16-فبراير-2018

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ملقيًا خطابه في مؤتمر ميونخ للأمن 2018 (يوتيوب)

رغم أزمة حصار متداعٍ بفشله، افتعلها جيرانها منذ حزيران/يونيو الماضي، أظهرت قطر قوة وتماسكًا في الداخل والخارج، في مواجهة الأزمة وأي تداعٍ مُحتملٍ لها.

رغم تعنت دول الحصار، استطاعت قطر الخروج من الأزمة إلى مساحات أوسع بسياستها الخارجية، والحفاظ على ثبات نمو اقتصادها داخليًا

وفي ظل تعنت دول الحصار، استطاعت قطر أن تخرج من إلى مساحات أوسع بسياستها الخارجية، عبر أداء دبلوماسي مشهود له بالانضباط أمام الأطراف السياسية المختلفة، خاصة التي تراقب عن كثب مسار الأزمة منذ بدايتها.

اقرأ/ي أيضًا: واشنطن بوست: حصار قطر يبوء بالفشل! 

وداخليًا، استطاعت قطر تجاوز آثار الحصار الاقتصادية، بالاستفادة من كونها ثاني أكبر مُصدّر للغاز المسال في العالم، فحافظ اقتصادها على مستوى نمو ثابت، واستطاعت أن تقوم بتلبية احتياجات مواطنيها الأساسية، ما زاد الثقة في قيادتها السياسية، داخليًا وخارجيًا.

وانطلاقًا من هذه الأزمة، وانطلاقًا من تعامل قطر الفعّال معها، ألقى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خطابه في مؤتمر ميونخ للأمن، في دورته الـ54.

نموذج الاتحاد الأوروبي

حضر الدورة الـ54 لمؤتمر ميونخ للأمن، زعماء ورؤساء 21 دولة، وأكثر من 80 وزير خارجية ودفاع، أعداد كبير من ممثلي منظمات المجتمع المدني ومديري الشركات العالمية.

وفي خطابه بالمؤتمر، ركّز أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على دور الاتحاد الأوروبي في قضية الأمن العالمي، وأثنى تحديدًا على ألمانيا الدولة المستضيفة، واصفًا إياها بـ"معقل الأمن والتعايش السلمي".

وتحدث الأمير عن الاتحاد الأوروبي باعتباره "دليلًا على إمكانية التعايش السلمي والرفاه الجمعي، بعد النزاعات الكبيرة والفظيعة"، مُضيفًا أنّ الاتحاد الأوروبي أثبت أنه من الممكن تحقيق الأمن والسلام بناءً على المصالح المُشتركة، وضرب بذلك مثالًا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)، فقال: "سواءً أعجبنا ذلك، أم لم يُعجبنا، فإن البريكسيت مثالٌ على حل الخلافات دون اللجوء إلى سفك الدماء والعنف". 

وفي رسالة واضحة اختتم بها هذه الجزئية من خطابه، قال أمير قطر، إن "الاتحاد الأوروبي يُمثّل إطارًا إقليميًا لحل النزاعات سلميًا"، مُؤكدًا: "نحن في منطقة الشرق الأوسط في حاجة إلى ذلك".

الحكم الرشيد في مقابل الإرهاب

انطلق الأمير تميم من النموذج الأوروبي في التعايش وحل الخلافات، إلى الحكم غير الرشيد، والحكومات التي تعمل على الإفلات من العقاب جراء جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وقد كان في ختام جزئية حديثه عن الاتحاد الأوروبي قد أشار إلى حاجة منطقة الشرق الأوسط إلى آليات كتلك الفاعلة في الاتحاد الأوروبي، ما يعطي انطباعًا بارتباط الحديث عن الحكومات المفلتة من العقاب، والشعوب الفاقدة آمالها، بالشرق الأوسط.

عرقلة آليات المحاسبة، أو بالأحرى شلّها عن العمل، يخلق حالة من الإحباط لدى الشعوب، وهو ما أشار إليه الأمير تميم حين عدد بعضًا من مآسي المنطقة، كما يحدث في فلسطين وفي سوريا وبالعراق وأفغانستان: "معاناة شعوب منطقتي قد تكون بعيدة عمن هنا في ميونخ"، يقول الأمير تميم. 

وتعرض الأمير لقضية اللاجئين، التي باتت على مدار السنوات القليلة الأخيرة، تمثل مصدر القلق الأكبر في أوروبا، وعامل الحسم في العديد من المنافسات السياسية. وفيما أنّ أزمة اللاجئين تسببت فيها بشكل كبير أزمة الإرهاب، فقد لفت الأمير تميم إلى أنّ "المعاناة والظلم، يمثلان سببًا واضحًا للإرهاب العالمي".

"إن المبادىء الدينية المتطرفة توجد في كل الثقافات ولا تحتكرها منطقتنا وحدها"، قال الأمير تميم، مضيفًا أنّ "اتهام الأيديولوجيات المتطرفة بأنها سبب الإرهاب العنيف تبسيط مبالغ فيه للأمور، ولا يمكن اعتماده وحده لتفسير الإرهاب، كما أن الفشل النمطي للحكومات في منطقتنا في تلبية الحاجات الأساسية لشعوبها يمهد الطريق أمام الإرهاب"، مشيرًا إلى الدور الذي تلعبه هذه الدول نفسها في عرقلة جهود الإصلاح الأساسية.

الأنظمة القمعية كأدوات للعنف والإرهاب في المنطقة

تناول الأمير بعض مسببات الإرهاب بشكل جوهري في المنطقة، فتحدث عن التهميش الذي تتعرض له قطاعات كبيرة من السكان في عديد من دول المنطقة العربية، وعن استخدام الأنظمة القمعية للطائفية "أداةً للسيطرة على المجتمعات متعددة الديانات"، مضيفًا: "كما أن هناك إحساسًا متناميًا لدى العديد من قطاعات الشباب في منطقتنا بأن العالم بات يتصف بالظلم والنفاق".

أكّد الأمير تميم على أنّ انعدام الحكم الرشيد، وزيادة المعاناة والظلم، هي أسباب واضحة لتفشي الإرهاب عالميًا

جاء ذلك في سياق حديثه عن موجات الإحباط التي تعيشها شعوب المنطقة العربية إزاء عالمية حقوق الإنسان التي قال إنها "تبدو خالية من الصدق، ولا يمكنها أن تكون فاعلةً بشكل حقيقي في حل المظالم، الأمر الذي بات يُشعر الشعوب بفقدانها الإيمان بحكوماتها، وبإمكانية إنفاذ إرداتها بالوسائل السلمية"، داعيًا إلى ضرورة التركيز على الأسباب التي أدت إلى تدفق سيل من الكثير من أبناء المنطقة إلى صفوف التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

اقرأ/ي أيضًا: أمير قطر: نحارب الإرهاب بلا هوادة وندعم المقاومة وحرية التعبير

وحمّل الأمير تميم القيادات التي وصلت للسلطة في المنطقة بعد الاستقلال، المسؤولية السياسية لما آلت إليه الأوضاع الآن، بعد وعودها للشعوب بتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية، لكن في واقع الأمر "وجدت الشعوب نفسها تختار بين الأمن بمعناه الطبيعي والأساسي، وبين كرامتها وحريتها وتطلعاتها للعدالة الاجتماعية".

كما أشار إلى طموح الشعوب العربية لمستقبل أفضل بعد ثورات 2011، وما قوبل به هذا الطموح من انتهاكات جسيمة، أكدت واقع الأزمة التي تعيشها شعوب المنطقة.

إنهاء الصراعات بتوفير الحقوق الأساسية

لفت الأمير تميم إلى تقرير ميونخ الأخير للأمن، الذي عزا الصراعات العشر الأكثر فتكًا في العالم، لعدة عوامل، من بينها: الافتقار للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتزايد الانقسامات الطائفية، والصراعات الإقليمية، علمًا بأنّ ثمانية من هذه الصراعات لهذا جذور في الشرق الأوسط.

وأضاف الأمير عاملين آخرين، يرى أنها أساسيين في نشوب هذه الصراعات، وهما: التهور، وعدم وجود إطار عملي لتوفير الأمن المشترك.

أزمة الخليج تهدد الأمن العالمي

من "التهور" انطلق الأمير تميم ليربط خيوط حديثه بعقدة أُخرى، عقدة أزمة حصار قطر المستمر منذ أكثر من ثمانية أشهر، بتأكيده على قدرة بلاده على تجاوز أثار الحصار المفروض عليها، مع التشديد على ضرورة تجاوز الصراعات والخلافات الإقليمية بـ"طرق سلمية".

"على الرغم من الحصار المفروض علينا برًا و بحرًا وجوًا، استطاعت قطر تأمين طرق تجارة جديدة، وعززت نموها الاقتصادي، ووحدتها الداخلية، وبدت أكثر قوة من الماضي"، يُعدد الأمير تميم أبعاد مجابهة آثار الحصار، مُضيفًا: "لقد واصلنا التجارة مع العالم الأوسع، لم نُضيّع شحنة واحدة من الغاز الطبيعي المسال"، مُؤكدًا، في إشارة مهمة، إلا أنّ حرص قطر على استمرار صادراتها من الغاز، لأنه "أمر حيوي لبقية دول العالم": "نحن ثاني أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي (الأكبر عالميًا في تصدير الغاز المسال). وصادراتنا تضمن استمرار إمدادات الطاقة العالمية". 

وتابع: "أظهر هذا الحصار الفاشل كيف يمكن للدول الصغيرة مثل قطر، أن تستخدم الدبلوماسية والتخطيط الاقتصادي في مواجهة عواصف العدوان من جيران طامعين".

تحدث الأمير عن قيم كبرى وقفت قطر إلى جوارها، وتقدرها و تثمنها دول العالم ولا يمكن أن تجتمع معًا والإرهاب، مثل قيم حرية التعبير والصحافة، واستقلالية صنع القرار التي حاولت دول الحصار النيل منها.

كما وصف الجيران "الطامعين" بأنهم "أساؤوا استخدام السلطة وحاولوا استخدام دول صغيرة وضعيفة الموارد كحجر شطرنج كي تقف لجوارها في الصراع".

و أنهى الأمير كلمته بتوجيه دعوة لشعوب المنطقة "إلى نسيان الماضي، والاتفاق على ضوابط أمن سلمية وقواعد حوكمة تضمن الحد الأدنى من التعايش السلمي من خلال إطار إقليمي"، رابطًا آخر الحديث بأوّله عندما قال في هذا الصدد: "ويمكننا في ذلك الاقتداء بالاتحاد الأوروبي".

و اختتم خطابه بدعوة جميع دول الشرق الأوسط إلى "قبول الاشتراك في اتفاقية أمنية جامعة تجعل من الاضطرابات في المنطقة شيئًا من الماضي".

دعا الأمير تميم الدول العربية إلى الاتفاق على صيغة أمنية مُشتركة "تجعل الاضطرابات في المنطقة من الماضي"

ونهاية، فمن الممكن إجمال خطاب الأمير تميم في مؤتمر ميونخ للأمن 2018، في نقاط أبرزها وضع يده على مسببات علل الإرهاب الجذرية، خاصة في المنطقة العربية المشتعلة. بالإضافة إلى تشديده على أهمية الحكم الرشيد، وكيف أن انعدامه أصل في كل بلاء.

وبدا خطاب الأمير تميم متماسكًا في بنيته، مترابطًا في موضوعاته التي يُوصل بعضها ببعض في وحدة موضوعية، رغم لغتها الدبلوماسية إلا أن الوضوح الصريح فيها كان سمة مميزة، وإن لم يخلُ الخطاب من تلميحات وإشارات هامة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار أمير قطر مع "سي بي إس".. صراحة تُجلّي مواقف الدوحة وسياساتها

كلمة أمير قطر في الأمم المتحدة.. فضح للغدر ودعم لقضايا الشعب العربي