تصل بلجيكا إلى مونديال قطر بطموحات كبيرة، لتأكيد نسقها التصاعدي بعد أن باتت الكرة البلجيكية مركزًا لنجوم بارزة في سماء الكرة الأوروبية، لفتت الأنظار إليها بداية من نهائيات البرازيل 2014 عندما بلغ "الشياطين الحمر" ربع النهائي، ومع تحقيق الانجاز الكبير بالحلول ثالثًا في روسيا 2018.
من تشرين الأول/أكتوبر 2018 وإلى غاية آذار/مارس 2022 تربعت بلجيكا على قمة الترتيب في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" للمنتخبات، رغم أنها لم تُحقق أي لقب قاري أو عالمي، ويعود الفضل في هذا إلى النتائج المستقرة للمنتخب الأول خلال تلك الفترة، والتي تأثرت لاحقًا في دوري الأمم الأوروبية وأدت إلى التراجع إلى المركز الثاني، مع تقدم البرازيل نحو الصدارة وانتزاعها بعد غياب دام 5 سنوات.
بلغت بلجيكا نهائيات كأس العالم في 13 نسخة سابقة، وغابت 8 مرات، وكانت حاضرة بين المشاركين في أول بطولة انطلقت عام 1930 بالأوروغواي، وهي تستعد حاليا لتسجيل ظهورها الـ 14 حيث أوقعتها القرعة في المجموعة السادسة رفقة كرواتيا الوصيفة في المونديال الأخير بالإضافة إلى المغرب وكندا.
تأهل مُريح
في التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى قطر 2022 خاضت بلجيكا 8 مباريات فازت في 6 منها وتعادلت في اثنتين دون أي هزيمة، سجلت في شباك خصومها 25 هدفًا وتلقت 6 أهداف، لتحصد في النهاية 20 نقطة وضعتها بالمركز الأول بفارق 5 نقاط عن ويلز التي لحقت بها إلى النهائيات عبر الملحق، بينما احتلت التشيك المركز الثالث بـ 14 نقطة، وجاءت إستونيا رابعًا بـ 4 نقاط، وروسيا البيضاء خامسًا بـ 3 نقاط.
تاريخٌ مونديالي مُتذبذب
يُعتبر المنتخب البلجيكي من أكثر المنتخبات ظهورًا في نهائيات كأس العالم، غير أن تواجده الشبه دائم لم يعرف تلك الإنجازات الكبيرة سوى في مناسبتين، حين بلغ الدور نصف نهائي عام 1986 بالمكسيك و 2018 في المونديال السابق، بينما وصل إلى ربع النهائي مرة واحدة، ودور الـ 16 ثلاث مرات.
الحضور الأول في مونديال الأوروغواي 1930 شهد توديع بلجيكا البطولة من الدور الأول عقب هزيمتين من الولايات المتحدة الأمريكية (0ـ3) والباراغواي (0ـ1)، وهو ما تكرر في مونديالي 1934 في إيطاليا بالخسارة أمام ألمانيا (5ـ2) و 1938 في فرنسا عندما سقطت أمام المستضيفة بثلاثة أهداف لواحد.
بعد الانسحاب من مونديال 1950، شارك منتخب بلجيكا في نهائيات سويسرا 1954 ولم يتمكن من تجاوز دور المجموعات، إذ تعادل في المواجهة الأولى مع نظيره الإنجليزي بأربعة أهداف لمثلها، وانهزم أمام الإيطالي بأربعة أهداف لواحد.
بلجيكا غابت عن ثلاث نهائيات مُتتالية لتعود بمشاركة ضعيفة في مونديال 1970 بالمكسيك خرجت فيها من الدور الأول، لتغيب أيضًا في نسختي 1974 و 1978، قبل أن تحضر في مونديال إسبانيا 1982 حين استطاعت لأول مرة تخطي الدور الأول بثلاث انتصارات جاءت على حساب كل من، الأرجنتين (1ـ0)، السلفادور (1ـ0)، المجر (1ـ0).
وفشل المنتخب البلجيكي في المحافظة على مستواه في الدور الثاني ليتلقى خسارتين من بولندا (0ـ3) والاتحاد السوفيتي (0ـ1) ويخرج من المنافسات.
في مونديال 1986 ذهب منتخب بلجيكا إلى أبعد مما حققه في إسبانيا، ونجح في الوصول إلى نصف النهائي الذي انهزم فيه أمام منافسه الأرجنتيني بهدفين دون مقابل، قبل أن يخسر المركز الثالث لصالح فرنسا التي انتصرت بأربعة أهداف لهدفين.
المنتخب البلجيكي في المونديال الثاني على الأراضي المكسيكية، عبر من الدور الأول بانتصار صعب على خصمه العراقي بهدفين لواحد، وتعادل مع البارغواي بهدفين لمثلهما، وهزيمة من منتخب البلد المضيف بهدفين لهدف، ثم في الدور الـ 16 هزم الاتحاد السوفيتي بأربعة أهداف لثلاثة، ليواجه منتخب إسبانيا في الدور ربع النهائي ويتغلب عليه بركلات الجزاء الترجيحية (5ـ4) بعد التعادل في الوقتين الأصلي والإضافي بهدفٍ لهدف.
المشاركة الثامنة لبلجيكا في النهائيات العالمية كانت في مونديال إيطاليا 1990، حينها بلغت دور الـ 16 وودعت البطولة بعد الخسارة من إنجلترا بهدفٍ وحيد، وكررت نفس الإنجاز في الولايات المتحدة الأمريكية 1994 لكنها خرجت على يد ألمانيا بهدفين لثلاثة.
وفي مونديال فرنسا 1998، قدمت بلجيكا واحدة من أسوأ مشاركاتها، فقد تعادلت في مواجهتها الثلاث مع هولندا (0ـ0)، والمكسيك (2ـ2)، وكوريا الجنوبية (1ـ1)، وحلت بالمركز الثالث بثلاث نقاط لم تأهلها إلى دور الـ 16، الأمر الذي استطاعت تحقيقه في مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002 عندما واجهت البرازيل في أولى المراحل الإقصائية وخسرت أمامها بثنائية النجم ريفالدو فيريرا.
ما بين عامي 2004 و2012، مرت بلجيكا بأصعب فتراتها على مستوى كرة القدم، إذ عجزت عن التأهل إلى مونديالي 2006 و 2010، وعن ثلاث بطولات "يورو" متتالية (2004، 2008، 2012)، غير أنها استعادت توازنها ورجعت بقوة في مونديال البرازيل 2014 الذي عرف بلوغ "الشياطين الحمر" الدور ربع النهائي ومقابلة الأرجنتين في مباراة حسمها هدف "البيبيتا" غونزالو هيغوايين لصالح "التانغو".
واصلت بلجيكا تطورها وباتت تمتلك منتخبًا بإمكانيات كبيرة جدًا، مما جعلها تبرز في مونديال روسيا 2018 وتجتاز دور المجموعات بالعلامة الكاملة، وتتغلب على اليابان في دور الـ 16 بثلاثة أهداف لاثنين، ثم تُقصي الكبيرة جدًا البرازيل من ربع النهائي بالفوز عليها بهدفين لواحد، قبل أن تنتهي مغامرتها في نصف النهائي أمام فرنسا التي انتصرت بصعوبة بالغة، بهدف المدافع صامويل أومتيتي وأكملت طريقها لتتوج باللقب على حساب كرواتيا.
المنتخب البلجيكي خرج من نهائيات روسيا بأفضل إنجاز له في تاريخ مشاركاته المونديالية، بعد أن هزم نظيره الإنجليزي بهدفين نظيفين واحتل المركز الثالث.
حلم الأولى
الظفر بكأس العالم حُلم يُراود البلجيكيين منذ فترة ليست بالقصيرة، وعمل عليه مسؤولو اللعبة في البلاد عقب الفشل في التأهل إلى مونديال 2006 مباشرة، بإعداد خطة لتطوير العمل في أكاديميات كرة القدم وتنشئة اللاعبين الشباب بشكل فعال، وهو ما بدأت نتائجه تظهر في أولمبياد بكين 2008 حين حصد المنتخب البلجيكي تحت 21 سنة المركز الرابع، بأسماء كان من ضمنها فنسنت كومباني، وتوماس فيرمايلين، ومروان فيلايني.
حاليًا تمتلك بلجيكا تشكيلة لا يمكن أن يتغافل أحد عن وضعها من بين المرشحين للتتويج بالكأس الذهبية، نجوم مثل المبدع كيفن دي بروين والمهاجم روميلو لوكاكو وتيبو كورتوا الحارس العملاق لنادي ريال مدريد قد وصلوا إلى قمة عطائهم، وأصبح لديهم من الخبرة في المواعيد الكبرى ما يكفي لنقل المنتخب إلى مستوى أبعد تمامًا من سابقه.
ويُضاف إلى ذلك أسماء أثبتت جودتها في الدوريات الأوروبية وتعتبر من بين الأفضل في مراكزها أمثال يان كاراسكو، يوري تيليمانس، تيموثي كاستاني، بالإضافة إلى مواهب شابة واعدة، أبرزها تشارلز دي كيتليري المنتقل هذا العام إلى نادي ميلان الإيطالي، وياري فيرشايرن القادم بقوة في صفوف أندرلخت، دون أن ننسى وجود نجم بقيمة إيدن هازارد الذي بدأ مؤخرًا يستعيد بعضًا من مستواه بعد فترة عصيبة عانى خلالها من تراجع بدني أدى لتعرضه لإصابات كثيرة مُتكررة.
بلجيكا بهذه الأسماء وتحت قيادة الإسباني روبرتو مارتينيز قادرة على نيل اللقب للمرة الأولى، وهذا إن تحقق فهو بمثابة مسك الختام، بالنسبة لجيل ذهبي يعيش أغلب عناصره الفترات الأخيرة لهم في عالم الساحرة المستديرة، ويُعتبر مونديال قطر آخر فرصة لصناعة إنجاز تاريخي يُتوج مسيرتهم، والعمل الرائع الذي قدمت من خلاله الكرة البلجيكية، يُعتبر مثلًا يُحتذى به في النهوض من الكبوات والتطوير العلمي الممنهج لفئة الشباب والوصول بهم إلى النجومية.
المنتخب البلجيكي يواجه في أول مباراة له نظيره الكندي في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، ثم يلاقي "أسود الأطلس" المنتخب المغربي في 27 من نفس الشهر، قبل الموقعة الكبرى أمام كرواتيا في الأول من كانون الأول/ديسمبر.