17-أغسطس-2024
مخطط ضم الضفة

(WSJ) بناء عليه علم فلسطين في الضفة الغربية

من أقصى يمين سياسة الاحتلال الإسرائيلي وأكثر نسخها تطرفًا، دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، منذ سنوات إلى ضم الضفة الغربية لـ"إسرائيل" وطرد سكانها٬ والآن، بصفته وزيرًا في قلب الحكومة التي تخوض حربًا مع غزة، يستخدم أدوات مختلفة لتوجيه الأراضي المحتلة بهدوء في هذا الاتجاه بأي ثمن كان٬ حيث يقضي على أي فكرة تتعلق بإقامة دولة فلسطينية، وفقًا لتقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الذي يرصد مشروع الوزير المتطرف الاستيطاني في الضفة.

تقول الصحيفة إن سموتريتش احتفل، الأربعاء الماضي، بإنجازه الأخير المتمثل بإنشاء حدود بلدية لبناء مستوطنة يهودية جديدة تربط بين كتلة استيطانية كبرى في الضفة الغربية بمدينة القدس، وأضافت أنه سيتم بناء المستوطنة الجديدة، التي تحمل اسم "ناحال هيليتز"، داخل أراضٍ عربية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2014.

استراتيجية ينتهجها المستوطنون

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية ينتهجها المستوطنون الإسرائيليون لفصل البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية عن القدس٬ مما يضعف إمكانية أن تصبح القدس الشرقية ذات يوم عاصمة لدولة فلسطينية.

يستخدم المستوطنون الإسرائيليون استراتيجة لفصل البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية عن القدس مما يضعف إمكانية أن تصبح القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين

وقال سموتريتش، الأربعاء الماضي، احتفالًا بقرار المكاتب الخاضعة لسيطرته بالمضي قدمًا في بناء المستوطنة الجديدة: "سنواصل محاربة الفكرة الخطيرة المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية، وخلق حقائق جديدة على الأرض. هذا هو هدف حياتي، وإن شاء الله سأستمر في تحقيقه بقدر ما أستطيع"، على حد قوله.

وكان سموتريتش قد وصل إلى السلطة في أواخر عام 2022 عندما ساعد حزبه "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في الفوز بأغلبية برلمانية ضئيلة، وباستخدام نفوذه الجديد للفوز بمنصبين مزدوجين كوزير للمالية ووزير "الإدارة المدنية بوزارة الدفاع"، اكتسب سموتريتش نفوذًا على السياسة والأمن بالضفة الغربية، وهو ينشر نفوذه بسرعة لإعادة تشكيل الضفة بالكامل.

ومنذ توليه منصبه، تقول منظمات مراقبة فلسطينية وإسرائيلية، إن عمليات الاستيلاء على الأراضي وتصاريح البناء والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية تضاعفت، كما ارتفعت عمليات هدم المنازل الفلسطينية أيضًا.

وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن سموتريتش، بصفته وزيرًا للمالية، وجه مئات الملايين من أموال دافعي الضرائب نحو تحسين البنية التحتية في الضفة لصالح المستوطنين، وفي وزارة الدفاع الإسرائيلية، استبدل المؤسسات العسكرية التي أشرفت لفترة طويلة على احتلال "إسرائيل" بمؤسسات "مدنية" مجهزة للتعامل مع أمور مثل المياه وبناء الطرق وتصاريح البناء في الضفة.

سموتريتش
يظهر سموتريتش وسط الصورة يساند المستوطنين في حي الشيخ جراح في 2021 (Getty)

وقال سموتريتش عن خططه في الضفة الغربية، وفقًا لتسجيل صوتي نشره ناشطون إسرائيليون مناهضون للاستيطان في حزيران/يونيو، وتحققت منه "وول ستريت جورنال"، إن "الهدف هو تغيير الحمض النووي للوضع هنا لسنوات طويلة"، وأضاف أن "الهدف النهائي هو تشديد السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية، مع تجنب لفت الاهتمام الدولي".

السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية

وتعتبر الصحيفة الأميركية أن التغييرات التي يجريها سموتريتش على الضفة الغربية قد تضع الأساس للسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية في كل شيء باستثناء الاسم، وهي تغييرات راسخة في جذور السياسة الحكومية لدرجة يصعب على معظم الناس فهمها.

وبناءً على طلب سموتريتش، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء مستوطنة "ناحال هيليتز" وأربع مستوطنات أخرى في حزيران/يونيو الماضي، في صفقة تبادل واضحة. كما وافق سموتريتش أيضًا على رفع التجميد عن عائدات الضرائب التي تجمعها "إسرائيل" نيابة عن السلطة الفلسطينية، التي تحكم معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي تم احتجازها بعد "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/اكتوبر الماضي.

لقد أكدت "إسرائيل" لسنوات أن سيطرتها على الضفة الغربية هي احتلال عسكري "مؤقت" يديره الجيش، وليس ضمًا دائمًا تحت سيطرة مدنية، تقول "إسرائيل" إن الوضع النهائي للمنطقة سيكون جزءًا من تسوية تفاوضية مع الفلسطينيين.

لكن سموتريتش أشرف على إنشاء هيئة مدنية تسمى "إدارة المستوطنات"، لديها سلطة واسعة النطاق على القضايا المدنية، بما في ذلك الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، والموافقة على توسيع المستوطنات وإصدار تصاريح البناء.

وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن هذه التغييرات الجديدة مهدت الطريق لتخصيص ما يقرب من ستة آلاف فدان تم الاستيلاء عليها في الضفة الغربية كأراضي دولة "إسرائيل"، وهي مقدمة لإنشاء مستوطنات مستقبلية في تلك المناطق.

ووفقًا لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية لمراقبة الاستيطان، فإنه هذا العام تم الاستيلاء على المزيد من الأراضي مقارنة بكل العقود الثلاثة الماضية، وقد تم بناء آلاف الكيلومترات من الطرق، مما أدى إلى توسيع نطاقها في عمق المنطقة.

القوة السياسية المتنامية لليهود المتطرفين

تقول الصحيفة الأميركية إنه في عهد سموتريتش، خصصت ميزانية "إسرائيل" لعام 2024 نحو 960 مليون دولار، أو 25 بالمئة من ميزانية وزارة النقل للبنية التحتية للطرق، لتحسين شبكة الطرق في الضفة الغربية، كما يوجد ما يقرب من 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية، من بين ما يقرب من عشرة ملايين مواطن إسرائيلي.

أما بالنسبة للمستوطنين الإسرائيليين، فإن كونهم تحت السيطرة المدنية مثل مواطنيهم داخل الحدود المستقرة لـ"إسرائيل"، يبسط كل شيء من الحصول على تصاريح البناء إلى توسيع الطرق، لكن بالنسبة للفلسطينيين، فإن هذا يرسخ الاحتلال الإسرائيلي، ويجعل حلم الدولة المستقبلية أقل احتمالًا.

وبحسب "وول ستريت جورنال" فإن منتقدي ومعجبي سموتريتش يتفقون على أنه "بيروقراطي فعال بشكل غير عادي، يجمع بين القوة السياسية والمعرفة العميقة بتفاصيل الحكم".

وارتفع العدد الإجمالي للبؤر الاستيطانية غير القانونية منذ أوائل عام 2023 إلى حوالي 200، بزيادة قدرها 25 بالمئة عن العام السابق، وفقًا لحجيت أوفران، التي تتابع نمو المستوطنات لصالح منظمة "السلام الآن".

وقالت المنظمة إنه في ذلك الوقت، بدأت الحكومة الإسرائيلية عملية الموافقة على 20 ألف منزل جديد في الضفة الغربية، مقارنة بثمانية آلاف في العامين من 2021 إلى 2022.

وكتب سموتريتش على منصة "إكس" مطلع تموز/يوليو الماضي بعد الإعلان عن بناء ستة آلاف منزل استيطاني جديد في المنطقة: "نحن نبني أرضنا الطيبة ونمنع إقامة دولة فلسطينية"، وتعتبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية غير قانونية من قبل الكثير من المجتمع الدولي، على الرغم من أن "إسرائيل" تنكر ذلك.

وترى "وول ستريت جورنال" أن ترقية سموتريتش الأخيرة في الحكومة أظهرت القوة السياسية المتنامية لليهود المتطرفين دينيًا في "إسرائيل"، والذين ينظر العديد منهم إلى الأرض باعتبارها "وهبها الله للشعب اليهودي"، ورغم قلة عددهم نسبيًا، فإنهم يمارسون الآن سلطة غير متناسبة من خلال تحالفهم مع نتنياهو.

وكانت جماعات حقوق الإنسان قد ذكرت أن هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية زادت منذ بدء العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وهاجم عشرات المستوطنين الملثمين قرية جيت الفلسطينية في الضفة الغربية، أول أمس الخميس، وأحرقوا سيارات ومباني وألقوا زجاجات حارقة، وفقًا لمقاطع صور وفيديوهات بثتها وسائل إعلام عديدة، كما أطلق المستوطنون النار على فلسطيني يبلغ من العمر 23 عامًا، ما أدى إلى استشهاده، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وفي الكلمة المسجلة التي وجهها للمستوطنين، قال سموتريتش إن الحكومة أبقت الرقابة على الضفة الغربية لدى وزارة الدفاع لإعطاء الانطباع بأن الجيش لا يزال مسيطرًا، وأضاف أن "هذا سيجعل الأمر سهل الاستيعاب في السياق الدولي والقانوني حتى لا يقولوا إننا نقوم بالضم".