تعد الصين أهم موضوع للسياسة الخارجية الأميركية، لأنها تُعتبر حاليًا أكبر منافس لواشنطن اقتصاديًا على الأقل. ويتنازع اتجاهان رئيسيان الرؤية الصينية حول عودة ترامب، يركز الأول منهما على فوائد تلك العودة من احتمال أن يخفف ترامب من الضغط على الصين في مجالها الحيوي، بينما يركز الاتجاه الثاني على العدوانية الاقتصادية لدى ترامب تجاه بكين، والمتمثلة أساسًا في سياسة فرض رسوم جمركية عالية على الواردات الصينية.
في ولاية ترامب الأولى، طغى التصعيد مع الصين على ما عداه، حيث عمد الرئيس الجمهوري إلى تطبيق سياسة هجومية. فانطلاقًا من اعتبار الصين "منافسًا استراتيجيًا" يجب التصدي له، بادرت إدارة ترامب حينها إلى فرض رسوم جمركية على واردات بكين للولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي دفع الصين إلى الرد بالمثل. وعلى الرغم من أن بايدن تبنى ما قال إنها "سياسة أكثر مسؤولية تجاه الصين"، إلا أنه أبقى على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.
الواردات الصينية في مرمى الاستهداف
تعهد ترامب برفع الرسوم الجمركية على جميع واردات الدول، لكنه تعهد بتخصيص النسبة الأكبر من الرسوم للواردات الصينية. ومن هذا المنطلق، يرى المحلل الاقتصادي الصيني قوه جيانغ، أن: "تأثير عودة ترامب إلى السلطة سيقتصر على الجانب الاقتصادي والتبادلات التجارية، بينما لن تكون هناك تأثيرات سياسية كبيرة على العلاقات بين البلدين كما حدث في ولايته السابقة".
مع التأكيد على أن الصين سترد بالمثل على العقوبات الأميركية الاقتصادية، لكن الطرفان سيحافظان على خيط رفيع يمنع الانزلاق نحو المواجهة المباشرة، عبر الاستمرار في تفعيل قنوات الاتصال المباشرة بينهما، حتى لا تتضرر العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية بين الجانبين.
سياسة فرض الرسوم الجمركية التي يتبناها ترامب تقلق بكين وستدفعها للرد بقوة، الأمر الذي سيؤثر حتمًا في العلاقات بين الجانبين
وخلافًا للرأي القائل بأن تأثير سياسات فرض الرسوم سيكون محدودًا على الاقتصاد الصيني، يرى الباحث الاقتصادي تشي جيانغ أن فرض الرسوم على الواردات الصينية سيكون له تأثير قوي على الاقتصاد الصيني، الذي تُعتبر التجارة الخارجية شريان الحياة بالنسبة إليه، كما أن الاقتصاد الصيني لم يتعاف بعد من: "الكساد الذي تسبب فيه وباء كورونا".
وعليه، فإن سياسة فرض الرسوم الجمركية التي يتبناها ترامب تقلق بكين وستدفعها للرد بقوة، الأمر الذي سيؤثر حتمًا في العلاقات بين الجانبين.
ويشار في هذا الصدد إلى ما قاله وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، من أن بلاده سترد على أي: "تنمّر تجاري في شكل رسوم جمركية"، مضيفًا أن: "هجوم الرسوم الجمركية أظهر أن بعض الناس في الولايات المتحدة ربما فقدوا عقولهم".
تراجع الضغط الأميركي على الصين في مجالها الحيوي
يرى محللون صينيون أنّ منح ترامب الملفات الداخلية الأولوية الكبيرة على حساب تلك الخارجية بموجب شعاره "أميركا أولًا"، سيخفف من الضغط الأميركي على الصين في منطقتي المحيطين الهادئ والهندي.
وعلى ذلك الأساس، ترجح أوساط دبلوماسية وإعلامية صينية أن: "ترامب سيبتعد، على الأرجح، عن نهج إدارة بايدن في بناء شراكات أمنية أقوى مع دول إقليمية أخرى في محاولة لاحتواء الصين".
يشار إلى أن ترامب قال خلال الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية إنه: "إذا عاد إلى البيت الأبيض، فلن يحتاج إلى استخدام القوة العسكرية لمنع حصار صيني لتايوان، لأن الرئيس شي يعرف أنه مجنون، وأنه سيفرض رسومًا جمركية على الواردات الصينية إذا حدث ذلك"، فهل يعني ذلك أنه ليس لدى ترامب ما يمنحه لتايوان سوى العقوبات الاقتصادية بخلاف ما كان يهدد به بايدن من تدخل عسكري؟