31-يوليو-2024
انتقل باسكال كانيميرا إلى كندا بحثًا عن الآمان (AP)

(AP) انتقل باسكال كانيميرا إلى كندا بحثًا عن الآمان

قبل ثلاثين عامًا، بينما كان باسكال كانيميرا يختبئ من أفراد مجموعات "الهوتو" المتطرفين الذين قتلوا ولده وإثنين من إخوته بالمناجل، ونحو 800 ألف من "التوتسي"، خلال الإبادة الجماعية التي وقعت برواندا في تسعينيات القرن الماضي، أبرم "صفقة مع الله" وخاطبه: "من فضلك، إذا بقيت على قيد الحياة لمدة أسبوع آخر، سأعطيك 100 فرنك رواندي".

استمع الله لذلك الطفل البالغ من العمر 16 عامًا، الذي صلى مرة وأخرى ثم مرة أخرى ومرة أخرى، حتى توقفت عمليات القتل في تموز/يوليو 1994.

يتحدث كانيميرا، الذي يبلغ حاليًا من العمر 46 عامًا، لوكالة "أسوشيتد برس" من منزله بالعاصمة الكندية أوتاوا: "عند نهاية الإبادة الجماعية، كنت مدينًا لله بـ400 فرنك رواندي"، وأضاف: "هذا يوضح لك كيف أضع حياتي وبقائي دائمًا بين يديه".

قتل "الهوتو" أيضًا جدته وأعمامه وأبناء عمومته في المذابح التي استمرت لأكثر من 100 يوم.

بدأت الإبادة الجماعية في رواندا يوم 6 نيسان/أبريل 1994، عندما أسقطت طائرة تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا، الذي ينتمي لأغلبية "الهوتو"، حين كانت تستعد للهبوط في العاصمة الرواندية كيغالي

بدأت الإبادة الجماعية في رواندا يوم 6 نيسان/أبريل 1994، عندما أسقطت طائرة تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا، الذي ينتمي لأغلبية "الهوتو"، حين كانت تستعد للهبوط في العاصمة الرواندية كيغالي.

اتهمت أقلية "التوتسي" بالوقوف وراء إسقاط طائرة الرئيس. وعلى إثرها بدأت مليشيات من متطرفي "الهوتو" في قتل "التوتسي" بدعم من الجيش والشرطة.

قتلت عائلة كانيميرا في 9 نيسان/أبريل 1994، في حين كان هو يختبئ بمدرسة محلية، وعلم بمقتلهم بحلول أواخر أيار/مايو من نفس العام، عندما التقى والدته وأخواته في مخيم للاجئين كانت تسيطر عليه القوات الفرنسية.

ورغم قيام أفراد من ميليشيات "الهوتو" بعمليات تفتيش داخل المدرسة التي كان يختبئ فيها كانيميرا، بحثًا عن "التوتسي" الذين عاشوا في الجوار، لكن لم يتم القبض عليه أبدًا.

وعلى الرغم من أن "الهوتو" خططوا لقتل "التوتسي" في مخيم اللاجئين الذي توجه إليه كانيميرا، إلا أن القوات الفرنسية تمكنت من التحكم في زمام الأمور، لذلك نجا.

لم يكن كانيميرا الناجي الوحيد، فقد شهد أفراد من "التوتسي" عمليات القتل بشكل مباشر وبالكاد استطاعوا من سرد الحكاية.

في كتابها "اختيار للموت: مقدر له أن يعيش"، تروي فريدا أوموهوزا، التي قتل أفراد عائلتها بالكامل بما في ذلك والديها وجديها وأشقائها الخمسة، كيف تم قطع رأس والدتها أمام عينيها.

حدقت في جدها متوسلة إلى قتلته للسماح لعائلتها بالصلاة معًا مرة أخيرة. ارتجفت عندما أقنعها المتطرفون "الهوتو" باختيار السلاح الذي ستقتل به.

خاطبت أوموهوزا، التي كانت مرعوبة من المناجل، القتلة، قائلةً: "من فضلكم، لا تقتلوني".

بعد فترة وجيزة، شعرت الفتاة، البالغة من العمر 14 عامًا في ذلك الوقت، بضربة على مؤخرة رأسها وظل كل شيء مظلمًا.

عندما استيقظت، كان جسدها مغطى بالأوساخ وهي داخل حفرة حيث كان أقارب لها مقتولين. ظلت مخدرة لساعات، حتى أشفق عليها أحد جيرانها "الهوتو " وأنقذها.

فريدا أوموهوزا

يقول كانيميرا: "في بعض الأحيان، عندما يسمع الناس عما حدث لنا، فإنهم لا يصدقون ذلك، قتل بعض الرجال أطفالهم بدافع الكراهية"، ويضيف: "عملية الشفاء طويلة. لكن العديد من الناجين يتمسكون بالإيمان لإعادة السلام إلى حياتهم".

تشير "أسوشيتد برس" إلى أنه رغم الألم لا يزال العديد من الناجين يزورون المدارس لمشاركة قصصهم مع الأجيال الشابة. إنهم "يكتبون الكتب. يتحدثون إلى الصحفيين، على استعداد لإعادة فتح جراحهم عامًا بعد عام، على أمل عدم ارتكاب إبادة جماعية أخرى".

يقول تارسيس روهاميانديكوي، الذي فقد أخًا وأعمامه وعماته في المذبحة: "من ينسى الماضي محكوم عليه بإعادة إحيائه"، ويضيف: "قتل شعبنا وعائلاتنا في ظروف غير عادية، لذلك فهذه طريقة لإعادة الكرامة لهم".

خلال الإبادة الجماعية، انخرط المتطرفون "الهوتو" في عمليات قتل وحشية. غالبًا ما سبقها عمليات ضرب وتعذيب وتشويه.

كان أفراد المليشيات يهتفون "اقتلوهم جميعًا!" قبل أن يصلوا إلى منازل العائلات التي سيبيدونها.

 تم اغتصاب ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة بوحشية، وفي وقت لاحق احتاجت العديد منهن لإجراء جراحة جراحية، أو العلاج من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز).

يصف روهاميانديكوي، الذي يعيش هو أيضًا في أوتاوا، الوضع في رواندا بعد الإبادة الجماعية قائلًا: "رواندا كانت مليئة بالجثث، تخيل أنك تعود كناج، ولا تجد في منزلك سوى جثث إخوتك وأخواتك".

توضح "أسوشيتد برس" إلى أن روهاميانديكوي كما كانيميرا، انتقل للعيش بعيدًا عن رواندا ليكون في مكان آمن. كانت محطته الأولى الكونغو، حيث أرسله والداه عام 1985، خوفًا من تصاعد العنف ضد "التوتسي".

يقول روهاميانديكوي: "أتذكر أنه عندما كان عمري 7 أو 8 سنوات، كنت أرى والدي يعتقله الجيش ويأخذه للسجن.. أتذكر أنني اعتقدت أنه كان محظوظًا لأنه عاد..  لم يعد آخرون، لقد قتلوا في السجن".

يصف هاميانديكوي الوضع في رواندا بعد الإبادة الجماعية قائلًا: "رواندا كانت مليئة بالجثث، تخيل أنك تعود كناج، ولا تجد في منزلك سوى جثث إخوتك وأخواتك"

العداء التاريخي بين "الهوتو" والتوتسي" هو ما أدى لوقوع الإبادة الجامعية. وكان التمييز ضد "التوتسي" يبدأ منذ سن مبكرة. تطلب المدارس من المعلمين الاحتفاظ بسجل مفصل للطلاب. كان شائعًا عند دخول الفصول الدراسية، أن يقال: "كل التوتسي، قفوا".

يصف روهامياندكوي، ذلك الوضع: "خلال الإبادة الجماعية كان من السهل جدًا أن تسأل: "أين هويتك؟وتقتل لأنك من التوتسي".

لم يكن والد روهاميانديكوي من ضحايا الإبادة الجماعية، لكن عندما توفي في تسعينيات القرن الماضي، لم يتمكن روهاميانديكوي من دفنه. موضحًا: "القيام بهذه المجازفة والعودة إلى رواندا، ربما كان سيقتلني".

لا يملك روهاميانديكوي صورًا أو ممتلكات مادية خلال الفترة التي عاشها في رواندا، ولكن ذكرياته عن بلد ألف تلة لا تزال سليمة. وقبل بضع سنوات، أخذ أطفاله إلى هناك.

لم يتبق شيء من المنزل أين أقام والداه باستثناء علامات على الأرض. فقام بتحريك يديه في الهواء، ورسم منزل طفولته، وخاطب أطفاله، قائلًا: "هذا هو المنزل الذي نشأت فيه، ولكن تم تدمير كل شيء".

 لم تكن مشاركة مشاعره سهلة. يقول روهاميانديكوي: "الروانديون ليسوا منفتحين على العاطفة، حتى داخل عائلاتهم، يتم كتمها منذ الصغر، وعلى الرغم من ذلك، كانت الكتابة مثل العلاج". 

في كتابه تحدث عما أسماه "يد الله الخفية"، قائلًا: "بعض الناس يعتبرون ذلك حظًا، لكنني أقول كان الله يرشدني من خلال جميع الأشياء التي مررت بها".

ومن خلال الكتابة لم يعبر روهاميانديكوي عن نفسه فقط، بل حاول نشر الوعي حول تاريخ شعبه.

وكتب: "لا يمكننا أن ننسى أحباءنا، إذا كان يجب أن تحدث المصالحة، علينا أن نتذكر ذلك ونعلم ما حدث للجيل القادم".

"قال أحدهم إن هناك شيئًا أقوى من الموت: إنه وجود الموتى في ذاكرة الأحياء".