صادقت الأغلبية البرلمانية في ساعة متأخرة من مساء أمس الاثنين، 12 أيلول/سبتمبر 2017، على التعديل الوزاري الشّامل المقدّم من رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، والذي شمل 20 حقيبة وزارية وكتبة دولة، من بينها ثلاث وزارات سيادية.
ويأتي هذا التعديل بعد سنة من تركيز حكومة "الوحدة الوطنية" كما يصفها داعموها، وذلك سعيًا لتعزيز الفريق الحكومي لمواجهة الصعوبات الاقتصادية، خاصة قبل بضعة أسابيع من عرض قانون المالية لسنة 2018 على البرلمان، والذي من المنتظر أن يثير موجة من الاعتراضات الحادّة من المنظمات الاجتماعية، على غرار السنة الماضية.
شهدت الحكومة التونسية تعديلًا شمل 20 حقيبةً وزارية، بينها 3 وزارات سيادية ووزراء جدد عملوا في حكومات ابن علي!
ويكشف التعديل الحكومي عن نفوذ رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بفرضه تعديلًا حكوميًا شاملًا، وفرض تعيين وزراء مقرّبين منه. فيما فشلت حركة النهضة في إقناع شركائها بإجراء تعديل وزاري محدود لسدّ الشغورات فقط، وتأجيل التعديل الشامل لما بعد الانتخابات البلدية نهاية السنة.
اقرأ/ي أيضًا: صراع مُبكر داخل "نداء تونس" على انتخابات 2019.. الشاهد في مواجهة السبسي
في المقابل، انضمّ للحكومة وزراء عملوا في حكومات الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، بما فيهم وزيران على الأقل في آخر حكومة إبان اندلاع الثورة، وهو ما يكشف مجدّدًا عن مدى انخراط رجال النظام السابق في العملية السياسية الحالية، وسط تزايد الخشية على سلامة مسار الانتقال الديمقراطي، خاصة بعد حوار صحفي مؤخرًا للسبسي اعتبر فيها أن الثورات "لحظات غضب وتزول"، وذلك بالتزامن مع نوايا تأجيل أول انتخابات بلدية بعد الثورة وذلك بضغط من أحزاب حاكمة ومعارضة.
3 وزارات سيادة.. ووزير الداخلية "متّهم" بالفبركة
شمل التعديل الوزاري ثلاث وزارات سيادة، هي الداخلية والدفاع والمالية. ولعلّه لم يثر أي وزير جديد الجدل كما أثاره وزير الداخلية لطفي براهم، الذي كان يدير جهاز الحرس الوطني قبل تعيينه، إذ اتهمّه النائب وأمين عام "حراك تونس الإرادة"، عماد الدايمي، بالتورط مع رجل الأعمال المثير للجدل كمال اللطيف الذي يوصف بأنّه أحد عرّابي المشهد السياسي.
واتهم ناشطون الوزير الجديد بفبركة عملية إرهابية وقعت مدينة "المنيهلة" بالعاصمة في آيار/مايو 2016، بل وتمّ تقديم شكاية ضدّه. ويمثل تعيين لطفي براهم تغييرًا للسياسة المعتمدة منذ عقود بتعيين وزراء مدنيين في وزارة الداخلية، إضافة إلى أن آخر وزير داخلية قادم من جهاز الحرس الوطني، هو الحبيب عمّار، الذي نفّذ مع ابن علي انقلاب عام 1987، وهي جميعًا مؤشرات زادت من تخوّفات استمرار ارتهان وزارة الداخلية للحرب الخفيّة بين مراكز النفوذ في السلطة.
وكانت حركة النهضة قد طالبت بالإبقاء على الوزير السابق هادي المجدوب، والذي يحظى بدعم من المعارضة كذلك، في حين دفع حزب نداء تونس عن الاستغناء عنه وترشيح لطفي براهم المقرّب من الحزب.
من جهة اُخرى، عيّن الشاهد عبد الكريم الزبيدي وزيرًا للدفاع، والذي سبق وأن تولّى هذه الوزارة من 2011 ضمن حكومة السبسي، إلى 2013 ضمن حكومة الائتلاف الثلاثي، وقد كان في صراع مع الرئيس السابق المنصف المرزوقي حول تسيير الشأن العسكري.
كما سدّ التعديل الشغور في وزارة سيادية ثالثة، هي وزارة المالية، وذلك بعد ستة أشهر من إقالة الوزيرة السابقة، إذ عيّن يوسف الشاهد رضا شلغوم، وهو آخر وزير مالية في زمن ابن علي، وتولى لاحقًا منصب مستشار اقتصادي للسبسي سنة 2015، ثم رئيسًا لديوان يوسف الشاهد في رئاسة الحكومة.
حرب ضد الفساد بجنود ابن علي؟!
شدّد يوسف الشاهد في كلمته أمام البرلمان على أنه يقود "حكومة حرب" ضد الفساد! قائلًا ما أثار السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أنّه "يسلك منهج عمر بن الخطاب". وتصاعد منسوب السخرية والتشكيك بتعيينه لوزراء عملوا في حكومات ابن علي المتورّطة في إغراق البلاد في مستنقع الفساد، والتي لا زالت عديد قضايا الفساد تلاحق أعضائها في المحاكم.
شملت التعديلات الحكومية الأخيرة ضمّ 10 وزراء وكتاب دولة من رموز نظام بن علي، بينهم وزيري الدفاع والمالية، وهما وزارتان سياديتان
وضمّ التعديل الحكومي خمسة أسماء نشطت في حزب التجمع المنحلّ، الحزب الحاكم زمن ابن علي، ليرتفع بذلك عدد قيادات النظام السابق إلى 10 وزراء وكتاب دولة في الحكومة الحالية. وفي التعديل الأخير فقط، حاز وزراء ابن علي على وزارات الدفاع والمالية والتربية والنقل.
اقرأ/ي أيضًا: بن علي.. لم يرحل!
وتناقل ناشطون صورًا لوزير النقل، رضوان عيارة، وهو يرفع صورة لابن علي قبل الثورة. كما تمّ تعيين العديد من كتاب الدولة ممّن نشطوا في حزب التجمع من بينهم كاتب الدولة للهجرة عادل الجربوعي، الذي كان أمينًا عامًا مساعدًا بالتجمع مكلّفًا بالشباب، وتناقل ناشطون بطاقة تفتيش بعد الثّورة ضدّه بتهمة الابتزاز.
وتتعلّق بعديد الوزراء قضايا منشورة لدى القضاء بتهم الفساد، على غرار وزير حقوق الإنسان والعلاقات مع المجتمع المدني المهدي بن غربية، الذي نشر في وقت سابق حزب "آفاق تونس" المشارك في الحكومة وثائق تفيد تورّطه في ملفات فساد. وهو ما لا يكشف فقط عن هشاشة شرعية حكومة يوسف الشاهد في الترويج لنفسها كحكومة حرب ضد الفساد، بل كذلك مدى الصراع بين الأحزاب الشريكة في الحكومة، وهو ما جعل القيادي في النهضة حسين الجزيري يحذّر الشاهد في جلسة منح الثقة للوزراء الجدد من الأطراف المقرّبة منه، وبأن يحلّ مشاكله مع القصر في إشارة للصراع الخفيّ مع السبسي.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف تفضح شهادة الطرابلسي منظومة الفساد في تونس؟
4 نقاط تشابه بين عهدي بورقيبة والسبسي.. فهل يكرر التاريخ نفسه؟