قدّم مقتدى الصدر في الـ31 كانون الثاني/ يناير 2018 التعزية للشعب العراقي بسبب إعلان تحالف سياسي بين قائمتي الفتح التابعة للحشد الشعبي، وقائمة النصر، التابعة لرئيس الوزراء حيدر العبادي، وقال الصدر وقتها: "أعزي الشعب المجاهد الصابر مما آلت إليه الاتفاقات السياسية البغيضة من تخندقات طائفية مقيتة لتمهد عودة الفاسدين مرة أخرى"، مبينًا أنه "عرض علينا الالتحاق وقد رفضنا ذلك رفضًا قاطعًا"، وأضاف قائلًا: "العجب كل العجب مما سار إليه الأخ العبادي الذي كنا نظن به أول دعاة الوطنية ودعاة الإصلاح"، في إشارة لتحالفه مع العامري بقائمته الفتح.
دأب الصدر قبل التحالف مع الفتح، على المطالبة باستقلالية القرار العراقي وابتعاده عن الفاعل الخارجي وتأثيره على مسار العراق السياسي
وشدّد الصدر في نفس البيان على أنه "سيدعم القوائم العابرة للمحاصصة، وأفرادها تكنوقراط". ومثلت هذه المواقف اتجاه الصدر الرافض للتحالف مع الفتح منذ بداية إعلان التحالفات قبل انتخابات 12 أيار/مايو 2018، لكون الفتح يصطبغ بصبغة مذهبية في جناحه العسكري المتمثل بالفصائل المسلحة، فضلًا عن قربه من إيران، وأنه يمثّل النفوذ الإيراني داخل العراق.
دأب الصدر دائمًا، على المطالبة باستقلالية القرار العراقي وابتعاده عن الفاعل الخارجي وتأثيره على مسار العراق السياسي، إضافة إلى خطابه الرافض لأي اتجاه طائفي أو مذهبي ودعواته لتشكيل حكومة عابرة للمحاصصة.
اقرأ/ي أيضًا: غابة السلاح في العراق.. العنف الذي لا تحتكره الدولة!
وظل طوال المعركة ضد تنظيم داعش، وهو الوقت الذي كان فيه الحشد الشعبي يمثل نفوذًا سياسيًا واجتماعيًا، يصف عناصر الحشد بـ"الميليشات الوقحة"، لأنهم برأيه قاموا بانتهاكات طائفية في المناطق السنية، إضافة إلى تجاوزات على سلطة الدولة التي يدعمها في خطابه.
ووصل خطاب الصدر ضد الحشد إلى أن يعرّضه لكراهية من قبل جانب من "الطائفة الشيعية" في العراق، الذين يعتبر جزء منهم الحشد رمزًا مذهبيًا قدّم الدماء وحقّق الانتصارات الكثيرة. وإذ استمر انتقاد الصدر للفتح، حتى اعتبر أنهم يقومون باستغلال اسم الجهاد ودماء الشهداء لطلب المناصب والامتيازات، ففي 28 نيسان/أبريل 2018، وصف الصدر استغلال قائمة الفتح للحشد الشعبي بأنه "عصيان" واضح للمرجعية العليا في العراق.
كانت هناك خيارات كثيرة مطروحة أمام الصدر، وكان بالإمكان أن يبتعد من خلالها عن التحالف مع الفتح
يناغم الصدر في اتجاهه هذا عددًا من القوى الرافضة للهيمنة الإيرانية في العراق، منهم الذين هتفوا وسط بغداد: "إيران برا برا"، وكذلك الذين يطالبون بحصر السلاح بيد الدولة، ومن أعلن في تظاهرات "ساحة التحرير" وسط بغداد رفضه للمحاصصة وتوزيع المناصب السياسية على أساس طائفي توافقي بين المكونات. وكان الصدر يعطي تصوّرات في أكثر من مرة على نيته الصادقة في هذا التحرّك، خاصّة بعد رفضه للكثير من الامتيازات التي كان من الممكن أن يحصل عليها في حال اجتماعه مع جبهة الإيرانيين والقوى الشيعية المهيمنة.
وبعد إعلان النتائج النهائية لانتخابات 12 أيار/ مايو 2018، حصل تحالف سائرون، المدعوم من الصدر، على المركز الأول في الانتخابات بـ 54 مقعدًا، فيما حصل الفتح على المركز الثاني بـ47 مقعدًا، وقد أعلن الصدر عن شكل تحالفاته والتي ينوي تشكيل الحكومة بالاتفاق معها، مستبعدًا في ذلك أي تحالف مع قائمة "الفتح" التابعة للحشد الشعبي و"دولة القانون" التي يترأسها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، والاتحاد الوطني الكردستاني التابع للرئيس الراحل جلال طالباني، وهي قوائم مقربة من إيران ولها علاقات خاصّة وتاريخية معها.
الإعلان عن تحالف الصدر والفتح
في مساء يوم الثلاثاء، 12 حزيران/ يونيو الجاري، أعلن الصدر عن تحالف مشترك بين سائرون والفتح، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع العامري، عقداه في النجف، إن "تحالف الفتح مع سائرون في الفضاء الوطني يحافظ على التحالف الثلاثي بين سائرون والحكمة بزعامة (عمار الحكيم) والوطنية (بزعامة إياد علاوي)". ليكون العلماني إياد علاوي مع الفتح في جبهة واحدة، ومع عمار الحكيم الذي تقول مصادر إن "الفتح انسحبت من قائمة النصر برئاسة العبادي سابقًا بسبب وجوده"، والصدر الذي يرفض "الميليشات الوقحة" والهيمنة الإيرانية منذ سنوات، في تحالف واحد سيشكل الكتلة الأكبر والحكومة المقبلة. إنها "السياسة ومفاجآتها التي لا تنقطع" كما يصف مراقبون ما حدث.
موقف التيار المدني والحزب الشيوعي
رفض القيادي في الحزب الشيوعي، والمقرّب من الصدر، جاسم الحلفي، التحالف مع الفتح من على وسائل إعلام محلية قبل الانتخابات، قائلًا: "لا نشكل حكومة مع الفتح"، مضيفًا أن "هناك إشكالات بيننا".
لكن موقف الحزب الشيوعي بعد إعلان الصدر تحالفه كان مفاجئًا أيضًا، فقد أصدر بيانًا رحّب فيه بـ"التحالف مع الفتح"، مشيرًا إلى أن "الإعلان عن التحالف بين قائمتي سائرون مع الفتح، أسهم في منع تعريض البلد إلى مخاطر جدية، تحرق الأخضر واليابس، وهو ما تحاول قوى مختلفة وبدوافع متباينة جره إليها".
ولا يتمتع الحزب الشيوعي بعلاقة جيّدة مع إيران، وتقف الأخيرة بأتباعها دائمًا ضد حراك الحزب في تظاهراته واحتجاجاته، لهذا كان الترحيب بهذا القرار محل مفاجأة للكثيرين، ولم يفهم المراقب ما معنى المخاطر الجدية التي أشار إليها الحزب في بيانه، ودفعه إلى التحالف مع الفتح؟
وصف منتقدو الصدر أن خطوته في التحالف مع الفتح، هي عودة إلى التحالف الشيعي الذي كان يسمى بـ"التحالف الوطني"
العودة إلى "التحالف الشيعي" تحت التهديد
وصف منتقدو الصدر أن خطوته في التحالف مع الفتح، هي عودة إلى التحالف الشيعي الذي كان يسمى بـ"التحالف الوطني"، وهي خطوة ترسخ عقدة المحاصصة، بدل العمل على إنهائها في الواقع العراقي، كما أنها ستوسع من النفوذ الإيراني بعدما كان هناك طموح بتقويضه بعد فوز الصدر وحصول قائمته سائرون على المركز الأول.
وتشير بعض التبريرات إلى أن الرجل دخل إلى هذا التحالف مكرهًا، لكون الحوادث المتتابعة أعطت إيحاءً بنشوب حرب أهلية، فقد حدث انفجار كدس عتاد في مدينة الصدر في 7 حزيران/ يونيو الجاري، ثم لحقه حريق بعد يومين في صناديق الاقتراع في جانب الرصافة، التي تمثل ثقله الاجتماعي وأصواته الانتخابية.
اقرأ/ي أيضًا: آفاق حراك الصدريين.. فسحة لبناء عراق مدني!
لكن مراقبين أشاروا إلى أن خيارات كثيرة كانت مطروحة أمام الصدر، وكان بالإمكان أن يبتعد من خلالها عن التحالف مع الفتح، وهو خيار المعارضة كمثال، والتي إن لم تحصل من خلالها على امتيازات السلطة فهي الخيار الأنفع في داخل الأنظمة الديمقراطية. خصوصًا وأن الصدر يؤمن بمشروع آمن به الكثيرون من خارج التيار الصدري، لأنه برأيهم كان يمثل التطلعات الوطنية وسط أجواء المحاصصة والتوزيع الطائفي وهيمنة القوى المذهبية على مؤسسات الدولة.
أعرب كثر عن خيبتهم من إعلان هذا التحالف، خاصّة بعد أن شعروا أن الخطوط الحمر التي كان يضعها الصدر على المقربين من إيران، والحاملين للسلاح قد رُفعت، واستبدلت بتقاسم السلطات وتشكيل الحكومة على أساس التحاصص مجددًا، الذي كان يرفضه الصدر نفسه.
لا تزال الخيارات والاحتمالات متشعبة بعد تحالف الصدر مع العامري. من سيكون رئيس الوزراء القادم؟ خاصة مع طموح العامري نفسه بالمنصب، وهل سيبقى الصدر مصرًا على مطلبه بحكومة "التكنوقراط"؟ أم أن هذا الطلب سيتغيّر وفق هذا التحالف الجديد؟ وهل ستدخل قوائم أخرى في التحالف، كان يرفضها الصدر أيضًا؟
اقرأ/ي أيضًا:
معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد
احتمالات مقتدى الصدر الشاسعة.. هدم جدار المنطقة الخضراء أم الاعتصام أمامه؟