18-أغسطس-2024
دونالد ترامب

(AP) تخوف كبير في إفريقيا من عودة ترامب

لا يتوقف القلق من عودة ترامب على أوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط وحسب، بل يتجاوز القلق تلك النطاقات الجيوسياسية إلى إفريقيا، فما هو غير معروفٍ للكثيرين أنّ القارة السمراء كانت في صدارة المتضررين من سياسات ترامب وتوجهاته في الفترة التي حكم فيها الولايات المتحدة الأميركية، وبالإضافة للازدراء المشوب بالعنصرية، أهمل ترامب إفريقيا بشكلٍ غير مسبوق، ما فتح الباب أمام الصين وروسيا وحتى تركيا لتعزز من حضورها في القارة السمراء.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية المزمع تنظيمها في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، والتي رسى التنافس فيها على دونالد ترامب من الحزب الجمهوري وكامالا هاريس عن الحزب الديمقراطي، يتزايد القلق في البلدان الإفريقية من إمكانية عودة الترامبية وما يمكن أن تؤدي إليه من انهياراتٍ جديدة حقوقيا وديمقراطيًا بل وحتى اقتصاديًا في بلدان القارة.

ازدراء وإهمال

لم يجد روناك غوبالداس، مدير مؤسسة "سيغنال ريسك" المتخصصة في إدارة المخاطر بالقارة الأفريقية، وصفًا أبلغ من كلمتي الازدراء والإهمال لوصف النهج الذي اتبعه ترامب تجاه القارة السمراء. فطيلة عهدته الأولى (2016 ـ 2020) لم يكلف الرئيس الأميركي السابق نفسه عناء زيارة أي بلدٍ إفريقي، ولم يستقبل في واشنطن سوى 3 رؤساء أفارقة.

لم يكلف ترامب نفسه عناء زيارة أي بلد إفريقي طيلة عهدته الرئاسية الأولى (2016 ـ 2020) 

وحول ازدراء ترامب المشوب بعنصريةٍ لإفريقيا، يشير المتابعون إلى تصريحه الشهير حول القارة عندما قال: "لماذا عليّ الموافقة على مجيء لاجئين من دول قذرة؟ علينا قبول مزيد من اللاجئين من دول مثل النرويج"، وليست تلك هي أول مرة يتحدث فيها ترامب بألفاظ عنصرية ومسيئة عن المهاجرين من بلدان إفريقيا.

على المستوى التجاري، سجّلت التبادلات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا خلال رئاسة ترامب انخفاضًا بما يناهز  41 مليار دولار عام 2018، بعد أن كانت قبل عقدٍ من ذلك التاريخ 100 مليار دولار.

ونظرًا لهذا الإهمال الأميركي لإفريقيا تضررت أيضًا الاستثمارات الأميركية الخصوصية، إذ انخفضت هي الأخرى بين 2017 و2019 إلى 43.2 مليار دولار بعد أن كانت قبل مجيء ترامب تقدّر ب 50.4 مليار دولار.

وقد سُجّلت هذه الانهيارات، على الرغم من تبني إدارة ترامب ـ في بداية عهدته ـ لاستراتيجيةٍ جديدة تجاه إفريقيا، سمّيت لاحقًا 2019 "مبادرة ازدهار إفريقيا، وتولى الإعلان عنها حينها مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك جون بولتون، وقد قامت هذه الإستراتيجية على 3 مرتكزات تداخلت "فيها العوامل الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية"، وكان الهدف منها "الحد من النفوذ الصيني" في القارة، عبر زيادة التجارة والاستثمار المتبادل.

إلّا أنّ المشكلة الكبيرة في تلك الاستراتيجية، حسب أحد كبار مستشاري الرئيس الأسبق باراك أوباما للشؤون الإفريقية، هي "أنها صورت القارة كبيدق في لعبة عظيمة، وأن الأفارقة ليس لديهم القدرة على التصرف، وأنه لولا الصراعات الجيوسياسية فإنه ليس ثمة قيمة جوهرية للعلاقات مع دولهم".

وقوبل هذا التصور باستياءٍ عبّر عنه الرئيس الكيني السابق، أوهورو كينياتا، بقوله: "إن القوى المتصارعة على القارة تتصرف كما لو أن إفريقيا في متناول اليد، وأريد أن أخبرك أنها ليست كذلك".

وعلى الرغم من عدم تضمّن برنامج ترامب الرئاسي أيّ شيء فيما يخص العلاقة بإفريقيا، إلا أن "مشروع 2025" الذي أصدرت مؤسسة التراث اليمينية المحافظة كدليل عملٍ للرئيس الجمهوري القادم، قدّم توصيات تتعلق بإفريقيا، وتتحدث تلك التوصيات عن "تغييرات جذرية تجاه إفريقيا في مجالات متنوعة تمتد من تحديد الأعداء والحلفاء وكيفية التعاطي معهم إلى ما يتعلق بـالحروب الثقافية".

وعلى الرغم من أنّ ترامب نأى بنفسه عن هذه الوثيقة، إلّا أنّ الاعتبارات المحددة للعلاقة بإفريقيا فيها تطغى عليها ذات "الرؤية الأمنية" التي حكمت عمل إدارة ترامب تجاه القارة السمراء من 2016 إلى 2020.

ومن بين الأمور التي تقلق القادة الأفارقة من صعود ترامب، هو شعار حملته "أميركا أولًا"، بما يتضمنه "من زيادة الضرائب على الواردات، ورفع أسعار الفائدة من طرف بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي وزيادة تكاليف خدمة الدين".

فضلًا عن المخاوف من تقلص المساعدات الأميركية لبلدان القارة في عديد البرامج والمشاريع، لا سيما منها تلك المتعلقة بالقطاع الصحي، وعواقب ذلك كله على كارثة تغير المناخ.

وهذا يقود للحديث عن ملف حقوق الانسان في القارة والتأثيرات المحتملة فيه حال عودة ترامب، مع الإشارة إلى ما سبق لهيومن رايتس ووتش أن قررته عام 2021 من أن فترة رئاسة ترامب كانت "كارثةً لحقوق الإنسان"، فهو مستعدٌّ كالعادة لضرب حقوق الانسان والديمقراطية عرض الحائط في علاقته ببعض الحكومات في القارة السمراء، حيث يبدي استعداده "لدعم بعض الحكومات مع تجاهل ممارساتها القمعية ما دامت متفقةً مع المصالح الإستراتيجية" للإدارة الأميركية.

يذكر أنّ "استراتيجية إفريقيا" التي أعلنتها إدارة ترامب عام 2018 لم تتم فيها الإشارة إلى حقوق الإنسان إلّا مرةً واحدة، قياسًا بالإشارة إليها 16 مرةً في نظيرتها التي أصدرتها إدارة باراك أوباما.

وسيعزز تراجع النفوذ الغربي مؤخرًا في القارة السمراء، من تساهل ترامب مع انتهاكات حقوق الانسان، لا سيما أنه يضع عينيه على التنافس مع الصين.