صلف وعنهجية أو وصف لسياسات الولايات المتحدة تجاه ملف الهجرة والمهاجرين خلال الفترة المقبلة؟ فمنذ أيام أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحًا عنصريًا يخص دولًا أفريقية، بأن وصفها بأنها "أوكار قذرة". التصريح، وفقًا لواشنطن بوست، جاء في سياق اجتماع أجراه ترامب مع بعض المشرعين لمناقشات حول ملف الهجرة.
قبل أيام، أطلق دونالد ترامب تصريحًا عنصريًا ضد بعض الدول الأفريقية بأن وصفها بـ"أوكار قذرة"
وتباينت ردود الأفعال حول تصريح ترامب، فعلى سبيل المثال، دافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، راج شاه، عن تصريحات ترامب بقوله: "إن بعض السياسيين في واشنطن يختارون الكفاح من أجل دول أجنبية، لكن الرئيس ترامب سيحارب من أجل الشعب الأمريكي"، مُضيفًا: "الرئيس يكافح من أجل إيجاد حلول دائمة تجعل بلادنا أقوى من خلال الترحيب بمكن يمكن أن يُسهموا في ريادة مجتمعنا، وفي نمو اقتصاد أمتنا".
اقرأ/ي أيضًا: أمريكا ترامب.. دفاعٌ عن الأقليات في العالم وانتهاكات ضدهم في الداخل!
على الجانب الآخر كان هناك استنكار لهذه التصريحات من الداخل الأمريكي، ومن الجانبين الديمقراطي والجمهوري على السواء، منهم من أصول أفريقية، أو من ذوي البشرة السمراء، كالنائبة عن ولاية يوته، والتي وصفت تصريح ترامب بـ"المتعالية والمثيرة للانقسام".
والحقيقة أن تصريحات ترامب ضد الدول الأفريقية (علمًا بأن تصريحاته شملت أيضًا جزيرة هايتي في البحر الكريبي)، فتحت الأبواب للذاكرة الشعبية والسياسية المناهضة لسياسيات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، على جراح الماضي، ودفعت للتفتيش في هذا الماضي، خاصةً وأن ترامب عضّد خطابه العنصري بقوله: "نريد مهاجرين من بلاد مثل النرويج، يسهمون في نهضة بلادنا"، وهو ما اعتبره البعض أن ترامب ببساطة ضد المهاجرين السود.
وبالإمكان قراءة سجل الولايات المتحدة في الدول الأفريقية، بالنظر إلى ما اعتادت عليه الإدارات الأمريكية من التورط في جرائم حربٍ بالقارة السمراء، أو دعم ديكتاتوريات، وغير ذلك من الانتهاكات والجرائم التي ساهمت على مدى عقود، في أن تجعل من حياة المواطنين الأفارقة جحيمًا متواصلًا، يُفضلون معه الهجرة إلى الشمال.
مصنع الشفاء في السودان.. قصف بلا أدلة
عام 1998 وتحديدًا في آب/أغسطس، تعرض مصنع الشفاء السودان للقصف بطائرات أمريكية، ردًا على الاعتداءات التي تعرضت لها السفارات الأمريكية في تنزانيا وكينيا. ووقتها بررت إدارة بيل كلينتون قصفها للمصنع، بزعمها أنه يحتوي موادًا تستخدم في تصنيع غاز الأعصاب السام. وادعت الإدارة الأمريكية أن وحدة مخابرات أمريكية، وجدت آثارًا للمواد المذكورة في تربة بالقربة من المصنع.
تلك الجريمة التي تحدثت عنها تقارير إخبارية، تسببت في نتائج كارثية على المجتمع السوداني، وخاصة على المجتمعات الريفية التي كانت تعتمد على المصنع كمصدرها الوحيد لإنتاج الأدوية المضادة لأوبئة خطيرة كالملاريا وغيرها. وقتها أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية بأن القصف كان له أثره على "وقف جهود الإغاثة الرامية إلى توفير الغذاء لمناطق السودان التي تعاني من المجاعة الناجمة عن الحرب الأهلية المستمرة في بعض مناطق البلاد".
جدير بالذكر أنه في نهاية المطاف أقرت إدارة كلينتون، أن الدليل الوحيد الذي استخدم لتبرير القصف، وهو دليل منقوص، يتمثل في عينة واحد من التربة المحيطة بالمصنع، تشير إلى وجود مادة كيميائية بعينها، تستخدم في صناعة غاز الأعصاب السام، لكن هذه المادة غير محظورة في اتفاقية الأسلحة الكيميائية، كونها تدخل في صناعات أخرى مثل البلاسيتك، بل تستخدم أيضًا في إنتاج بعض المضادات الحيوية لبعض الأمراض.
تورطت أمريكا في جرائم وانتهاكات بالقارة الأفريقية، بشكل مباشر أو غير مباشر كدعم ديكتاتوريين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية
وعليه، ووفقًا لتقارير الخبراء، فإن وجود مثل هذه المادة خارج المصنع، أي في تربة خارجية، قد يعني أنه تم نقل هذه المادة بالقرب من المصنع أو حتى تخزينها بجواره، ولكنها لا تعني بالضرورة أنها صُنعت فيه، فضلًا عن أن وجودها أصلًا في أو بالقرب من مصنع للأدوية، هو أمر طبيعي.
بينوشيه أفريقيا في الحكم بمساعدة المخابرات الأمريكية
لعل أوجه الشبه بين حسين حبري رئيس تشاد من 1982 إلى 1990، وبين أوغستو بينوشيه الديكتاتور التشيلي الشهير، أن الاثنين كانا وزيري دفاع قبل اعتلائهم كرسي الحكم. إلا أن حبري وصل للحكم بالقوة لا بالحيلة، فقد خاض الرجل معركة ضد الحكومة التشادية واستطاع في النهاية الوصول للحكم مدعومًا من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
اقرأ/ي أيضًا: إرث أمريكا "البيضاء".. ترامب المخلص لرسالة البلطجة الإمبريالية
بعد صعوده إلى السلطة، أنشأ حبري قوة شرطة سرية تعرف باسم مديرية التوثيق والأمن، حيث تم تعذيب خصومه وإعدامهم. وصف حبري بالسادية، لتفرد أساليب التعذيب التي استخدمها ضد خصومه، منها مثلًا فتح فم المعتقل وإدخال أنبوب عادم سيارة جارية فيه. بالإضافة إلى إحراق أجساد معارضيه أحياءً، وتورطه في جرائم تطهير عرقي بحق جماعات معارضة له من قبائل أُخرى.
دعمت الولايات المتحدة حبري، وزاد دعمها له بعد حربه مع معمر القذافي. وفي عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، أعطت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا له لتوطيد حكمه، وظلت الولايات المتحدة واحدة من أقوى حلفاء حبري طوال فترة حكمه.
رصدت هيومن رايتس ووتش مقتل ما لا يقل عن 1200 من معارضيه فترة توليه الحكم، وتعذيب 12 ألفًا آخرين، فيما تقول لجنة حقوقية محلية، إلى عدد الذين قتلوا من المعارضين في عهده يصل إلى 40 الفًا، والذين تعرضوا للتعذيب 200 ألف. سُمّي ببينوشيه أفريقيا، وفي 2016 أدين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. حسين حبري الذي لم تتوانى الولايات المتحدة عن دعمه في حكمه.
ريغان يدعم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
طوال فترة رئاسة ريغان، كان واحدًا من أشد الداعمين لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كما وصم جماعة المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة نيلسون مانديلا، بـ"الإرهاب". وعلى أية حال كان مانديلا في السجن طوال فترة حكم ريغان.
وعلى الرغم من أنها كانت تقول علنًا إنها لا تتفق مع نظام الفصل العنصري في أفريقيا، إلا أنها على أرض الواقع كانت تدعمه، ففي عام 1981، قال ريغان في تصريحات صحفية، إنه كان مخلصًا لنظام جنوب أفريقيا لأنه "بلد وقف معنا في كل حرب قاتلناها، وهي دولة إستراتيجية وضرورية في إنتاج المعادن".
دعمت الولايات المتحدة في عهد رونالد ريغان، نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ووصمت مقاوميه بـ"الإرهاب"
في الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت جماعات حقوقية على الكونغرس لاتخاذ إجراءات ضد نظام الفصل العنصري الذي دعمه ريغان. في نهاية المطاف رضخ الكونغرس، وأصدر عقوبات ضد النظام الحاكم في جنوب أفريقيا، اعترض عليها ريغان، لكن الكونغرس أصر على تمريرها بحق الفيتو.
اقرأ/ي أيضًا:
أين اختفت حركات مناهضة الحرب في الولايات المتحدة؟
"أمريكا أولًا".. هل يعيد التاريخ نفسه من الأربعينات إلى دونالد ترامب؟