تعهّدت الحكومة المصرية بإرسال قوات عسكرية إلى الصومال مطلع العام المقبل ضمن بعثة للاتحاد الإفريقي. وتعدّ هذه أول مرة تساهم فيها مصر بقوات عسكرية في بعثة الاتحاد الإفريقي "أوصوم" لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال. ويعتقد المتابعون للشأن المصري أنّ لخطوة القاهرة ما بعدها، بالنظر إلى الأدوار الإثيوبية في إقليم أرض الصومال غير المعترف به دوليًا، ومشاركة إثيوبيا إلى جانب كل من بوروندي وجيبوتي وكينيا وأوغندا في بعثة الاتحاد الإفريقي، التي تنتهي مهمتها نهاية العام الجاري.
تطورٌ غير مسبوق في العلاقات المصرية الصومالية
تطورت العلاقات المصرية الصومالية بشكلٍ لافت خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بالتزامن مع إعلان إثيوبيا والحركات التي تؤيد الانفصال في أرض الصومال، في كانون الثاني/يناير 2024، توقيع اتفاقٍ لاستغلال ميناء بربرة الصومالي "كمنفذٍ على البحر الأحمر وكقاعدةٍ عسكريةٍ بحرية".
وبمجرد الإعلان عن الاتفاق، عبّرت مصر عن رفضها له وبدأت خطوات التقارب مع الحكومة الصومالية، حيث بادر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى دعوة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لزيارة القاهرة، وهو ما كان في الـ20 من كانون الثاني/يناير الفائت، والـ14 من آب/أغسطس الجاري.
لا يمكن فصل التقارب المصري الصومالي عن سعي القاهرة إلى استعادة دورها الإقليمي إفريقيًا وعربيًا، والصراع المصري الإثيوبي القائم منذ عقدٍ حول ملف مياه النيل
وشهدت الزيارتان توقيع عدة اتفاقيات استراتيجية بين الجانبين، شملت: "توقيع بروتوكل تعاونٍ عسكري، وفتح المقر الجديد لسفارة القاهرة في مقديشو، وإطلاق خط طيران مباشرٍ بين البلدين".
وكما تتكامل الأدوار الإثيوبية والإماراتية في إقليم أرض الصومال، يرى المراقبون أنّ القاهرة تتجه للتعاون مع تركيا في الصومال، فبخلاف ما أبدته القاهرة من اعتراضٍ ورفضٍ لاتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال، فإنها لم تعترض على الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين تركيا والصومال لمدة عقدٍ، وتسمح الاتفاقية المذكورة للجيش التركي بحماية سواحل الصومال، مقابل استغلال ثلث ثروات الساحل الصومالي الذي يعد الأطول في إفريقيا.
يُذكر أنّ القاهرة وأنقرة وضعتا مؤخرًا حدًا للتوترات التي طبعت العلاقات بينهما. وترى "أسوشيتد برس" أن تركيا ومصر تبدوان على اتفاق "شكليًا" بشأن منع أديس أبابا من الوصول إلى البحر الأحمر عبر أرض الصومال، مع الإشارة إلى تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، على هامش لقائه في القاهرة بنظيره المصري بدر عبد العاطي، إلى التزام مصر وتركيا بوحدة الأراضي الصومالية، وهو الموقف الذي يناقض موقف إثيوبيا والإمارات.
وعلى ذلك الأساس، يرى المحللون أنه لا يمكن فصل التقارب المصري الصومالي عن محددين رئيسيين، الأول منهما سعي القاهرة إلى استعادة دورها الإقليمي إفريقيًا وعربيًا، والثاني هو محدد الصراع المصري الإثيوبي القائم منذ عقدٍ حول ملف مياه النيل والتهديدات الإثيوبية لحصة مصر المائية.
لكن يشير المحللون أيضًا إلى الإمارات وما إذا كانت الخطوات المصرية الإيجابية تجاه الصومال تهدد "التحالف المصري الإماراتي" في أكثر من مجال سياسي واقتصادي وعسكري، خاصةً أنّ مواقفهما "متضاربة" أيضًا في حرب السودان.
يرى الباحث المصري في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية، أحمد مولانا، أنّ: "الجهود المصرية الأخيرة والاتفاقيات الناتجة عنها، والتي تشير إلى أن القاهرة تعمل على تشكيل محورٍ يضم الصومال وأريتريا وجيبوتي بمواجهة الطموحات الإثيوبية، قابلتها أديس أبابا بتحركاتٍ مضادة"، من قبيل توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي في خطوة يعتبرها المحللون: "ضربةً للجهود المصرية الساعية لاستعادة التوازن مع أديس أبابا بملف مياه النيل"، هذا من جهة، فضلًا عن أنّها تعكس مدى نفوذ إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي، وهو نفوذٌ يبدو أنه قادرٌ على تحدي الخطوات المصرية.
لكن خطوة القاهرة المتمثلة في "إرسال قواتٍ عسكرية للصومال" تمثل، حسب الباحث أحمد مولانا: "تغييرًا في نهج القاهرة الحذر من التورط في صراعاتٍ خارج حدودها، كما يبين حجم الرغبة المصرية في التصدي للتمدد الإثيوبي، وتعنت أديس أبابا في ملء بحيرة سد النهضة دون اتفاقٍ مع دولتي المصب مصر والسودان".