نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تقريرًا عن المواقف الأوروبية المختلفة عن تيار السائد في الدول الغربية، من القضية الفلسطينية، مشيرةً إلى مجموعة دول تصفها بتلك التي "تتخذ المسار البديل"، في مقابل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وقد تعلب دورًا "في تغيير وجهات النظر حول الصراع".
وينطلق التقرير، من قضية قطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إذ عندما ظهرت القضية، التي استندت إلى مزاعم إسرائيلية، غير مفحوصة، سارعت بريطانيا وألمانيا إلى تجميد تمويلها، وسرعان ما تبعتها دول أخرى في القارة. لكن بدلاً من الانضمام إلى المجموعة، قررت إسبانيا والبرتغال السير في الاتجاه المعاكس، "لقد استجابوا للأمر بوعود بزيادة تمويلهم" للمنظمة الأممية.
طرحت عدة دول أوروبية، مجموعة من المواقف مختلفة عن التيار السائد، بما يخص الحرب على قطاع غزة
وأضافت "الغارديان": لسنوات عديدة، ولكن بشكل خاص في الأشهر القليلة الماضية، كانت هذه الدول جزءًا من مجموعة من البلدان في جميع أنحاء أوروبا التي سعت باستمرار إلى اتباع نهج مختلف عندما يتعلق الأمر بالصراع في المنطقة. ومن بين الدول الأخرى أيرلندا التي دعت إلى مراجعة العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وسلوفينيا التي قالت إنها تتوقع من إسرائيل أن تنفذ بسرعة الإجراءات المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية في قضية تنظر في نية الإبادة الجماعية".
وأشار التقرير، إلى أن هذه المواقف كشفت عن "السياسة المفككة للاتحاد الأوروبي"، لكن التحليلات، قالت: إنها "لعبت أيضًا دورًا حاسمًا -وإن كان محدودًا- عندما يتعلق الأمر بتغيير وجهات النظر بشأن الصراع".
من جانبها، قالت باحثة ما بعد الدكتوراة في مركز حقوق الإنسان بجامعة جنت بريجيت هيرمانز: "إنها ثقل موازن مهم ضد المشتبه بهم المعتادين -الدول المؤيدة لأمريكا- والتي تميل إلى أن تكون أكثر تأييدًا لإسرائيل".
وأوضح مدير مشروع الشرق الأوسط الأوروبي مارتن كونيشني، أن الدول الأكثر صخبًا كانت أيرلندا وبلجيكا وإسبانيا. مضيفًا: "لكن هناك دول أعضاء أخرى تقف خلفهم وتشترك في نفس المواقف"، مستشهدًا بسلوفينيا والبرتغال ومالطا ولوكسمبورغ.
وبينما "أوقفت أكثر من 12 دولةً تمويل الأونروا، رغم التحذيرات من انهيار المساعدات الإنسانية"، قالت سبع دول أوروبية على الأقل، بما في ذلك لوكسمبورغ والنرويج وسلوفينيا، إنها ستواصل تمويل الأونروا.
وشرح كونيشني موقفها، بالقول: "لم يلوح أي منهم بالأعلام الفلسطينية أو قال إنه يجب تفضيل الفلسطينيين بطريقة أو بأخرى على الإسرائيليين. أود أن أقول إنها الدول التي تمثل بالفعل، أو لا تزال تمثل، الموقف التقليدي للاتحاد الأوروبي بشأن الصراع، أي موقف دعم حل الدولتين والقانون الدولي".
ولم يفعل موقفهم حتى الآن الكثير لتغيير نهج الدول الأوروبية الأخرى مثل النمسا وألمانيا، لكن كونيني قال إنه ليس هناك شك في تأثيرهم. موضحًا ذلك، بالقول: إنه "يحدث فرقًا، بمعنى أنه إذا لم تكن هذه الدول حاضرة، فإن الموقف العام للاتحاد الأوروبي سيكون أكثر دعمًا لإسرائيل دون انتقاد".
وأشار إلى أن مجموعة الدول هذه من المحتمل أيضًا أن تحدث موجات خارج الاتحاد الأوروبي. وقال كونيني: "بالنسبة لكثير من الناس، وخاصة في الجنوب العالمي، فقد شعروا بالرعب مما يعتبرونه دعمًا أوروبيًا غير نقدي للهجوم الإسرائيلي. ووجود كتلة من الدول الأوروبية التي تعبر بوضوح عن موقف مختلف أعتقد أنه مهم للغاية في الحفاظ على بعض المصداقية لأوروبا".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى عدة مواقف، من بينها إدانة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز "القتل العشوائي للمدنيين الأبرياء" في مؤتمر صحفي مشترك مع البلجيكي ألكسندر دي كرو.
وقالت هيرمانز، إن المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده سانشيز ودي كرو عند معبر رفح الحدودي، إلى جانب الرسائل المشتركة وإعلان أيرلندا الأخير أنها تجري محادثات مع الدول "ذات التفكير المماثل" حول إمكانية الاعتراف المشترك بالدولة الفلسطينية بمجرد انتهاء الحرب، قدم لمحة عن كيف وجدت هذه البلدان القوة في الوحدة. مضيفةً: "لذلك تدعم هذه الدول أيضًا بعضها البعض وتقتطع مساحة أكبر للضغط من أجل اتخاذ إجراءات لا تدعمها بالضرورة دول الاتحاد الأوروبي الأخرى".
بدورها، قالت الباحثة البارزة في تشاتام هاوس بلندن أرميدا فان ريج، إن هذه الدول لها مزيج من الدوافع. موضحةً: "بلجيكا وأيرلندا وإسبانيا، كانوا دائمًا تاريخيًا أكثر دعمًا للقضية الفلسطينية"، مستشهدةً بأولئك الذين يقارنون بين الاضطرابات في أيرلندا الشمالية وفلسطين، فضلًا عن إرث الاستعمار البريطاني، لتفسير الموقف الأيرلندي.
واستضافت مدريد عام 1991 مؤتمرًا يهدف إلى إحياء المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وفي عام 2014 كانت بلجيكا من بين الدول الأولى في الاتحاد الأوروبي التي ناقشت الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وقال زميل السياسات البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات، إنه بينما يلعب الدعم المجتمعي دورًا، فإن الميول السياسية للحكومة التي تتولى السلطة في كل دولة تلعب دورًا أيضًا.
وأشار إلى السويد، التي كانت من بين الدول التي أوقفت تمويل الأونروا بعد المزاعم الإسرائيلية، كمثال. وقال إن البلاد "كانت موجودة في هذا النوع من المجموعات من [الدول] ذات التفكير المماثل. لقد حدث تغيير في الحكومة -أي حكومة يمينية- وتغير موقف السويد تجاه الصراع".
دول مثل إسبانيا والبرتغال وأيرلندا، تمثل الموقف التقليدي للاتحاد الأوروبي
ويضيف التقرير: "في الأسابيع الأخيرة، أشارت المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى استعداد محتمل لإعادة التفكير في نهجهما تجاه الصراع الأساسي. وتفيد التقارير أن الإدارة الأمريكية تسعى بنشاط إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بمجرد انتهاء الصراع، وهي خطوة محتملة رددتها المملكة المتحدة أيضًا".
وقال لوفات، إن هذه التحولات يمكن أن تمهد الطريق لمجموعة الدول الأوروبية للمشاركة بشكل أكبر في هذه القضية. مضيفًا: "من الجدير بالذكر أنه فيما يتعلق بمسألة الاعتراف المحددة هذه، وحتى فيما يتعلق بإعادة خلق أفق سياسي لتقرير المصير للفلسطينيين، فقد تحول الأمريكيون، وإلى حد ما المملكة المتحدة، نحو موقف هذه الدول ذات التفكير المماثل.. وأعتقد أنها توفر نافذة من الفرص لهذه الدول الأعضاء".