ظلّ رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يقدّم رِجلًا ويؤخّر أخرى بشأن قرار إقالة وزير الأمن يوآف غالانت، ولم يجد توقيتًا مناسبًا لاتخاذ قرار الإقالة سوى يوم انتخابات الرئاسة الأميركية.
لكنّ هذا التزامن قد يكون من باب المصادفة، إذ إن الخلافات بين نتنياهو وغالانت محتدمة منذ عدة أشهر على خلفية اختلاف مواقفهما حول الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، مرورًا بملف التعديلات القضائية وتبادل الأسرى، وليس انتهاءً بملف تجنيد الحريديم والحرب على لبنان.
ويبدو أنّ كأس الخلاف فاضت عن استيعاب المزيد بعد موافقة غالانت على إصدار 7 آلاف أمر تجنيد إضافي من اليهود الحريديم المستنكفين عن أداء الخدمة العسكرية، رغم استنزاف جيش الاحتلال وعجزه المستمر عن تجنيد العدد الكافي من الجنود، في وقت يخوض فيه حربًا متعددة الجبهات، لم يخرج من أيّ واحدة منها بتحقيق "النصر المطلق".
ويذهب بعض المنتقدين لقرار إقالة غالانت إلى القول بأن بنيامين نتنياهو اختار السياسة على حساب الأمن، خصوصًا أنه يخطط أيضًا، وفقًا لموقع "والّا"، لإقالة رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك، رونين بار. ولم يكتف نتنياهو بذلك، بل عيّن شخصية سياسية، وزير خارجيته يسرائيل كاتس، على رأس وزارة الأمن بدلًا من غانتس الذي يمتلك مسيرة عسكرية محضة لعل أبرز محطّاتها قيادته لقوات البحرية الخاصة "الأسطول الثالث عشر" ووزارة الأمن.
نزل مئات الإسرائيليين إلى الشوارع احتجاجًا على إقالة غالانت ما أدى إلى مواجهات مع الشرطة
وبما أنّ هذا الاختيار من نتنياهو جاء في أتون حرب يعتبرها رئيس الوزراء وجودية، فإنّ ذلك يدفع بعض المتابعين إلى القول إنّ الحرب الحالية هي حرب نتنياهو أكثر منها "حرب إسرائيل"، فهذه الحرب تجاوزت مستوى الصراع الموضوعي إلى مستوى تحقيق الأغراض السياسية الشخصية، وعلى رأسها هدف بقاء نتنياهو في السلطة وإطالة عمره السياسي لأطول فترة ممكنة.
وكانت القناة 12 الإسرائيلية قد نقلت أنّ غالانت قال لمقربين: "إن تعيين كاتس وزيرًا للدفاع مع أنه لا خبرة له بالجيش، خطر على أمن إسرائيل".
ومع ذلك، تشير إقالة غالانت والإقالات المتوقعة بعدها، إلى انزياح نتنياهو وفريقه من عقيدة "دولة الجيش أو الجيش الذي له دولة" التي أرساها بن غوريون، إلى نموذج "دولة لها جيش". لكنّ بعض النقاد يشككون في قدرة نتنياهو بائتلافه الحكومي المتطرف في إنجاز هذه النقلة. وبالتالي، يتوقعون أن تكون النقلة ارتدادية إلى نموذج "دولة لمليشيات" مع التسليح والتنظيم العسكري غير المسبوق للمستوطنين وتنامي سلطتهم.
أسباب الإقالة
أَجمَلَ غالانت، في مؤتمر صحفي، أسباب إقالته في مجموعة من النقاط والقضايا الخلافية مع نتنياهو، ويتعلق الخلاف الأول بقضية التجنيد، حيث قال: "أنا أرى أن كل من هو في سن التجنيد يجب أن يلتحق بالجيش، ولا يجوز تمرير قانون يعفي آلاف المواطنين من التجنيد"، في إشارة لإعفاء الحريديم.
والخلاف الثاني على صلة بصفقة تبادل الأسرى الذين يرى غالانت أنّ إعادتهم: "لا يمكن أن تتحقق إلا بقدر من التنازلات وبعضها مؤلم".
أما الخلاف الثالث، فيتعلق بما عبّر عنه غالانت بقوله: "استخلاص العبر من خلال تحقيق رسمي منهجي في ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر"، مضيفًا: "قرار إقالتي جاء بسبب إصراري على وجوب تشكيل هيئة تحقيق رسمية".
وحول هذه النقطة بالذات، نقلت القناة 14 عن مصدر في مكتب نتنياهو قوله إنّ غالانت وآخرون: "حاولوا ابتزاز رئيس الوزراء بالتحقيقات حتى لا يقيل غالانت لكنه لم يتردد"، فيما قال وزير الاتصالات الإسرائيلي: "إنّ غالانت لم يرتق لروح البطولة التي يظهرها الجيش ويجب إقالة المستشارة القضائية للحكومة".
وبشأن مستقبل الحرب، صارح غالانت الإسرائيليين قائلًا: "للأسف علينا أن نتعايش لسنوات طويلة مع حالة الحرب هذه"، في إشارة إلى عدم نية نتنياهو إنهاء الحرب وتمسكه بخيار الصراع للإفلات من المساءلة وإطالة عمره السياسي.
اضطرابات أمنية
قالت القناة 12 الإسرائيلية إن: "مكالمة الإقالة بين نتنياهو وغالانت استغرقت 3 دقائق" فقط. وبمجرّد إعلان القرار، سارع مئات المحتجين إلى النزول إلى الشوارع في تل أبيب والقدس المحتلة، حيث قام بعضهم بإغلاق محور أيالون في تل أبيب الكبرى، وأدى ذلك إلى اندلاع مواجهات بين محتجين والشرطة في شارع أيالون بتل أبيب.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين قولهم إن: "إقالة غالانت في هذا التوقيت قرار غير مسؤول بينما نترقب هجومًا من إيران". كما نقلت الهيئة ذاتها عن مسؤول كبير قوله: "إنّ الثقة هامة لكن إقالة وزير دفاع في هذا التوقيت أمر غير مناسب على الإطلاق". فيما اعتبرت هيئة عائلات الأسرى أنّ: "إقالة غالانت استمرار لجهود نتنياهو لإحباط مساعي إعادة المخطوفين".
ما يهم نتنياهو هو مستقبله السياسي بغض النظر عن الأوضاع الأمنية
ردود الفعل السياسية والخارجية
اعتبر زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، أنّ: "حكومة اليمين تفضل المتهربين من الخدمة العسكرية على الجنود الذين يخدمون"، مضيفًا أنّ: "إقالة غالانت في خضم الحرب عمل جنوني ونتنياهو يبيع أمن إسرائيل وجنود الجيش من أجل بقائه السياسي"، فيما قال بيني غانتس إن: "إقالة غالانت سياسة على حساب أمن الدولة".
أمّا أفيغدور ليبرمان زعيم "حزب إسرائيل بيتنا"، فعلق على الإقالة قائلًا: "إذا كان جائزًا استبدال وزير الدفاع في خضم الحرب فمن الممكن أيضًا استبدال رئيس الوزراء".
أميركيًا، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول في البيت الأبيض قوله: "فوجئنا كثيرًا من قرار نتنياهو بإقالة غالانت"، ويرى محللون إسرائيليون أنّ: "نتنياهو تعمد إقالة غالانت يوم الانتخابات لمنع إدارة بايدن من الاحتجاج".