مؤخرًا انصبّ التركيز في الولايات المتحدة الأميركية على ما بات يعرف بخطة "مشروع 2025" الذي تولت مؤسسات وأسماء محافظة عتيدة، على صلة بترامب، طبخه.
ويتمثل السبب الرئيسي في هذا الاهتمام المتزايد بالمشروع المذكور في تصاعد حظوظ المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالفوز في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل في مواجهة المرشح الديمقراطي، جو بايدن، الذي تراجع مستوى الثقة فيه، داخل صفوف الديمقراطيين، بسبب أدائه الضعيف في المناظرة الرئاسية أمام غريمه ترامب.
وجرى تقديم مشروع 2025 بوصفه مشروعًا للحكم بالنسبة للرئيس الجمهوري القادم، وتدور المحاور الرئيسية لهذا المشروع حول مجموعة من القضايا الحسّاسة، على رأسها إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية، بإعادة تشكيل كل وزارة على حدة، وتوزيع الصلاحيات بما يعزز سلطات الرئيس، بالإضافة لمقترح بإلغاء وزارة التعليم وآخر على صلة بالإجهاض (تقييد الحصول على العقاقير)، فضلًا عن مقترحات أخرى تتعلق بإلغاء لوائح الحفاظ على البيئة على نطاق واسع وإلغاء البرامج التي تعزز التنوع في مكان العمل.
قال بايدن في تجمع انتخابي حاشد: "مشروع 2025 هو أكبر هجوم على حكومتنا وحرياتنا الشخصية على الإطلاق في تاريخنا"
وهي أجندة يعتبرها الديموقراطيون وبعض المعلقين والمتابعين متطرفةً وتشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل أميركا كمجتمع حر وديمقراطي.
مضامين الخطة.. جعل أميركا أمةً محافظة
جاء في مقدمة خطة 2025 ما نصّه: "لا يكفي أن يفوز المحافظون في الانتخابات، إذا أردنا إنقاذ البلاد من قبضة اليسار الراديكالي، فنحن بحاجة إلى أجندة حاكمة وأشخاص مناسبين في مكانهم، وعلى استعداد لتنفيذ هذه الأجندة في اليوم الأول من الإدارة المحافظة القادمة. هذا هو هدف مشروع الانتقال الرئاسي لعام 2025".
وتختصر افتتاحية الخطة التي كتبها رئيس مؤسسة، هيريتيج كيفن دي روبرتس، هدف مشروع 2025 بجعل "أميركا أمةً محافظة. وللقيام بذلك، يتعين على الإدارة الرئاسية المقبلة أن تركز على أربع جبهات واسعة ستقرر مستقبل أميركا"، وتتمثل هذه الجبهات حسب روبرتس في:
- استعادة الأسرة باعتبارها محور الحياة الأميركية وحماية أطفالنا.
- تفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي إلى الشعب الأميركي.
- الدفاع عن سيادة أمتنا وحدودها وخيراتها ضد التهديدات العالمية.
- تأمين حقوقنا الفردية التي منحها الله وضمنها الدستور للعيش بحرية.
وتوضح بقية الخطة بالتفصيل، كيف يمكن للإدارة الجمهورية القادمة تنفيذ أهدافها على هذه المحاور الأربع. حيث تفصل الخطة ما يجب على إدارة الرئيس القادم أن تفعله، بالإضافة إلى تفاصيل عمل كل وكالة فيدرالية لإصلاح أهدافها وعملياتها اليومية، بما يستجيب لأكثر الأجندة محافظةً، من وزارة الزراعة إلى وزارة الدفاع، إلى إدارة هيئة التنمية الدولية، ووكالات التنظيم المالي.
ومن بين المقترحات العديدة المثيرة للقلق في المشروع "تركيز السلطة في الرئاسة: بمنح الرئيس وطاقمه المزيد من السلطة على السلطات التنفيذية، بالإضافة لتحقيق أولويات المحافظين طويلة الأمد: مثل تقليص التشريعات، وتقليل الإنفاق الفيدرالي على الفقراء، والتخلي عن جهود مكافحة التغير المناخي، وزيادة الإنفاق العسكري، وما إلى ذلك، يضاف إلى ذلك تبني الأجندة الصارمة لليمين الديني، حيث يقدم المشروع مقترحات لاستخدام السلطة الفيدرالية في قضايا منع الإجهاض وتقييد تغطية نفقات بعض وسائل منع الحمل".
كما تتضمن الخطة "رؤيةً مفصلةً لتطهير جهاز الدولة الأميركية الإداري من عشرات الآلاف من الموظفين لصالح توظيف أولئك الذين سيلتزمون بالمبادئ المحافِظة لمشروع 2025، إلى جانب دعم نشر الجيش للمساعدة في عمليات الاعتقال على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وعمليات ترحيل جماعية لملايين المهاجرين غير الشرعيين.
هذا وقد وضع مشروع 2025 خارطة طريق مفصلة لأول 180 يومًا من عهدة ترامب الثانية، إذا فاز، يبدأ العمل فيها تباعًا بـ"تفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي إلى الشعب الأميركي"، عبر إعادة هيكلة كل منصبٍ وزاري، بما يضمن عدم قدرتهم على إجراء أي تحقيقات بدون تدخل سياسي.
وبحسب قناة فوكس، فإن ترامب يدعم تقريبًا جميع المقترحات الواردة في الخطة، لكنه يتجنب اتخاذ مواقف ثابتة بشأن هذه القضايا بشكل رسمي، وقد يختلف مع بعض التوجهات لا سيما فيما يتعلق بالتجارة.
"جنّة فاشية".. انتقادات حادة للمشروع
تحول مشروع 2025 إلى مادة دسمة للنقد، وانتهز بايدن ما يطرحه المشروع من مقترحات مثيرة للجدل في توجيه انتقادات قوية لترامب الذي يقول بايدن إنه يتبنى السياسات الورادة في المشروع ومستعد لتطبيق ما هو أكثر منها تطرّفًا "بحيثُ يغير وجهَ أميركا للأبد".
وقال بايدن في تجمع انتخابي حاشد في ولاية ميشيغان الجمعة الماضي: "مشروع 2025 هو أكبر هجوم على حكومتنا وحرياتنا الشخصية على الإطلاق في تاريخنا".
ويضيف بايدن أن "هذا البرنامج الذي قام بتطويره وتمويله رجال ترام سيصبح تنفيذه كابوسًا"، متابعًا القول إن "مشروع 2025 سيجرّم توزيع الأدوية الطبية المخصصة لعمليات الإجهاض، وسيدمر الخدمة المدنية من خلال استبدال المسؤولين بمؤيدي ترامب، وسيعرقل برامج التأمين الصحي الحكومية، وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية".
ويذهب بايدن أبعد من ذلك إلى القول إن مشروع 2025 "سيسمح لوزارة العدل بملاحقة أعداء ترامب".
أمّا مجلة نيو ريبابليك فاعتبرت أن مشروع 2025 هو "دليل مفصّل بشكل ملحوظ لتحويل الولايات المتحدة إلى جنة فاشية". موضّحةً أن الوثيقة الأساسية للمشروع تُحدد ما هو في الأساس "رؤية قومية مسيحية للولايات المتحدة".
مشروع 2025 سيجرّم توزيع الأدوية الطبية المخصصة لعمليات الإجهاض، وسيدمر الخدمة المدنية من خلال استبدال المسؤولين بمؤيدي ترامب، وسيعرقل برامج التأمين الصحي الحكومية
وبحسب المجلة، يعكس مشروع 2025 بالمجمل "رؤيةً مرعبةً لما يمكن أن تبدو عليه الحياة الأميركية".
أمام هذا السيل من الانتقادات نأى ترامب بنفسه عن المشروع، وادعى أنه لا يعرف شيئًا عن الموضوع وإن بعض الاقتراحاتِ سخيفة"، وذلك على الرغم من ترويجِه لكثير منها في حملاتِه الانتخابية ونشرِ بعض البنود على مواقعَ تدعَمُه مثلَ موقع "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، فضلًا عن أن كثيرين من أقرب مستشاريه السياسيين ضالعون في المشروع بقوة تفكيرًا وتحريرًا لمحتوياته.
الجهات التي تقف وراء مشروع 2025
ورد مشروع 2025 في صيغته النهائية ضمن كتابٍ ضخم من 920 صفحةً، وقد تولت مؤسسة "هيريتيج"، التي توصف بأنها من بين المنظمات اليمينية الأكثر نفوذًا في الولايات المتحدة، رعايتَه وبلورتَه.
ومن المعروف أن مؤسسة هيريتيج التي تأسست عام 1973، تستخدم مواردها ونفوذها لدفع أجندتها المحافظة في كل جانب من جوانب الحياة الأميركية، خاصةً الدعوة المعارضة للإجهاض، وسياسات المناخ، والدعوة المناهضة للمثليين، والدعوات لتضخيم الميزانية العسكرية ودور واشنطن العسكري حول العالم.
وبحسب مجموعة هريتيج، فإن فصول خطة "مشروع 2025" ودليل الـ180 يومًا كتبها "أكثر من 400 باحث وخبير سياسي من جميع أطياف الحركة المحافظة من كل أرجاء الولايات المتحدة". ويشمل ذلك مسؤولين سابقين في إدارة ترامب وشخصيات يمينية بارزة، مثل القائم بأعمال وزير الدفاع السابق كريستوفر ميلر، ونائب وزير الأمن الداخلي السابق كين كوتشينيلي، وبيتر نافارو، كبير المستشارين التجاريين السابق لترامب.
يشار إلى أن مؤسسة هيريتج برزت بقوة" خلال فترة رئاسة رونالد ريغان، الذي اعتمدت سياساتُه على دراسة سياسية أنجزتها هريتيج تحت عنوان: "انتداب القيادة". ومن لحظتها بات للمؤسسة المحافظة تأثير واضح "في صنع السياسة العامة الأميركية".