليا وتشيلي من البطولة فانتهى لقاؤهما الهامشي بالتعادل السلبي، وهنا شاءت الأقدار أن يلتقي شطرا ألمانيا في مواجهة تحدد متصدّر المجموعة، ومن المفارقات أن الفريق المتصدّر سيذهب إلى مجموعة الموت في الدور المقبل، والتي تضمّ كلّاً من البرازيل وهولندا والأرجنتين، ورغم ذلك دخل الفريقان المباراة التي أقيمت في هامبورغ بجدّية كبيرة، فاللقاء بطولة بحدّ ذاته، ومالت الترشيحات كافّة لألمانيا الغربية، فهي صاحبة الأرض التي حملت كأس العالم سابقاً، وهي بطلة أوروبا في النسخة السابقة 1972، بينما وصل لاعبو ألمانيا الشرقية إلى كأس العالم لأول مرّة في تاريخهم، وهي المواجهة الأولى في تاريخ المنتخبين.
كانت مباراة الأشقّاء شديدة الحساسيّة، فحاول أصحاب الأرض افتتاح النتيجة مبكّراً، لكن محاولاتهم فشلت جميعها، وقبل نهاية المباراة بـ15 دقيقة بادر الفريق الأضعف بتسجيل هدف اللقاء الوحيد عبر يورغن سبارفاسر، وهو اللاعب الذي يعمل في الشطر الشرقي بصناعة السيارات، يقول سبارفاسر" إذا كُتب على قبري يوماً ما عبارة هامبورغ 74، سيعرف الجميع من الموجود بداخله"، ورغم أن هذه الخسارة خدمت أصحاب الأرض الذين تجنّبوا الوصول إلى مجموعة الموت في الدور القادم، إلا أنها شكّلت آثاراً نفسيّة جسيمة على مدرّب الفريق هيلموت شون، والذي أصيب بعد هذه الخسارة باكتئاب حاد، فشعر الاتحاد الألماني أن المدرب صار أكثر انطوائية بعد الهزيمة التاريخية، عندها زاد من صلاحية مساعده وقائد الفريق حتى يعود إلى حالته النفسية السليمة تدريجيّاً، وهو ما حدث بعد ذلك بأيام قليلة.
أخفقت البرازيل بالتسجيل خلال مباراتين متتاليتين للمرّة الأولى بتاريخ مشاركاتها في المونديال، وذلك في المجموعة الثانية عندما تعادلت مع يوغوسلافيا واسكتلندا دون أهداف، قبل أن تفوز على زائير في المباراة الأخيرة بثلاثية نظيفة أهّلتها للدور القادم بفارق الأهداف عن اسكتلندا التي تعادلت مع يوغوسلافيا، ففازت كل فرق المجموعة على زائير وتعادلت فيما بينها وكان الحكم لفارق الأهداف الذي خدم البرازيل ويوغوسلافيا التي سحقت الفريق الأفريقي الذي أتى للبطولة بلقب الفهود السوداء 9-0، وهنا باتت اسكتلندا أول فريق في تاريخ المونديال يخرج من الدور الأول دون هزيمة.
كان منتخب زائير أضحوكة لبقيّة الفرق بسبب جهل لاعبيه بقوانين كرة القدم ومحاولتهم سرقة السيارة التي أقلّتهم وأخذها إلى بلادهم
حشدت زائير التي يحكمها الديكتاتور موبوتو سيسيسيكو كافّة إمكانيّاتها للظهور بمظهر مشرّف في كأس العالم، فهذا الزعيم الذي غيّر اسم بلاده من الكونغو إلى زائير بعد نجاحه بالانقلاب العسكري وطّد حكمه ونجح بانتخابات شكليّة بنسبة 100% جعلته رئيساً للبلاد ولقّب نفسه باسم فهد كينشاسا، أرسل مع فريق بلاده الكروي إلى كأس العالم ساحراً وطبّاخين مختصّين بأطعمة تحوي لحوم القرود، ورغم ذلك سجّلت بلاده مشاركة جعلتها أضحوكة بين جميع الفرق، ليس لأنها خسرت أمام اسكتلندا 2-0 والبرازيل 3-0 ويوغوسلافيا 9-0 وحسب، بل لجهل الفريق بقوانين كرة القدم. ففي مباراة البرازيل أعلن حكم اللقاء عن ركلة حرّة مباشرة للفريق اللاتيني، وعندما أطلق صافرته موعزاً للاعب بتنفيذ الركلة انطلق المدافع الزائيري إلونجا ميوبي للكرة وسددها قبل أن يلمس البرازيليون الكرة وسط دهشة الجماهير واللاعبين البرازيليين. وبعد خروجها من البطولة هربت بعثة زائير مصطحبة حافلة بي إم دبليو التي منحتها الشركة الألمانية مؤقتاً للفرق المشاركة، وهنا تدخّلت الشرطة الألمانية ومنعت منتخب زائير من سرقة الحافلة، ما جعل الفريق أضحوكة بالنسبة للمتابعين، فدخل المنتخب الأفريقي البطولة بلقب الفهود السوداء، وخرج منها بلقب القطط السوداء.
كان الفريق الهولندي أبرز المرشحين للظفر بلقب النسخة العاشرة من كأس العالم، فبدأ مبارياته بالمجموعة الثالثة بفوز جدير على الأوروغواي 2-0، وتعادل مع السويد دون أهداف وفاز على بلغاريا 4-1، ورافقه إلى الدور الثاني الفريق السويدي الذي تخطّى الأوروغواي 3-0 وتعادل مع بلغاريا 0-0، فيما خرجت الأوروغواي بنقطة وحيدة بعد تعادلها مع بلغاريا التي خرجت أيضاً من البطولة 1-1.
كانت بولندا الفريق الوحيد بالبطولة الذي حقق 3 انتصارات في دور المجموعات، حيث أثبت بطل أولمبياد ميونيخ 1972 أن إقصاءه لإنجلترا في التصفيات لم يكن محض صدفة، فغلب الأرجنتين 3-2 وإيطاليا 2-1 وهايتي 7-0، فيما تعادلت الأرجنتين وإيطاليا 1-1، حيث رافقت الأرجنتين بولندا إلى الدور الثاني بفارق هدف واحد عن إيطاليا، لأن الفريق اللاتيني غلب هايتي 4-1، بينما تفوّقت إيطاليا عليها 3-1 فقط.
تأهل لدور المجموعتين 8 فرق، فسُمّيت المجموعة الأولى بمجموعة الموت لأنها ضمّت هولندا والبرازيل والأرجنتين وألمانيا الشرقيّة، بينما حوت المجموعة الثانية ألمانيا الغربية مستضيفة البطولة، وبولندا التي اكتسحت كافة خصومها، إضافة إلى يوغوسلافيا والسويد، سيتأهل متصدر المجموعة إلى المباراة النهائيّة فيما سيلعب صاحب المركز الثاني لقاء تحديد المركزين الثالث والرابع، فهل سيشهد الدور القادم العديد من المفاجآت؟
تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1974..