04-يونيو-2024
تصعيد على جبهة جنوب لبنان

(Getty) شهد يوم أمس دورة جديدة من التصعيد الكبير على جبهة جنوب لبنان

يتواصل التصعيد على جبهة جنوب لبنان، إذ شهدت الأيام الماضية ارتفاعًا في وتيرة الاستهدافات والعمليات، وكانت ذروتها يوم أمس، في حرائق واسعة شملت عدة مناطق في الجليل كان أبرزها مستوطنة كريات شمونة، بالإضافة للجولان السوري المحتل، بعد سلسلة من عمليات القصف الصاروخي نفذها حزب الله اللبناني.

وفي منطقة الجليل والجولان وحدها، كان هناك 15 بؤرة حريق، معظمها بسبب إطلاق الصواريخ في يوم حار، إذ احتاجت فرق الإطفاء الإسرائيلية إلى ساعات طويلة من أجل السيطرة على الحرائق، وإغلاق عدة طرق في المكان.

وبالتزامن مع استمرار عمليات حزب الله اللبناني، وقصف الاحتلال الإسرائيلي على جنوب لبنان، فإن مجموعة من المستوطنين تنشط في حركة احتجاجية تدعو إلى إنشاء "دولة الجليل"، وتقول: "ثمانية أشهر من الذل والعار والتخلي التام وانعدام السيادة. لقد حان الوقت للوقوف والتوقف عن طلب الصدقات. حان الوقت لدعوة الحكومة إلى الاستيقاظ". وأقام أعضاء الحركة ما يشبه مخيم اللاجئين وأعلنوا: "لقد انفصلت حكومة إسرائيل عن الجليل، وحان الوقت لإقامة دولة الجليل والانفصال عن الحكومة".

تكشف البيانات عن تصاعد في العمليات من جنوب لبنان تجاه المواقع والمعسكرات الإسرائيلية على الحدود الشمالية

وفي السياق، قال مصدر نيابي في حزب الله لصحيفة وموقع "العربي الجديد": "كلّ التهديدات الإسرائيلية أو التنبيهات الغربية لا تعنينا، واعتدنا عليها منذ بدء الحرب، نحن جاهزون لكلّ السيناريوهات، وفي أيّ توقيتٍ، رغم أنّنا نعتبر أنّ هذا الكلام يأتي من باب التهويل والضغط على المقاومة، ومحاولة فرض الشروط الإسرائيلية على لبنان".

وبعد الحديث عن وصول "تهديد إسرائيلي للبنان" باقتراب الحرب، أشار المصدر: "لا نستبعد شيئًا من العدو، المأزوم اليوم، والذي فشل في تحقيق أي إنجاز عسكري، لكنه في حال ارتكب أي حماقة سيلقى الردّ المناسب، وهو يعلم أنّ الحرب لن تكون نزهة، خصوصًا بعدما أظهرت المقاومة في الأيام الماضية بعضًا من أسلحتها وقدراتها وعملياتها النوعية، والتي تبقى جزءًا بسيطًا مما لم تكشف عنه بعد".

تحريض ودعوة للتدمير

وحصل القصف من جنوب لبنان والحرائق في الشمال على حصة من النقاش السياسي إلى جانب ملف صفقة التبادل. وكتب رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: "احترق الشمال بأكمله وذهب وزير الأمن القومي، المسؤول عن خدمات الإطفاء، إلى استوديو القناة 14 ومن هناك إلى الحفلة الموسيقية. لم تكن هناك حكومة أكثر فسادًا في تاريخ البلاد. إنهم لا يهتمون. لا في الشمال ولا في الجنوب ولا في المختطفين".

من جانبه، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت على منصة "إكس": "هذا كان حدثًا استراتيجيًا خطيرًا. البلد لا يُدار. إسرائيل يتيمة القيادة. هناك أيام صعبة، لكن الشعور بوجود وطن، حتى في الأيام الصعبة، ليس ترفًا. إنه ضرورة وجودية. يجب علينا إنقاذ الشمال. النيران تشتعل وتنتشر في الجليل. حزب الله يطلق رشقات نارية كثيفة على كاتسرين والمطلة وكريات شمونة وجميع المستوطنات الحدودية. هذا حدث استراتيجي خطير. ويجب عدم تطبيعه بأي شكل من الأشكال. الرسالة التي تأتي من خراب الشمال تشكل خطرًا على مستقبلنا. في الشمال وفي الوسط، وبالتأكيد في الجنوب، على الحكومة الإسرائيلية والمسؤولين عن أمنها أن يعيدوا حساباتهم وأن يقلبوا دفة الأمور. يجب على رئيس الوزراء أن يبدأ بالإدارة، والآن".

بدوره، قال وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريش: "قبل ساعات قليلة فقط، تم تحذيري من أن الوضع في الشمال يتدهور. المنطقة الأمنية يجب أن تنتقل من إسرائيل إلى جنوب لبنان. إن المفهوم الجديد الذي تقوده حكومة الحرب يشتعل منذ ساعات طويلة وينفجر في وجوهنا. قبل عام كان هناك وزير الأمن وقال إننا سنعيد لبنان إلى العصر الحجري. سيدي رئيس الوزراء، السيد وزير الأمن، السيد رئيس الأركان، لقد حان الوقت، هناك دعم كامل من شعب إسرائيل بأكمله"، بحسب تعبيره.

وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير: "ما يحدث الآن في الشمال هو إفلاس. إدارة غير شرعية لمجلس الوزراء".

ارتفاع نوعي

وبحسب معطيات معهد ألما الإسرائيلي، فإن "شهر أيار/مايو 2024 هو الشهر الذي شهد أعلى كثافة لعمليات حزب الله منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. وطوال شهر أيار/مايو، نفذ حزب الله 325 عملية. وبلغ المعدل اليومي للعمليات 10 في اليوم، بينما نفذ حزب الله في نيسان/أبريل 238 عملية بمتوسط ​​7.8 عملية يوميًا".

ويكشف التحليل الإسرائيلي عن تحول في نوعية الأسلحة التي يستخدمها حزب الله، إذ شهد الشهر الماضي زيادة كبيرة في استخدام الصواريخ المضادة والطائرات المُسيّرة، ضعفين مقارنة في نيسان/أبريل 2024.

ففي أيار/مايو 2024، وقع 95 عملية إطلاق نار مضاد للدبابات، مقارنة بشهر نيسان/أبريل 2024 عندما وقع 50 عملية. وعلى صعيد المُسيّرات، وقعت 85 عملية دخول مُسيّرات في أيار/مايو 2024، ارتفاعًا من 42 عملية في نيسان/أبريل 2024.

وفي مايو/أيار 2024، أظهر تشغيل حزب الله لمجموعة الطائرات المُسيّرة اتجاهًا تصاعديًا واضحًا. وارتفع عدد عمليات الطائرات المُسيّرة التي تستهدف إسرائيل بأكثر من اثني عشر ضعفًا خلال الأشهر الأربعة الماضية.

وعلى صعيد إطلاق الصواريخ، شهد عدد العمليات ارتفاعًا طفيفًا، إذ نفذت 139 عملية إطلاق صاروخي في أيار/مايو، مقارنة بـ 128 عملية في نيسان/أبريل 2024.

منذ بداية الاشتباكات على الجبهة الشمالية، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى 31 أيار/مايو 2024، نفذ حزب الله 1964 عملية على الحدود الشمالية. 

وبحسب معطيات جهاز الشاباك الإسرائيلي، شهد شهر أيار/مايو ارتفاعًا حادًا في عدد عمليات إطلاق القذائف والصواريخ نحو مواقع إسرائيلية سواء من لبنان أو من قطاع غزة. وفي الشهر الماضي تعرضت إسرائيل للاستهداف بنحو 1000 صاروخ وقذيفة أطلقت من لبنان وسوريا، في حصيلة هي الأعلى منذ اندلاع هذه المواجهات الحدودية المتواصلة منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛ علمًا بأن شهر نيسان/أبريل الماضي شهد إطلاق نحو 744 صاروخًا، و746 في آذار/مارس، و534 في شباط/فبراير، و334 في كانون الثاني/يناير.

فقدان السيطرة

من جانبه، قال معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، إن "عدم إحراز تقدم في الجنوب (أي غزة) يجعل الوضع في الشمال أسوأ. تفترض الولايات المتحدة أن وقف إطلاق النار في غزة سيكون بمثابة مدخل لمحادثات مكثفة من شأنها أن تؤدي إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. لكن القتال يحتدم في هذه الأثناء".

وأضاف هارئيل: "يتضمن الصراع مع حزب الله، كما يشعر به الإسرائيليون العاديون، أضرارًا واسعة النطاق ومنهجية للقواعد العسكرية والمجتمعات على طول الحدود مع لبنان، بسبب إطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات والطائرات المُسيّرة".

واستمر في القول: "كما يرى العديد من الإسرائيليين، فقد تخلت الدولة عن الحدود الشمالية لحزب الله. ولا يقتصر الأمر على إجلاء نحو 50 ألف فحسب؛ إذ يواصل حزب الله قصفه في العمق (سمعت في الأيام الأخيرة صفارات الإنذار في منطقة عكا وفي الجليل الأعلى والغربي وفي هضبة الجولان). وفي هذه اللحظة لا يبدو أن أي شيء يفعله الجيش الإسرائيلي ينجح في ردعه".

وتابع تحليله، بالقول: "الجمهور الإسرائيلي غير مقتنع بأن الجيش الإسرائيلي له اليد العليا. إن الضغط الإعلامي على الحكومة وهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي "للقيام بشيء ما" يتزايد".

وذكر بإعلان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، يوم الأحد، "عن انتهاء مناورة هيئة الأركان العامة لفحص جاهزية الجيش لحرب على الجبهة الشمالية". وعلق على ما سبق، بالقول: "إلى جانب الحاجة العملية لمثل هذا التعهد، كان ذلك بمثابة إشارة أخرى لحزب الله. لكن العلامات التراكمية لا يمكن تجاهلها: نحن قريبون من فقدان السيطرة على الوضع على طول الحدود".

مناورة إسرائيلية

ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" نفذ لواء جولاني في جيش الاحتلال "مناورة قتالية هجومية تبدأ من داخل الشمال وتتضمن الاستعداد لسيناريو أسر جنود". مشيرةً إلى أن هذا اللواء يتواجد على خطوط الاشتباك اليومية على جبهة الشمال.

وبحسب الصحيفة، فإن المناورة شملت على سيناريو "القتال داخل إسرائيل، مع احتمال مبادرة حزب الله بالهجوم على مواقع للجيش الإسرائيلي"، موضحةً: "سيكون لواء جولاني رأس الحربة في أي مناورة برية".

كما تدرب جيش الاحتلال لأول مرة منذ بداية الحرب، في اليونان، على تزويد 130 طائرة حربية بالوقود وهي في الجو.

وترى الصحيفة الإسرائيلية، أن الخيار الواقع لبداية الحرب "انتظار حدث يسفر عن خسائر كبيرة"، بينما يتجه جيش الاحتلال نحو خيار "أخذ زمام المبادرة، والمهاجمة أولًا".

وقال المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشوع: "هناك حرب مستمرة في الشمال. ليس قتالًا، وليس أيام معركة، بل حرب حقيقية بدأت كجبهة ثانوية لغزة، وفقًا لتعريف مجلس الوزراء الإسرائيلي وهيئة الأركان العامة، وأصبحت تدريجيًا الحرب الرئيسية، وبالتأكيد في ضوء الوضع الراهن احتمال التصعيد هناك يرتفع أكثر وأكثر".