نستعيد في يوم المرأة العالمي أصوات شاعرات من عصور ما قبل التاريخ، من أجل تسليط الضوء على تجاربهن الفريدة في التعبير عن الذات ومقاومة الاضطهاد والتمييز والعنف الذي تواجهه المرأة، ناهيك عن أن أشعارهن مثّلت تحديًا للروايات الأبوية السائدة.
ولأنّ يوم المرأة يصلح ليكون تذكيرًا بالنضال المستمر من أجل المساواة بين الجنسين وأهمية رفع أصوات النساء وتقدير خبراتهن، نضع بين أيديكم هذه القائمة مع بعض المختارات الشعرية. ومن المعروف أن هؤلاء الشاعرات ساهمن في تطوير التقاليد والحركات الأدبية المختلفة، وأثّرن على الأجيال اللاحقة، هذا غير تحديهن للشرائع الأدبية التقليدية، إذ وسّعن بالكتابة الشعرية مساحة التعبير، وخلقن تنوعًا أكبر في عالم الأدب.
1- إنخيدوانا
إنخيدوانا كاهنة وشاعرة وأميرة أكادية. تُعتبر أول مؤلف معتمد في التاريخ البشري، كونها كانت أول من وضعت اسمها على كتاباتها في زمن لم يعتد ذلك. كتبت الترانيم والقصائد تكريمًا للإلهة إنانا.
شغلت إنخيدوانا سنة 2300 قبل الميلاد منصب الكاهنة الكبرى لإله القمر إنانا، وكتبت قصائدها بالخط المسماري وعثر عليها على ألواح فخار مطمورة في أماكن مختلفة في جنوب العراق. هي أقدم من هوميروس بأحد عشر قرنًا، وأقدم من سافو بسبعة عشر قرنًا.
من قصائدها:
يا أور
تتناسل ثيران واقفة
في أجمة الماء والقصباء
الصخرة البيضاء أكشنو كال
عجل بقرة عظيمة
بكل الحب في السماء المقدسّة
بقرة وحشية
أحبولة نصبت على عُش
أور
أول آكل ثمار في كل الأرضين مرور القمر
مزار في المكان النقي
أول فناء أرض لآن
يا بيت سيون
الأميري يليق ببابك الأماميّ
الملوكي يليق بحائطكِ الخلفيّ
عيدك تسبيحة أدا
الطبول المقدسة و(أوب) المعدنيّ وال (آلا)
المغطاة بالجلود
تملأ مآدبك
ضياؤك الفياض
ربوبيتك المخلصة
أشياء نفيسة
في الكيبار، غرف الكاهنات
ذلك المزار الفخم للنظام الكونيّ المقدّس
يتابعون مرور القمر
ضوء القمر المتضائل ينشر على البلاد
ضوء النهار الجارف يملأ كّل بلاد
أيها البيت
وجهك المشع
أفعى عظيمة في هور القصب
أساسك
أيّها المزار
الأبسو الخمسون
البحار السبعة
يفحص الأعمال الباطنية
وما تخفي صدور الآلهة
أميرك
مالك الأمر
تاج السماء العريضة
هو أشمبابار
ملك السماء
يا مزار السماء
بَنى هذا البيت على موقعك المشرق
وشيّد مقعده على منبر
2- بلبالة
لا يُعرف الكثير عن بلبالة سوى أنها منشدة في فرقة إنانا في البلاط السومري، أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، أي حوالي 2100 قبل الميلاد. ومن بين قصائدها. هناك قصيدة أثّرت على نص "نشيد الإنشاد" في التوراة، بحسب المؤرخ صموئيل نوح كريمر، وهي بترجمة طه باقر:
أيها العريس الحبيب إلى قلبي
جمالك باهر حلو كالشهد
أيها الأسد الحبيب إلى قلبي
جمالك باهٍ حلو كالشهد!
لقد أسرت قلبي فدعني
أقف بحضرتك وأنا خائفة مرتعشة.
أيها العريس! سيأخذونني إلى غرفة النوم
لقد أسرت قلبي فدعني
أقف بحضرتك وأنا خائفة مرتعشة
أيها الأسد ستأخذني إلى غرفة نومك،
أيها العريس دعني أدللك
فإن تدليلي طَعِم وشهي
وفي حجرة النوم الملأى بالشهد
دعنا نستمتع بجمالك الفاتن.
أيها الأسد، دعني أدللك
فإن تدليلي أطعم وأشهى من الشهد!
أيها العريس! لقد قضيت وطر لذتك مني
فأبلغ أمي وستعطيك الأطايب
أما أبي فسيغدق عليك الهبات
وروحك، أنا أعرف كيف أبهج روحك،
وقلبك، أنا أعرف كيف أدخل السرور إلى قلبك!
أيها العريس، نَم في بيتنا حتى انبلاج الفجر،
أيها الأسد، نم في بيتنا حتى انبلاج الفجر،
وإنك لأنك شهواني
هبني بحقك شيئًا من تدليلك وملاطفتك.
يا مولاي الإله، ويا سيدي الحامي
موضعك جميل حلو كالشهد فضع يدك عليه
قرب يدك عليه كرداء الجشبان.
3- بيتوحا الفرعونية
بيتوحا شاعرة من مصر القديمة. عاشت في منطقة الدلتا أوائل الألف الثانية قبل الميلاد. وقد حفظ التاريخ قصيدتين لها، منهما هذه القصيدة التي ترجمها الكاتب إبراهيم المصري عن الفرنسية بعنوان "تمنيات عاشقة":
آه يا أخي
يا للعذوبة التي أجدها
إذ أهبط النهر معكَ
وأستحم فيه أمامك!
إني لأود أن أكشف لك عن محاسني كلها.
عندما أكون في النهر.
"لا" تستر بدني "إلا" غلالة رقيقة
يبللها الماء!
أود أن أهبط الى الماء معك
وأخرج من الماء معك
حاملة سمكة حمراء
تبدو رائعة الجمال
وهي بين أصابعي
فتعال تعال وانظر إليّ.
4- سافو
يجمع على أن الشاعرة اليونانية سافو ظهرت في الفترة بين 630 - 570 قبل الميلاد في جزيرة ليسبوس، وهي أشهر شاعرات العصور القديمة. احتفل شعرها بالحب بين النساء، واشتهرت بقصائدها القصيرة، ومنها مما يرد في كتاب "لا العسل تشتهيه نفسي ولا النحل":
خشية من فقدانك
رحت أركض مرتعشة
مثل فتاة صغيرة
خلف أمها
*
هذا الاتجاه
ذاك الاتجاه
لا أدري ماذا أفعل
أنا امرأة برأيين
*
من الغريب القول
أن أولئك الذين أحسنت معاملتهم
هم أنفسهم
يلحقون بي الآن، أكثر الأذى.
5- إيرينا
كانت إيرينا (القرن الرابع قبل الميلاد) شاعرة هلنستية، عاشت في جزيرة ديلوس في اليونان. كتبت قصيدة طويلة بعنوان "المِغزَل" (The Distaff) رثت فيها صديقة طفولتها بوسيس التي توفيت في يوم زفافها. وإيرينا نفسها توفيت شابة وهي بعد في التاسعة عشرة من عمرها.
هنا جزء من القصيدة:
أنا قبر العروس الشابة بوسيس:
إذا مررت أيها العابر قرب هذا الضريح
الذي ترويه دموع غزيرة
فقل لرب العالم السفلي:
إنك غيور يا هاديس
وإذا نظرت إلى الرموز الجميلة
الموسومة على قبري
فإنها ستعلمك بالمصير المأساوي
الذي كان من نصيب بوسيس
وكيف أن حماها
والد خطيبها
أحرق على الحطب
جثمان هذه الصبية
وهو ذات الحطب الذي كان معدًا
ليكون مشاعل زفافها
وأنت يا حفل الزفاف:
لقد بدلت أغنية العرس الجميلة
إلى صرخات حزن باكية.