باتت محافظة حضرموت اليمنية محط صراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. وقد عاد الصراع على المحافظة إلى الواجهة عقب حادثة مقتل جنديين سعوديين، الجمعة الماضي، في مدينة سيون بسلاح مجند في اللواء 135 مشاة التابع للمنطقة العسكرية الأولى.
واستغل المجلس الانتقالي الجنوبي الحادثة لتجديد مطالبه بطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى من حضرموت، لا سيما أنه دأب على اتهام تلك القوات بموالاة حركة الإخوان المسلمين اليمنية. ويطالب الانتقالي الجنوبي بأن تحل قوات النخبة الحضرمية التابعة له محل قوات المنطقة العسكرية الأولى، ولا يمكن فصل هذا الطلب، حسب المتابعين، عن الأهمية الاستراتيجية لمحافظة حضرموت بصفتها أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة، عدا عن أنها أهم محافظات اليمن النفطية، حيث تستحوذ على نحو 80% من صادرات النفط اليميني، وتضم أيضًا شريطًا ساحليًا يبلغ طوله 450 كلم، بالإضافة إلى عدة موانئ استراتيجية، أهمها ميناء المكلا والشحر وميناء الضبة النفطي.
كما تملك محافظة حضرموت أكبر شريط حدودي مع السعودية، يربط بينهما ميناء الوديعة البري، وهو المنفذ البري بين اليمن والسعودية، الأمر يجعلها حاضرة بقوة ضمن أولويات الاهتمام السعودي باليمن.
كل هذه المواصفات تجعل من الصراع على محافظة حضرموت صراعًا يحمل طابعًا إقليميًا لا يمكن حجبه، وإن اتخذ لبوسًا محليًا بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا (المدعومة سعوديًا) والمجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم إماراتيًا).
أمام حالة التشظي هذه يغدو احتمال الانزلاق إلى مربع العنف في حضرموت قائمًا، لا سيما إذا تعرضت المعادلات الإقليمية لأزمة قد لا تكون بعيدة
وعلى الرغم من الانتشار الكبير لقوات المنطقة العسكرية الأولى في العديد من مدن ومحافظات حضرموت شرقي اليمن، على غرار مدن سيون والقطن والخشعة والعبر وثمود ورما، إلا أن قوات النخبة الحضرمية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والمدعومة من الإمارات، تسيطر هي الأخرى على قيادة المنطقة العسكرية الثانية المكونة من الأجزاء الجنوبية لحضرموت ومحافظتي المهرة وسقطرى، كما تسيطر على عدة مواقع مهمة أبرزها مطار الريان الدولي في المكلا عاصمة المحافظة.
وبفعل خارطة النفوذ هذه، تبدو المحافظة مهيأة للصدام العسكري في أي لحظة، وهو صدام قد تصل شرارته إلى الأطراف الإقليمية "الداعمة". ففي الفترة القليلة الماضية، قام المجلس الانتقالي الجنوبي بتحركات هدفها السيطرة على مديريات الوادي والصحراء بحضرموت بتنظيمه في البداية، وبالتحديد منتصف تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، مسيرة جماهيرية في مدينة سيون أُطلق عليها اسم "مليونية الهوية الجنوبية".
وأصدر منظمو المسيرة بيانًا شددوا فيه على "أهمية دور قوات النخبة الحضرمية في بسط الأمن والاستقرار في المحافظة"، وطالبوا عبره كذلك "بإخراج القوات العسكرية الموجودة في المنطقة، تنفيذًا لما جاء في اتفاق الرياض عام 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المتضمن ترتيبات اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية، وذلك لضمان سيطرة أبناء حضرموت على قرارهم ومستقبلهم".
كما أكد البيان على "وحدة الجغرافيا والقرار السياسي الحضرمي والتصدي لأي محاولات تسعى إلى تمزيق النسيج المجتمعي الحضرمي، وعدم السماح لأي قوى معادية تسعى إلى جر حضرموت نحو مربع العنف أو تحويلها إلى ساحة للصراعات أو لسلخ حضرموت عن جسدها الجنوبي" وفق تعبير البيان.
وتصديًا لهذه المساعي التي عبر عنها المجلس الانتقالي الجنوبي في المسيرة الأخيرة، وقبل ذلك في عدة مواقف، شكلت فعاليات شعبية مناهضة للانفصال في المحافظة "مجلس حضرموت الوطني" في حزيران/يونيو، الذي قدّمته بوصفه حاملًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعسكريًا وأمنيًا يمثّل أبناء حضرموت في الداخل والخارج.
وشهدت العاصمة السعودية الرياض، في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، انعقاد اجتماعات لهيئة رئاسة "مجلس حضرموت الوطني"، هدفها حسب المنظمين "استكمال بنية المجلس التنظيمية"، كما شهدت تلك الاجتماعات الإعلان عن "تشكيل الأمانة العامة للمجلس وتسمية عبد الله مبروك بن عجاج النهدي رئيسًا لهيئة الحكماء"، وفق صحيفة "العربي الجديد". وعرفت الأيام الأخيرة أيضًا انضمام المجلس إلى عضوية "التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية الذي تم إشهاره قبل أيام من عدن، جنوبي البلاد".
وبحسب بيانات ومواقف "مجلس حضرموت الوطني"، فإنه يهدف إلى "دعم جهود مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية بما يُسهم في توحيد الصف"، وتعترف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بـ"مجلس حضرموت الوطني" كحامل سياسي لحضرموت وممثلها في مشاورات التسوية اليمنية، وذلك على الرغم من وجود فعاليات أخرى محلية، بينها "حلف قبائل حضرموت" الذي يدعو إلى أن يكون مؤتمر حضرموت الجامع الذي نطلق عام 2017 هو الحامل السياسي لحضرموت وممثلها المشاورات.
أمام حالة التشظي هذه يغدو احتمال الانزلاق إلى مربع العنف في حضرموت قائمًا، لا سيما إذا تعرضت المعادلات الإقليمية لأزمة قد لا تكون بعيدةً.