05-يوليو-2024
كير ستارمر رئيس وزراء بريطانيا الجديد

(AP) يواجه ستارمر تحديات عديدة أبرزها خزائن الدولة الفارغة

عقب تحقيق حزبه فوزًا كاسحًا في انتخابات مجلس العموم البريطاني، عُيّن زعيم  "حزب العمال" كير ستارمر رئيسًا لوزراء بريطاينا، واضعًا بذلك حدًّا لحكم المحافظين الذي استمر 14 عامًا.

وقد تعاقبت على بريطانيا طيلة حكم المحافظين عدة أزمات، أبرزها الانقسامات الناجمة عن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأزمة إدارة جائحة كوفيد - 19، وأزمة ارتفاع الأسعار ومعدلات الفقر، فضلًا عن أزمة النظام الصحي المتهالك، والتغيير المستمر لرؤساء الحكومة، حيث تعاقبت 5 أسماء على رئاسة الوزراء طيلة الـ14 عامًا التي حكم فيها المحافظون المملكة المتحدة.

ودفعت جميع هذه المشاكل المحافظين إلى الإقرار بأنهم لا يسعون للفوز في الانتخابات وإنما يهدفون بشكل رئيسي إلى الحد قدر المستطاع من حدة فوز "حزب العمال".

يبدور كير ستارمر شخصية غير نمطية في السياسة البريطانية مقارنةً مع جيله من الطبقة السياسية الحالية

وفي مقابل أزمات المحافظين على صعيد الحكم وعلى الصعيد الداخلي في الحزب، كان كير ستارمر يحقق نجاحات كبيرة في تقوية حزبه وإقناع البريطانيين بضرورة التغيير.

وأجملت مجلة "لوبوان" وصفة ستارمر الجيدة لصعوده الشخصي وصعود حزبه في طرد أصوات أقصى اليسار بالحزب وإعادته إلى يسار الوسط، وتعهده المستمر بإضفاء "الجدية" على السلطة.

شخصية جدية

يبلغ كير ستارمر 61 عامًا، وهو محام سابق درس تخصص المحاماة وحقوق الانسان في جامعة ليدز قبل أن يتلحق بأوكسفورد. وقد أطلق عليه والداه، اللذان كانا ناشطين في "حزب العمال"، اسمه تكريمًا لمؤسس الحزب كير هاردي.

نشط ستارمر لعدة سنوات في الدفاع عن حقوق الانسان قبل أن يتولى منصب المدعي العام لإنكلترا وويلز، واشتهر خلال نشاطه مدافعًا عن حقوق الانسان بدفاعه عن النقابات ومكافحة عقوبة الإعدام، والدفاع عن المحكوم عليهم بالإعدام في جزر الكاريبي، وكذا المعركة ضد ماكدونالدز في قضية وضعت عملاق الوجبات السريعة الأميركي بمواجهة المدافعين عن البيئة.

وتشير معلومات سيرته الذاتية إلى أنه: "عمل على اتخاذ إجراءات قانونية ضد انتهاكات حقوق الإنسان خلال الصراع في إيرلندا الشمالية (1968-1998). وساهم مطلع 2000 في إنشاء قوة شرطة جديدة لحفظ السلام".

ومثّل العام 2008 منعطفًا في مسيرته المهنية، بأن أصبح مدعيًا عاما لإنكلترا وويلز. وفي هذا المنصب الجديد، أشرف: "على ملاحقاتٍ قضائية طالت نوابًا متهمين بالاختلاس وحتى صحافيين متهمين بالتنصت على الهواتف".

وجرّت عليه مهامه ومواقفه كمدع عام انتقادات لاذعة، لا سيما من طرف اليمين البريطاني الذي دأب على اتهامه بالمدافع عن "القتلة"، إلا أنه حاز رغم ذلك على وسام فارس في 2014 "من الملكة إليزابيث الثانية تكريمًا لمسيرته القانونية الطويلة".

ومن ملامحه الهادئة ونبرته الصارمة، وصرامته العمل، يبدو، حسب "فرانس برس"، شخصية غير نمطية في السياسة البريطانية مقارنةً مع جيله من الطبقة السياسية الحالية مثل بوريس جونسون وليز تروس وجيرمي كوربين واليميني المتطرف نايجل فرج. فبعيدًا عن "مغامرات هؤلاء"، والوصف لـ"فرانس برس"، يبرز زعيم ستارمر: "بقدرته على التقدم بخطًى أكثر تمهلًا وحذرًا".

على الطرف الآخر، يستغل خصوم ستارمر عدم معرفة الجمهور البريطاني به بشكل جيد، لإظهاره بمظهر الشخصية المترددة والمزعجة بعض الشيء.

وبغضّ النظر عن التقييمات المتباينة لشخصية الرجل، فقد نجح ستارمر منذ 2020 في ضبط مسار "حزب العمال"، وكشف عن تصميمٍ قوي على تولي منصب رئيس الوزراء.

من أقصى اليسار إلى يسار الوسط

في العام 2019، تولى ستارمر زعامة "حزب العمال" البريطاني خلفًا لجيريمي كوربين، وذلك إثر تعرض الحزب حينها لأكبر هزيمة في تاريخه منذ حوالي 9 عقود.

وكانت خطوة ستارمر الأولى هي إعادة الحزب من أقصى اليسار في ظل قيادة كوربين له إلى يسار الوسط، وكان ستارمر حريصًا في دعايته السياسية على تسليط الضوء على أصوله الاجتماعية المتواضعة، ليظهر مدى اختلافه عن نظرائه في المشهد السياسي، ولاسيما خصمه في رئاسة المحافظين ريشي سوناك المليونير المتحدر من أسرة هندية مهاجرة، والذي اتبع مسارًا نموذجيا للنخب البريطانية. أما والدة ستارمر فهي ممرضة مصابة بداء التهاب المفاصل ما يمنعها من التنقل،ووالده صانع أدوات.

وبسبب هذه الأصول، نشأ ستارمر في منزل صغير بالعاصمة لندن، بجانب 4 أشقاء، أحدهم الذي تقاسم معه غرفة المنزل يعاني من صعوبات في التعلم، وأصبحت إحدى شقيقاته ممرضة والأخرى متخصصة في البستنة"

وحول توظيف ستارمر المتكرر لأصول والديه العمالية في خطاباته السياسية، يقول تيبو هارويس الأستاذ المحاضر في الحضارة البريطانية المعاصرة بجامعة السوربون: "رغم أنه ينحدر من الطبقة العاملة، فإن تكرار تلك المسألة بانتظام يسمح له بالتذكير بأنه أصلًا ليس محترفا في عالم السياسة وأن لديه مسيرة مهنية طويلة"، مضيفًا: "يستطيع بهذه الطريقة أن ينشر صورة ذلك الرجل الموجود قبل كل شيء لخدمة وطنه، بعيدًا عن الطموحات المهنية".

ويضيف هارويس: "خلافًا لتوني بلير مثلًا، فإن كير ستارمر يعي جيًدا بأنه لا يتمتع بشخصية كاريزمية. ومن خلال التركيز على حياته المهنية، فهو يريد قبل كل شيء الترويج لصورة الرجل الجاد والمباشر والمنهجي". وهو ما يرى فيه الخبير ميزة لصالح ستارمر: "بعد سنوات شهدت فضائح سياسية" عدة في بريطانيا.

برنامج ستارمر

حرص ستارمر، رغم شعار التغيير الذي رفعه، على تبني برنامج حكومي معتدل لتفادي هجمات اليمين منجهة، وتبديد وقع برنامج سلفه جيريمي كوربن الباهظ التكلفة من جهة ثانية، حيث: "تعهد ستارمر بقيادة إدارة صارمة للغاية للإنفاق العام، من دون زيادة الضرائب"، وهو يعوّل في هذا الصدد: "على استعادة الاستقرار والتدخلات من الدولة واستثمارات في البنية التحتية لإنعاش النمو، ما من شأنه تصحيح وضع المرافق العامة التي تراجع أداؤها منذ إجراءات التقشّف في أوائل 2010"، ولا سيما القطاع الصحي الذي وضع ستارمر إصلاحه على رأس أولوياته، والذي كان، حسب متابعين، القشة التي قسمت ظهر المحافظين.

أكّد ستارمر أكثر من مرة عدم امتلاكه عصًا سحرية لتغيير الواقع وإصلاح كل الأخطاء في السياسة الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا

وبشأن ملف الهجرة يعلن ستارمر رفضه قانون ترحيل اللاجئين إلى رواندا، لكنه يعلن حرصه على التقرب من الاتحاد الأوروبي.

وأكّد ستارمر أكثر من مرة عدم امتلاكه "عصًا سحرية" لتغيير الواقع. هذه الواقعية أو الحذر لدى ستارمر دفع خصومه إلى القول إنه "ضعيف الطموح"، وإن كان هذا الحذر سمح للحزب، حسب عدة مصادر، بالحصول على دعم في أوساط العمال وحتى بين الصحافة اليمينية، إذ دعت صحف "فايننشال تايمز"، و"ذي إيكونمست"، و"ذي صن"، إلى التصويت لصالح "حزب العمال".

كما أظهرت الاستطلاعات أن  البريطانيين: "لا أوهام لديهم بشأن آفاق التغيير".

أمام ضعف الوسائل المتاحة أمام ستامر لتجسيد مقتضيات شعار التغيير الذي رفعه طيلة الحملة، من المتوقع أن يلجأ الزعيم العمالي: "لخطب ود مستثمرين دوليين للمساعدة في مواجهة التحديات"، ومن بين التدابير الرئيسية التي روج لها ستارمر لتطبيق برنامجه "تقليص الاستثمار واسع النطاق مع أكثر من 32 مليار يورو سنويًا في الطاقة المتجددة".

وتزداد التحديات أمام ستارمر بتوقع بلوغ "العبء الضريبي أعلى مستوى منذ 1949، وأن يعادل صافي الدين تقريبًا الناتج الاقتصادي السنوي"، وبالتالي ليس من المبالغة القول إن ستارمر يسعى لتحقيق التغيير بخزائن فارغة.