24-يوليو-2024
قاعدة بيتوفيك الفضائية الأميركية في غرينلاند

(ALAMY) قاعدة بيتوفيك الفضائية الأميركية في غرينلاند

تتجه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها إلى زيادة عسكرة القطب الشمالي، وذلك برفع مستوى المراقبة في المنطقة القطبية وتكثيف التدريبات العسكرية فيها بالتعاون مع دول الشمال والغرب الأوروبي.

وتحاول واشنطن من خلال الإعلان عن استراتيجيتها الجديدة في القطب الشمالي تطويق ما تصفه بـ"التعاون الصيني الروسي" المتزايد في المنطقة القطبية، التي تكتسب أهمية متزايدة على الصعيدين الاقتصادي (الموارد والطاقة) والاستراتيجي (مسارات بحرية جديدة بسبب ذوبان الجليد).

وحذّر البنتاغون، أمس الإثنين، من تعزيز التعاون بين موسكو وبكين في القطب الشمالي. ويأتي هذا التحذير الأميركي في وقت بدأت فيه حدة التنافس في الارتفاع على الطرق البحرية والموارد على خلفية تغيّر المناخ.

وكانت نائبة وزير الدفاع الأميركي، كاثلين هيكس، قالت خلال مؤتمرٍ صحفي أنّ البنتاغون لاحظ: "تعاونًا متزايدًا بين الصين وروسيا في القطب الشمالي على الصعيد التجاري، حيث تعد الصين أحد الممولين الرئيسيين لاستخراج الطاقة الروسية في القطب الشمالي".

عززت روسيا خلال السنوات الأخيرة وجودها العسكري في القطب الشمالي من خلال إعادة فتح وتحديث العديد من القواعد والمطارات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية 

وأضافت هيكس أثناء عرض استراتيجية البنتاغون في القطب الشمالي للعام 2024، أن التعاون العسكري يتزايد أيضًا حيث: "تُجري روسيا والصين مناورات مشتركة قبالة سواحل ألاسكا"، وتابعت: "ازدادت كل هذه التحديات لأن آثار تغير المناخ تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بسرعة وترقق الغطاء الجليدي، ما يسمح لكل هذا النشاط".

وتعتبر الولايات المتحدة أن المنطقة القطبية الشمالية استراتيجية، لعدة أسباب، بينها وجود: "بنى تحتية دفاعية أميركية مهمة".

وشهدت السنوات الأخيرة تعزيز روسيا وجودها العسكري في القطب الشمالي من خلال إعادة فتح وتحديث العديد من القواعد والمطارات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، في حين ضخت الصين أموالًا في الاستكشاف والأبحاث القطبية، وفق "رويترز".

وردًّا على سؤال حول تصريحات البنتاغون، دافعت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ عن سياسة بكين في القطب الشمالي، أمس الثلاثاء، مؤكدةً أنها تقوم على: "الاحترام والتعاون والمنفعة المتبادلة والاستدامة".

وأضافت أن بكين: "ملتزمةٌ بالحفاظ على السلام والاستقرار في القطب الشمالي"، لكن واشنطن، حسب المسؤولة الصينية: "تشوّه سياسة الصين في القطب الشمالي وتصدر تعليقات غير مسؤولة حول الأنشطة الطبيعية للصين في القطب الشمالي والتي تتوافق مع القانون الدولي" وفق تعبيرها.

أما المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، فقال هو الآخر تعليقًا على إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة في القطب الشمالي لعام 2024 إن روسيا: "تتبنّى موقفًا مسؤولًا في القطب الشمالي لمنع أن تصبح هذه المنطقة الاستراتيجية لموسكو منطقة خلاف وتوترات"، معتبرًا أنّ: "التعاون الروسي الصيني في القطب الشمالي لا يمكن إلا أن يسهم في خلق جو من الاستقرار والقدرة على التنبؤ”.

ويُحفّز الذوبان السريع للجليد في القطب الشمالي النشاط الاقتصادي في المنطقة، حيث تسعى عدة دول لاكتشاف آبار جديدة من النفط والغاز ومناجم معادن، بالإضافة إلى طرق شحن جديدة.

وبحسب تقديرات البنتاغون، قد يشهد القطب الشمالي أول صيف خالٍ من الجليد تقريبًا بحلول العام 2030، وهذا سيزيد من جدوى طرق النقل البحري في القطب الشمالي والوصول إلى موارد تحت الماء.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، بدأت روسيا منذ سنوات العمل على تطوير طريق بحري في القطب الشمالي يسمى طريق بحر الشمال ـ الممتد بين شمال روسيا والنرويج وصولًا إلى مضيق بيرينغ بين روسيا وأميركا ـ كمسارٍ تجاري جديد يربط بين أوروبا وآسيا لإيصال المواد الهيدروكربونية بشكل خاص. وتهدف موسكو إلى نقل حوالي 190 مليون طن من البضائع في العام 2030 عبر هذا الطريق.

ويزيد هذا المسار البحري من قلق واشنطن، فهو يختصر المسافة بين الصين وشمال أوروبا. كما أنها ترغب بجعله طريقًا دوليًا لكسر احتكار موسكو وبكين له، بينما يصر الكرملين على اعتباره: "طريقًا بحريًا وطنيًا".

الشراكة والتعاون مع دول الغرب الشمالي

تُمثّل قاعدة بيتوفيك الفضائية الأميركية، مرتكزًا أساسيًا في الاستثمار العسكري والتقني الأميركي للتصدي للصواريخ الروسية التي من الممكن أن تصل الأراضي الأميركية شمالًا. وبحسب تقييمٍ صادر عن البنتاغون، تعاني قاعدة بيتوفيك من ثغرات على مستوى المراقبة الجوية. ومن هذه النقطة بدأت واشنطن مسار التعاون مع دول الغرب الشمالي، حيث يعتقد البنتاغون أن الدنمارك تلعب دورًا حيويًا في سد الثغرات في قاعدة بيتوفيك، خاصةً مع تزايد الخشية من أن الصواريخ النووية الروسية يمكنها ببساطة عبور الفضاء الغرينلاندي دون مشاكل.

ولا يقتصر الأمر على الدنمارك بل يشمل باقي دول الشمال: فنلندا والسويد وأيسلندا والنرويج، فهذه الدولة مجتمعةً تحتل دورًا محوريًا في الاستراتيجية الأميركية الجديدة للقطب الشمالي، وذلك بحكم تبعية جزيرة غرينلاند وبعض أجزاء القطب الشمالي لسيادتها.

يسود اعتقاد لدى واشنطن ومجموعة دول الشمال بأن روسيا، بدعم من الصين، تشكل تهديدًا كبيرًا في المنطقة القطبية الشمالية

لكن الدنمارك، بشكل خاصٍ، تقع في قلب معادلة الحرب الباردة الجديدة في القطب الشمالي، كونها أصبحت، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، تحتل مكانةً استراتيجيةً في التحشيد الغربي لدعم كييف ومواجهة روسيا في منطقة البلطيق، حيث تقع جزيرة بورنهولم المقابلة لجيب كالينينغراد الروسي على البلطيق بين ليتوانيا وبولندا، ومنطقة القطب الشمالي حيث تقع الجزيرة الجليدية الضخمة غرينلاند التي تتبع سيادتها في مسائل الدفاع والسياسة الخارجية لكوبنهاغن.

وهذا ما يفسر تزايد مستوى توتر علاقاتها مع موسكو، ونداء قادتها إلى رفع مستوى الجهوزية العسكرية وتنبيه المواطنين لضرورة التعايش مع احتمالية أن تصير الدنمارك جزءًا من صراع ساخن. ففي هذا البلد الإسكندنافي الصغير نسبيًا: "طُلب من السكان التزود بمواد غذائية ومياه وأساسيات البقاء على قيد الحياة دون تدخل السلطات لمدة ثلاثة أيام على الأقل، كما تسارعت فيه عمليات تأهيل وتوسيع الملاجئ في طول وعرض البلد، وهو أمر يطبق أيضًا في السويد وفنلندا".

وقالت كبيرة باحثي "معهد هدسون" في واشنطن، ليزلوت أودغار، للتلفزيون الدنماركي "دي آر"، أمس الثلاثاء، إن الحاجة الأميركية لدول الشمال الإسكندنافية تعبير عن عدم مقدرة الولايات المتحدة على تطبيق الاستراتيجية بمفردها: "بل هي تحتاج إلى تعاون جميع حلفاء شمال الأطلسي للتعامل مع التحديات والتهديدات في القطب الشمالي".

ويسود اعتقاد، حسب الباحثة، لدى واشنطن ومجموعة دول الشمال بأن: "روسيا، بدعم من الصين، تشكل تهديدًا كبيرًا في المنطقة القطبية الشمالية وبالتالي هم يتفقون على اعتبار الاستثمار في الردع وتعزيز القدرات العسكرية أمرين حيويين في الاستراتيجية الجديدة. وتشعر واشنطن بالقلق من تكثيف الحليفين الروسي والصيني، خلال الأشهر الأخيرة، تدريباتهم البحرية قرب ألاسكا، ما يمثّل تحديًا كبيرًا تحتاج فيه واشنطن إلى الحلفاء الأوروبيين".