في محاكمة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير التي أقيمت صباح الإثنين بالخرطوم، ظهر الرجل في أبهى زينته، يفصل بينه والحضور داخل قاعة المحكمة قفص حديدي مقتضب الفتحات، لم يحل دون تدفق ابتساماته المرحة، أو التقاط الصور له، وهو يحيي فريق الدفاع، ويداعب الحضور تارة، وقد احتفظ نسبيًا بكل شيء عرف به في السابق، عدا رئاسة البلاد.
جملة الاتهمات التي وجهت للبشير، وفقًا للمتحري "مبالغ مالية عثر عليها بمنزله ببيت الضيافة وهي مبلغ 7 ملايين يورو، قال إنه متبقى مبلغ 25 مليون دولار حصل عليه من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان"
بدا خط الدفاع الواضح للرئيس المخلوع توريط أكبر عدد ممن يعتبرهم خونة، تآمروا لإسقاطه، حتى حلفائه في السعودية والإمارات، وذلك عندما اعترف بتلقي أموال من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد، بصورة قال إنها لم ترقه، مقرًا بإحالة ملايين الدولارات إلى مدير مكتبه السابق الفريق طه عثمان، وإلى شقيق قائد قوات الدعم السريع اللواء عبد الرحيم دقلو، كما لو أنه يريد هدم المعبد عليه وعلى أعدائه معًا.
اقرأ/ي أيضًا: محاكمة البشير.. ملهاة فض الاعتصام وإخفاء وجه السلطة العسكرية
البشير وأموال السعودية
وكشف الرئيس السوداني المخلوع، الذي يواجه تهمًا بالفساد المالي وحيازة النقد الأجنبي معلومات مثيرة بشأن ملايين الدولارات التي ضبطت في منازل تخصه عقب الإطاحة به في نيسان/أبريل الماضي، قائلًا إنه "تسلم من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان مبلغ 25 مليون دولار تسلمها مدير مكتبه حاتم حسن بخيت"، مشيرًا إلى أن ابن سلمان قال له حينما أعطاه المبلغ إنه قد يحتاجه، أي البشير، لأموال ومنصرفات خارج ميزانية الدولة، إلى جانب مبلغ 35 مليون دولار قدمها له الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وكان ذلك في عهد مدير مكتبه الفريق طه عثمان، ومدير مكتبه الآخر هاشم عثمان الحسين، بجانب شيك بمبلغ مليون دولار من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد، قال إنه لم يعرف أين ذهب، وأكد البشير تلقيه 91 مليون دولار من قادة دول السعودية، والإمارات خلال فترات مختلفة دون أن تدخل في الخزينة العامة، حسب ما نقل عنه المتحري.
أملاك الأسرة الرئاسة
وحول ممتلكاته الخاصة وثروة أسرته قال البشير إن ممتلكاته عبارة عن منزل في حي كافوري بالخرطوم، ومزرعة، وشقة، لافتًا إلى أن زوجته "واد بابكر" تمتلك قطعتي أرض بحي كافوري، ابتاعت سيارتها لشرائهما، وهو أمر بدا للكثيرين فيه مبالغة، سيما وأن أسعار الأراضي في كافوري تعتبر الأغلى في السودان، وجاءت هذه المرافعة من البشير شخصيًا نتيجة للاتهمات المثارة نحوه منذ سنوات بفساد أسرته وحصولها على ملايين الدولارات بصورة غير مشروعة.
ما يكرفون وحراسة أمنية
لم يكن أحد يعلم بالضبط موعد محاكمة البشير، وقد انشغل الشارع السوداني بخلافات ترشيحات مجلس السيادة، وأزمة تطاول صفوف الخبز والوقود، إلى جانب كارثة السيول والأمطار التي جرفت آلاف المنازل، وفي غمرة هذا الانشغال، وبعيدًا عن الأضواء وصل البشير إلى مقر المحكمة بمعهد التدريب القضائي شرق العاصمة الخرطوم، في التاسعة والنصف صباحًا على متن سيارة مظللة بالكامل، وتحت حراسة أمنية مشددة، منعت على إثرها وسائل الإعلام المحلية من تغطية الجلسة.
بمجرد دخول البشير إلى قاعة المحكمة عم المكان صمت رهيب، سرعان ما انقطع وسط تحايا أسرته التي كانت حضورًا، إلى جانب هيئة الدفاع التي تتكون من 97 محاميًا على رأسهم أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان الأسبق، والقيادي في المؤتمر الوطني أيضًا، وبدأت الجلسة بسؤال للمتهم عن اسمه من قبل القاضي، فرد الرئيس المخلوع بهدو "عمر حسن أحمد البشير"، وعندما استطرد القاضي وسـأله مرة أخرة: ما هى مهنتك؟ أجاب البشير "رئيس سابق، كنت أسكن في بيت الضيافة، وحاليًا في سجن كوبر"، وقد التقط المايكرفون، ليبدو صوته قويًا ومسموعًا.
شيك في ظرف
جملة الاتهمات التي وجهت للبشير، وفقًا للمتحري "مبالغ مالية عثر عليها بمنزله ببيت الضيافة وهي مبلغ 7 ملايين يورو، قال إنه متبقى مبلغ 25 مليون دولار حصل عليه من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليصرفها كتبرعات وهبات للمحتاجين"، وأضاف المتحري أن "البشير قال إن ولى العهد السعودي عند منحه المبلغ قال له إنهم محتاجون يصرفوا أموال خارج الميزانية للتبرعات والهبات والخدمات الصحية والتعليمية"، وأقر البشير أنه تسلم ظرف من الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد وجد داخله شيكًا بمبلغ مليون دولار، وكل هذه المبالغ تم صرفها فى التبرعات والهبات والخدمات الصحية والتعليمية.
إعادة ملف القضية
بدا الشارع السوداني غير مهتم بمحاكمة رئيسه السابق، لما اعتراها من تعتيم وشكوك في أن الاتهمات لا ترقى لإدانة الرجل الذي حكم البلاد بالقبضة العسكرية لثلاثة عقود، ويرى البعض أن تهم غسيل الأموال والاحتفاط بعملة أجنبية، سهلت على لجنة الدفاع المهمة، ولربما يخرج منها ببساطة، خصوصًا وقد أصدر رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان قرارًا بإلغاء مادة تجريم التعامل بالنقد الأجنبي، ما يعني براءته بعد أن يكتشف القاضي عدم وجود مادة قانونية تدين البشير، وهو غالبًا ما دفع المحامي معاوية خضر إلى القول إنه سيقدم طلبًا لإعادة ملف قضية الرئيس المخلوع عمر البشير إلى النيابة، ليتضمن كل جرائم القتل والجرائم الأخرى التي ارتكبت خلال عهده.
اقرأ/ي أيضًا: هل سحبت واشنطن الملف السوداني من الرياض وأبوظبي؟
البشير ممتلئ بالثقة
عطفًا على ذلك فقد كشف رئيس هيئة الدفاع عن البشير، أحمد إبراهيم الطاهر، إنهم مطمئنون لسير القضية، وقال إنّ الخط الذي يمضي فيه الدفاع ستكون نتائجه جيّدة، مشددًا على عدم تسليم موكله للمحكمة الجنائية، وطالب بتقديم أيّ دعاوى ضده تختص بقضية دارفور للمحاكم السودانية للنظر فيها.
بلغ إجمالي ما تلقاه من قادة السعودية والإمارات 91 مليون دولار خلال فترات مختلفة دون أن تدخل في الخزينة العامة، حسب ما نقل عنه المتحري
وقال الطاهر في تصريحاتٍ صحفية إنّ البشير تعرّض لما وصفها بالحملة الإعلامية والسياسية الجائرة التي عملت على غسل أدمغة أفراد الشعب السوداني حتى صدقوا بأنّ هناك قضية وأنّه يأكل أموال الناس، متهمًا بتضخيم القضية، مشيرًا إلى أن شخصية مثل البشير لا يمكن أنّ يكون طابعها كلام فارغ، على حد وصفه، وكشف عن حالة البشير النفسيه قائلًا إن "الرئيس مرتاح وممتلئ بالثقة ويطلق النكات، ولم أشعر أنّه متضايق من هذه المسألة، بل يتحملها كما تحمّل الكثير وغيرها"، واصفًا ما يجري بأنه شرف للبشير كونه أول رئيس سوداني يخضع للمحاكمة.
اقرأ/ي أيضًا:
ورطة البشير بين المذهب المالكي وعقيدة بوتين.. من يكاتب الجنرال في سجن كوبر؟