ما الذي جعل مسلسل "الزند: ذئب العاصي" يحظى بترحيب واسع من جمهور مخالف سياسيًّا لتوجهات صنّاعه؟ أيرجع ذلك لموضوعه مع أنه تقليديّ؟ أم لبطل المسلسل تيم حسن الذي يحظى بجماهيرية واسعة منذ صبّ اهتمامه على مكانته كنجم أكثر من تركيزه على نفسه كممثّل؟ أم لصورته الإخراجية التي قدمها المخرج سامر البرقاوي بشكل يمكن اعتباره نقلة نوعية؟
فلنرتّبْ أفكارنا حتى نلتمس طريقًا إلى الإجابة عن هذه الأسئلة كلها، وهي لا تتوقف عن التفرع من بعضها البعض بفضول وإلحاح.
يعتمد المسلسل أسلوب الحكاية الشعبية ويخاطبنا من خلال شكلها الأكثر تقليدية، ذلك الشكل الذي يستعيد الأبطال في الأساطير والسير الشعبية والحكايات الخرافية، التي اعتدنا عليه منذ الطفولة، حيث بُرمجت أدمغتنا على قالبها الحكائي الراسخ والمتكرر، ولهذا من الطبيعي أن يلقى مسلسل يخاطب المألوف في آليات تفكيرنا منا القبول والترحيب.
حكاية مسلسل "الزند: ذئب العاصي" تلخيص لمفهوم الحكايات الشعبية، والبطل فيها مركّب من الأفكار التي تشكّل فيها الأبطال في الملاحم القديمة والسير الشعبية
الحكاية التي نتابعها تلخيص لمفهوم الحكايات الشعبية، والبطل فيها مركّب من الأفكار التي تشكّل فيها الأبطال في الملاحم القديمة كالأوديسة بصورة خاصة، والسير الشعبية مثل الزير سالم والتغريبة الهلالية وسيرة الظاهر بيبرس.. بصورة عامة.
ذهبت تحليلات وتعليقات كثيرة إلى رؤية هذا المسلسل على أنه مشروع طائفي، يريد مخاطبة فئات معينة بقصة من الماضي، كي يبرر جرائم الحاضر، على الرغم من أننا جميعًا نعرف أنّ صنّاع الجريمة في سوريا لا يحتاجون إلى أي نوع من المبررات، فكل ما يريدونه منذ اللحظة الأولى للقلاقل التي تطورت إلى ثورة فحرب أهلية فمتاهة جماعية؛ هو حرق البلاد.
من أجل هذا علينا قراءة السياق العام لهذا المسلسل، والدور الثقافي الذي يريد أن يلعبه، والتأثير النفسي الذي يسعى لإحداثه، من أجل المساهمة في خلق وعي عام جديد عند السوريين بمختلف أطيافهم.
بين الأسطورة والسيرة الشعبية
صُنع النص برؤية أسطورية، وبأسلوب يستند على الثابت في تراث السرد العالمي والعربي، من أجل مخاطبة آليات التفكير الجمعية، عبر حكاية بطل ذي تجربة خاصة، تُمرّر منها عدة مقولات سياسية واجتماعية.
ومن أجل ذلك بدا الاستناد السردي على أساليب الأسطورة والملحمة والسيرة الشعبية هدفًا استراتيجيًّا، يريد أن يحقق ما حققته تلك النصوص القديمة في التاريخ: تخييل سياسي، من أجل تكوين تراث يصنع مجالًا مشتركًا من التجارب والرموز، والغاية النهائية هي ربط أناس مبعثرين ببعضهم البعض. وهنا بيت القصيد.
تحضر في ثنايا السرد البصري عناصر أسطورية منذ اللحظة الأولى، وهذا ما نراه في الماء متجليًّا في نهر العاصي. يحيل حضور الماء إلى أمرين: ديني ودنيوي. في الجانب الديني ابتدأ خلق العالم في أساطير المنطقة، ولاحقًا في النصوص الدينية، من الماء. أما في الجانب الدنيوي فالاستقرار البشري حدث في المناطق المائية، ومن ذلك الاستقرار وُلدت الحضارة.
يمثّل الحضور الشعريّ لنهر العاصي، وجماليات تصويره كصانع للوجود والحياة، دعوةً للعودة إلى البدايات.
ولأنّ البدايات ماء، والماء خلق وحضارة، تُقام صلات متعدّدة مع الماضي، مرةً بيننا نحن وزمن أحداث المسلسل، ومرةً أخرى بين زمن المسلسل وأزمنة البشر كلها.
في المشهد الثاني من المسلسل يحكي والد البطل قصة تكوين نهر العاصي. يقول إن تنينًا صخمًا كان يطير في السماء وواجهته عاصفة رعدية، وبعد محاولات للتغلب عليها سقط على الأرض محدثًا حفرة كبيرة، وكي يختبئ من العاصفة راح يحفر الأرض فانفجر منها الماء وكان ذلك ميلاد نهر العاصي. لاحقًا بدأت تظهر القرى حوله، ومنها القرية التي وُلد فيها الفتى الذي سيحمل اسم النهر، كما لو أنه نهر على هيئة بشر.
نهر وشخص يحمل اسمه، ذلك تأسيس أسطوري للشخصية، وبه تُخلق روابط بين الشخصيات وقوى الطبيعة مثلما ربطت الأساطير بين شخصياتها والنار والبحر والهواء. مع ذلك لا نرى سعيًا إلى تحويل الشخصية إلى نصف إله، بل يُكتفى بالحالة الشعرية المؤثّرة للبطولة من أجل تأسيس أسطورة جديدة تعتمد أدوات الأسطورة القديمة.
أما الجانب المستمد من متون السير الشعبية العربية فيجعل من عاصي الزند شخصيةً مكرورةً معادةً لا جديد فيها على الإطلاق.
البطل في الحكاية الشعبية
هناك نظريات عديدة يمكن الاعتماد عليها لمقاربة حالة البطل هنا. ومنها كتاب الأمريكي جوزيف كامبل "البطل بألف وجه"، وكتاب السوفييتي فلاديمير بروب "مورفولوجيا الحكاية الخرافية". يتشابه الكتابان في نظرتهما العامة إلى أبطال الحكايات، ويختلفان في تفاصيل عديدة، لهذا سوف نتجوّل بين أفكارهما.
بطل الحكاية الشعبية هو شخصية متخيلة يُعلّق الشعب عليها كل أحلامه، لأنه بوصوله إلى الهدف المرتجى يشكّل قدوة مثلى للصمود وتحمل الآلام، من أجل بلوغ الخلاص. وبطل الحكاية لا يختلف في وظيفته هذه عن الأنبياء والقديسين، لأن تمثّله بقصص عذاباتهم ومعاناتهم يقدم طريقًا روحيًّا لاحتمال مشقّات الحياة.
بطل الحكاية الشعبية هو شخصية متخيلة يُعلّق الشعب عليها كل أحلامه، لأنه بوصوله إلى الهدف المرتجى يشكّل قدوة مثلى للصمود وتحمل الآلام، من أجل بلوغ الخلاص
يخوض البطل في الحكاية رحلة نفسية تقوده إلى التغير. تبدأ حين يصله "نداء المغامرة"، بحسب تسمية كامبل، وهذه الرحلة تقوم على محطات عديدة، لكنها تقسم إلى ثلاثة أقسام كبرى هي: المغامرة، التجربة، العودة. ومثلها محطات، أو وظائف، في كتاب بروب. وكلاهما تنطبقان بشكل كبير على أبطال القصص الشعبية جميعها، مثلما تنطبقان على سيرة الزند أيضًا.
يرى بروب أن الوظيفة الأولى هي الغياب عن البيت. وهذا بالضبط ما حدث مع الزند. إذ هرب بعد استطاعته أن يُنزل الأذى بقائد مجموعة قتَلة والده.
لكن الغياب الأهم هو الغياب الثاني الذي يتجلى في المغامرة نفسها. فحيث يغيب البطل في المرة الأولى لسبب واضح، فإنه يغيب في الثانية لسبب غامض.
الغياب الثاني هو متن المغامرة التي ترويها حكاية المسلسل في محاولة البطل العائد من غيابه لاستعادة أرض العائلة، ثم اصطدامه بالباشا الذي لفّق له جريمة قتل ضابط كبير، ليتحول إلى شخص مطارد. وكي يقلب معادلة القوة عليه أن يمتلك أداة سحرية، تتجلى في البنادق التي يشتريها من الغجر، وبذلك يغدو البطل جاهزًا لمواجهة الشخصية الشريرة مواجهةً متكافئة.
هذه هي ملامح رحلة البطل بحسب بروب وكامبل، وهي ذاتها خطة المسلسل الكاملة، ما يعني أننا أمام تطبيق عملي لدراسات البطل الشعبي وحسب.
يمتلك هذا البطل مواصفات خاصة طبعًا، فهو قوي، وجميل، ومحبوب من النساء، لديه امرأتان واحدة يحبها وأخرى تحبه. ولديه حب بريء من أخته وعمته. وهو فوق مزاياه العديدة كلها يمتلك لسانًا لا يشبه ألسنة الآخرين، فيشتم بطريقة مبتكرة، ويضع الاسم الموصول "الذي" بدلًا من الاسم الموصول العامي "اللي" تمييزًا له عمن سواه، وينطق بمقولات نيتشه.
البطل القوي ينجو طبعًا من محاولات قتله المتعددة: جاءنا ناجيًا من حروب 17 عامًا، وهرب من مسرح جريمة مقتل الباشا، وتجنب طعنة ابن قاتل أبيه الذي جاء إليه يطلب رأسه طمعًا بالجائزة التي وضعها الباشا، ونجا حين أراد إنقاذ أخته من القتلة في اللحظة الأخيرة. إنه كما يقول طلال حرب في كتاب "بنية السيرة الشعبية": "إنسان غير عادي، يُولد ليؤدي مهمة معينة، وتُعِدُّه العناية الإلهية، وتُوفر له من يَعلم بأمره فينتظره ويُؤَمِّن المساعدة اللازمة له".
الحكاية والثقافة الشعبية
تكمن قوة المسلسل في الاستفادة الواسعة من الثقافة الشعبية، فيُظهر لنا مكونات اجتماعية متعددة: غجر وبدو وفلاحون ومدنيون.. ونرى تنوع كل هذه الفئات من النواحي الفلكلورية، سواء في الموسيقى والغناء أو المسكن والملبس.. لكن حضور المواويل الطاغي يقول الكثير، فهناك من يغني في الجيش بين العساكر، ومن يغني في الجبال مع المتمردين، ومن يغني في القرى، وإذا أضفنا بيت العتابا الذي يُغني في الشارة فإنّ ذلك كله لا يقرّب العمل من نفسية المشاهد فقط، إنما يوظف الغناء في مكانه الصحيح بوصفه حداءً موازيًا لرحلة البطل، ما يزيد من إمكانية التأثير على المشاهدين ويُسهّل إيصال الرسائل المتوخاة.
يظل حضور الثقافة الشعبية متمثلًا في الحكاية الكبرى للعمل، التي هي تلخيص لمضمون السير الشعبية كي يكون المسلسل نفسه مندرجًا ضمنها، ومثلما لعبت السير الشعبية أدوارًا ثقافية في الدفاع عن الوجود وحفظ الهوية تطمح هذه الحكاية إلى دور مشابه، لكن بما يتقاطع مع رؤية النظام السوري لكل ما جرى في بلادنا خلال العقد الأخير.
لهذا يطمح المسلسل، مثل الحكايات الكبرى، إلى إنشاء خيال سياسي، يُكوّن رابطة بين أناس مبعثرين، على خلفية تجارب البطل والرموز الثقافية المشتركة معه.
وهنا يكون المشككون بالمسلسل أكثر من لمسوا وجود هدف وراءه، لكنّ قراءاتهم التي اصطبغت بالطائفية وضعت التأويلات في مأزق.
يطمح مسلسل "الزند: ذئب العاصي"، مثل الحكايات الكبرى، إلى إنشاء خيال سياسي، يُكوّن رابطة بين أناس مبعثرين، على خلفية تجارب البطل والرموز الثقافية المشتركة معه
يستعمل العمل أدوات السير الشعبية التي ظهرت في فترات الهزيمة على خلفية الحملات الصليبية والغزو المغولي للعالم العربي، فكانت هذه الملاحم الشعبية نوعًا من رد الفعل على هزائم جسيمة، ونوعًا من حماية الذات من خلال الفن، فـ"سيرة الظاهر بيبرس" انتشرت بعد مجيء العثمانيين إلى مصر عام 1517، و"السيرة الهلالية" انتشرت بعد هزيمة الثورة العُرابية والاحتلال الإنجليزي لمصر أيضًا.
بمعنى آخر، وجد الشعب غاية لتبني هذه المتون السردية.
من أسعد الورّاق إلى الزند
ينخرط المسلسل في مسار طويل من تعبير الدراما التلفزيونية السورية عن الرؤية السياسية لكل مرحلة من قبل النظام، سواء في عهد الأب أو الابن، وهذا ليس بالأمر الجديد، فمسلسل راسخ مثل "أسعد الوراق" الذي ظهر عام 1975 جاء ليؤكد على الأفكار التي تحملها الدولة البعثية بدايةَ عهد حافظ الأسد، وهي إخراج المواطن البسيط من الجهل إلى مواجهة القوى الخارجية.
فكرة مواجهة القوى الخارجية التي تستهدف الأرض والشعب نالت الكثير من المسلسلات، وطوّبت الكثير من الأبطال، فلدينا مسلسل "البركان" عام 1989 الذي يروي قصة فراغ سياسي في قبيلة متخيلة اسمها الجنادب. يأتي البطل الشاب ورد ويفرض نفسه للقيادة من خلال فوزه على الآخرين في المبارزة والفروسية، ومن ثم يقوم هذا البطل بعد قيادته للقبيلة في التصدي للروم بتغيير اسمها ليصبح قبيلة الصقور. والسؤال: هل ورد تجسيد لباسل الأسد؟ وهل انتزاعه للسيادة بقوته وكفاءته تمويه على قصة التوريث التي كانت تُطبخ على نار هادئة في مكتب أبيه؟
لو تابعنا في هذا المسار لوجدنا أن أبطال الدراما السورية في معظمهم يحملون رسائل من القيادة إلى الشعب، أو أنهم هم أنفسهم رسائل. مثلًا في عام 1995 ظهر مسلسل كوميدي هو "يوميات مدير عام"، ليقول لنا إن الدولة تشنّ حربًا ثقافيةً على الفساد الذي صنعه ضعاف النفوس من الموظفين الصغار، أو المسؤولين متوسطي المركز، وأنّ هذا الفساد دخيل على حياتنا ومؤسساتنا وليس جزءًا من بنية راسخة. ووقتها صار الدكتور أحمد عبد الحق بطلًا شعبيًّا بمواصفات عصرية.
في حقبة التسعينات ظهرت مسلسلات عديدة من بطولة أيمن زيدان، تحدثت عن بطل سوري مناضل ضد القوى الاستعمارية: "نهاية رجل شجاع" و"إخوة التراب" بجزئيه و"هوى بحريّ" و"الطويبي".
لكنّ هناك مسلسلًا خالف هذا السياق التعبويّ هو "العبابيد"، عُرض عام 1997، وذلك حين رسم صورة لهزيمة مملكة تدمر وأسر فرسانها في روما، ومن ثم تصوير تعذيبهم، خصوصًا البطل مالكو، الذي لعب دوره الممثل المحبوب وقتها رشيد عساف. ولأنَّ عساف لعب من قبل شخصية ورد في مسلسل "البركان"، بدا للمشاهدين أن الفرسان الأبطال في تلك المسلسلات المتخيلة كلها مأسورون ويتعرضون للتعذيب في روما. فهل كان دافع ذلك اليأس لدى أجهزة السلطة الإعلامية والثقافية في الجمهورية المحكومة من المخابرات هو حرب الخليج الأولى؟
ولو أضفنا مسلسل "الخوالي" الذي ظهر عام 2000 لقلنا إن نصار بن عريبي ليس سوى محاكاة فنية لحافظ الأسد، الحامي الشهم والمقاتل الشجاع والمدافع عن تعدّد وتنوّع بلده ووحدته الوطنية، والمفارقة أنّ المسلسل ظهر في سنة وفاته.
تاريخ المسلسلات السورية يقول إن حافظ الأسد أطلّ علينا مرارًا في مسلسلات الفانتازيا التاريخية والبيئة الشامية بألف وجه ووجه
يمكننا القول، لا سيما على خلفية الضجة التي أحدثها مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" ودهشة السوريين من تجسيد قيادات نظامهم بصورة رمزية، أنّ تاريخ المسلسلات السورية يقول إن حافظ الأسد أطلّ علينا مرارًا في مسلسلات الفانتازيا التاريخية والبيئة الشامية بألف وجه ووجه.
ولأنّ الدراما التلفزيونية لا بد من أن تكون حاضرة في العهد الجديد، افتُتحت مرحلة رئاسة بشار الأسد بالجزء الأول من مسلسل "بقعة ضوء" الذي عُرض عام 2001، ومع أنّه يخلو من البطولة بالمعنى التقليدي، إلا أن جرأته في تناول مواضيع محرّمة مثل أجهزة الأمن جعلت السوريين يشعرون أن لدى رئيس العهد الجديد وعوده الحقيقية في التغيير، مثلما يدعي.
يمكننا أن نضيف عشرات الأمثلة التي تُدلل على طريقة النظام السوري في بناء سرديات تلفزيونية ترسّخ سلطة تصوّراته ورؤيته، لكنّ المجال لا يتسع.
مرحلة جديدة.. بطل جديد
لأنّ البطل يتغير بحسب الظروف السياسية في كل مرحلة، ولأنّ الشاشة السورية لا تتوقف عن تقديم الأبطال المثاليين، يأتي مسلسل "الزند: ذئب العاصي" في السياق نفسه، فالفن يتحدث من خلال الرموز، وبطلنا الجديد جدير بأن نعلّق عليه أحلامنا، لأنه قادر على تحمل سنوات الظلم والغربة والحرب، ويحمل في داخله نقاء إنسانيًّا كبيرًا، بما يؤهله للوصول إلى الخلاص.
الزند بطل شعبي لمرحلة ما بعد خراب سوريا، التي يراها النظام مرحلة انتصار، لأنه يُقدّم صورة قابلة للاستلهام عند الطبقات الشعبية، من خلال التلاعب فيها والتأثير في النفسية الجماعية المضطربة عبر الربط المدروس بقيم القوة والشهامة والصمود والتحدي التي يمثلها الإنسان الشريف الذي وقف مع نظام بلاده، وخاض حربه، أو دعمها وساندها، وربما يكون بذلك عصام زهر الدين أو سهيل الحسن، أو شادي حلوة. أو كل من قاوم سلب الأرض وضحّى لتبقى تحت سيادة أهلها!
يصنع الزند الخلاص السوري في حكاية ليست سهلة الفهم وحسب، بل مبنية على نهج نفسي يستحضر نماذج أصليةً، بتعبير يونغ، ليقول لنا إن سوريا أكبر من هذه الحرب. عقد ونيّف من الزمان لا يساويان شيئًا أمام الظلم التاريخي الذي وقع على هذه البلاد. مأساة اليوم صغيرة لو وضعناها في إطار مآسي الأمس. فيا أيتها السوريات، ويا أيها السوريون.. انظروا، هناك حرب دائمًا، مرةً ضد الإقطاع، وأخرى ضد الاستعمار، وثالثة ضد الإرهاب، ودومًا، في هذه الحروب كلها اتُهم البطل بالخسة والكذب والإجرام، والآن يتهمنا الجميع التهم نفسها مع أننا كنا في حالة دفاع عن أرض وقيم.
ولأّن الفن ساحة معركة، يحول الزند حرب النظام على شعبه إلى حرب حرية.
الزند بطل مرحلة ما بعد الهزيمة، لأنه يرينا أن ضياعنا حدث لأننا لم نعد نرتبط بأسطورة مُؤسِّسة، أو بحكاية جامعة، تربطنا بعالم الأسلاف من جهة، وتربطنا ببعضنا البعض من جهة أخرى.