26-يوليو-2024
دبابة مدمرة في أم درمان

(GETTY) الولايات المتحدة تدعو لمفاوضات بين الجيش والدعم السريع في سويسرا

أنعشت دعوة الولايات المتحدة الأميركية فرقاء الأزمة السودانية إلى مفاوضات في سويسرا، الآمال مجدّدًا بإنهاء الحرب الدموية في السودان التي دخلت عامها الثاني بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وبحسب الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للأطراف السودانية الفاعلة في الحرب؛ فإنه من المنتظر أن تنطلق في سويسرا، 14 آب/أغسطس، مباحثات تتكون من عدة جولات تستضيفها كل من سويسرا والسعودية، يتم فيها نقاش وقف القتال وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين. وبحسب الإعلان الأميركي ذاته، ستشارك كل من مصر والإمارات والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في المفاوضات بصفة مراقب.

مفاوضات سابقة باءت بالفشل

سبق للجيش السوداني وقوات الدعم السريع أن التقوا على طاولة مفاوضات في عدة دول، وذلك منذ الأيام الأولى للحرب، حيث توسطت السعودية والولايات المتحدة بين الطرفين. وبمقتضى تلك الوساطة، تأسس منبر جدة التفاوضي الذي شهد، في البداية، نجاحًا على مستوى تحقيق الهدن الإنسانية التي كانت تُفضي إلى حماية المدنيين وتسهيل عبور المساعدات الإنسانية. إلّا أنه، ومنذ بداية العام الجاري، شهدت مفاوضات جدة مجموعة من التعثرات قادت في نهاية المطاف إلى فشل الوسطاء في جمع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على طاولة المفاوضات.

وأعقب ذلك سلسلة من الإخفاقات، منها على سبيل المثال لا الحصر، إخفاق الهيئة الإفريقية الحكومية للتنمية "إيكاد" في عقد لقاء بين قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي). بالإضافة إلى ذلك، أخفقت محاولات عدة للاتحاد الإفريقي في تقريب وجهات النظر بين الجيش والدعم السريع.

على أنقاض إخفاقات المبادرات والوساطات لإنهاء الحرب، تأتي مفاوضات سويسرا التي دعت إليها واشنطن من أجل إحداث اختراق في تعنت الطرفين والأطراف الإقليمية الفاعلة في الحرب

وفي كانون الثاني/يناير، خاض فرقاء الأزمة مباحثات سرية في العاصمة البحرينية المنامة، وبعدما وقع الطرفان اتفاقًا بالأحرف الأولى، تم تجميده عقب انكشاف خبره.

وشهد الأسبوع المنصرم آخر إخفاق في المفاوضات، عندما فشلت مباحثات برعاية الأمم المتحدة جرت في سويسرا في الوصول لاتفاق إنساني.

وأحبطت هذه الإخفاقات المتتالية مناهضي الحرب الذين اتهموا طرفي القتال بعدم المسؤولية تجاه معاناة المتضررين، بمن فيهم ملايين النازحين واللاجئين بدول الجوار. وتسببت الحرب الحالية، منذ اندلاعها، في مقتل ما يزيد عن 15 ألف مدني، ونزوح ولجوء ما يقارب من عشرة ملايين شخص، وتدميرًا واسعًا في البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية. كما يهدد استمرارها ما يزيد عن عشرين مليون سوداني بالمجاعة ونقص الغذاء الحاد، طبقًا لمنظمات دولية.

على أنقاض إخفاقات المبادرات والوساطات لإنهاء الحرب، تأتي مفاوضات سويسرا التي دعت إليها واشنطن من أجل إحداث اختراق في تعنت الطرفين والأطراف الإقليمية الفاعلة في الحرب.

أيّ فرص وعوائق أمام مفاوضات سويسرا الجديدة؟

قوبلت الدعوة الأميركية إلى مفاوضات سويسرا بمواقف متباينة داخل التيارات السياسية السودانية، ففي حين رحّب بها البعض، واجهها البعض الآخر بالرفض والتشكيك.

وفور الإعلان عن الدعوة الأميركية سارعت قوات الدعم السريع إلى قبولها والترحيب بها، فيما ما يزال الجيش السوداني صامتًا تجاههت.

ويرى المراقبون السياسيون أن النقطة الإيجابية في مفاوضات جنيف هي الإعلان الأميركي بأن المحادثات ستبدأ من البنود المتفق عليها بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة، بما في ذلك اتفاق 11 أيار/مايو 2023 بين الطرفين المتحاربين في السودان، والذي ينص على إخلاء القوات العسكرية للمرافق المدنية ومنازل المدنيين، والسماح بحركة التنقل ودخول الإغاثة، بما في ذلك القوافل التجارية، إلى جميع المناطق.

هذه النقطة، في نظر الباحث السياسي مصعب عبد الله، قد تشجع الجيش على الانخراط في مفاوضات جنيف، إذ لطالما كان هذا بندًا اشترطته القوات المسلحة أكثر من مرة للذهاب إلى التفاوض. ويقول عبد الله لـ"الترا سودان" إن المسهلين الأميركيين والسعوديين ربما فطنوا إلى هذه النقطة لمنح بعض الحوافز للجيش للذهاب نحو التفاوض.

واستبق المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، زيارته إلى السودان بزيارة إلى الشرق الأوسط وإفريقيا شملت المملكة العربية السعودية، وناقش مع المسؤولين الدبلوماسيين في الرياض المعنيين بالشأن السوداني عملية المفاوضات في جنيف.

ويقول الباحث في الديمقراطية والسلام، مجاهد أحمد، لـ"الترا سودان"، إن المفاوضات في جنيف بين وفد الجيش ووفد الدعم السريع ستكون مباشرة برعاية أميركية سعودية إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وممثل من الهيئة الحكومية للتنمية الدولية "إيكاد".

ويرى أحمد أن محادثات جنيف ستضع على الطرفين المتصارعين في السودان مقترحات بناءة لوقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية، وقد تكون الفترة محدودة من شهر إلى ثلاثة أشهر قابلة للتجديد.

وأردف: "لا يمكن للطرفين سوى القبول مع وضع المقترحات التي بحوزتهما بغرض تطوير الاتفاق الإنساني ووقف إطلاق النار، لكن لا مجال للرفض أو مغادرة المفاوضات لأن المجتمع الدولي يشعر بالصدمة من تقارير المجاعة في السودان".

دبابة في دارفور

ويقول مجاهد أحمد إن الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية على وشك الذهاب نحو الانتخابات وملف السودان له علاقة بالتقاطعات الدولية، لذلك فإن الإدارة الأميركية تريد الوصول إلى اتفاق في السودان لإنهاء الحرب.

ويقول أحمد إن مفاوضات جنيف ستضع آليات لمراقبة وقف إطلاق النار، ولن يُترك الطرفان كما تُركا في الهدن التي وُقعت بينهما في منبر جدة دون آلية مراقبة على الأرض.

ويشير إلى أن آليات التحقق تطورت في ظل استخدام الأقمار الاصطناعية بواسطة الولايات المتحدة ومنظماتها على الأرض، وأي طرف يقوم بخرق وقف إطلاق النار سيتكبد عقوبات تطال الطرفين.

وعلى مستوى الأطراف السياسية بادرت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، إلى الترحيب بالدعوة الأميركية، معلنةً تطلعها لتحقيق المباحثات غايتها بوقفٍ عاجل لإطلاق النار وإنجاز اتفاقٍ يجنب البلاد شبح الانهيار الشامل. وبحسب القيادي في التنسيقية والعضو السابق بمجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، فإن المبادرة الأميركية، بالإضافة لما سبقها من مبادرات: " تمهد لأن تكون هذه المحادثات مختلفة عن سابقاتها" وفق تعبيره.

كما اعتبر البروفيسور السوداني منزول عسل أن: "الدعوة الأميركية هذه المرة هى الخطوة الأكثر جديةً للولايات المتحدة في التعاطي مع الحرب السودانية منذ اندلاعها العام الماضي".

واعتبر، في حديث لصحيفة "العربي الجديد"، أن النظر للمبادرة الأميركية يجب أن يكون من زاويتين: "الزاوية الأولى هي حرص الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة على تحقيق نجاحٍ على الصعيد الخارجي قبل خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصةً أن السودان يمثل واحدًا من المنصات الخارجية التي تستهدفها الإدارة الأميركية لإحداث اختراقٍ في جبهة وقف الحرب، أمّا الزاوية الثانية، فتتمثل بخطورة استمرار الحرب السودانية على دول الجوار، وحلفاء أميركا في المنطقة".

ورأى البروفيسور منزول عسل أن زيارة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي إلى السودان، قبل يوم أمس الأربعاء، ليست ببعيدة عن موضوع الدعوة الأميركية إلى مفاوضات سويسرا، مشيرًا إلى أن استجابة الدعم السريع للدعوة أحرجت الحكومة السودانية، لافتًا إلى أن تأخر رد الأخيرة: "لن يكون في صالحها".

أما القيادي بالكتلة الديمقراطية، مبارك أردول، فأشار إلى أهمية قبول الدعوة المقدمة من الخارجية الأميركية للتفاوض في جنيف حول المسارين الأمني والإنساني فقط. ورأى أن تلبية الدعوة فرصة لا ينبغي تضييعها تحت أي مبررات: "لأن الأجندة المطلوبة في مسار التفاوض الأمني واضحة ومعروفة".

وأضاف في منشور له على "فيسبوك"، أن الوصول لوقف إطلاق نارٍ شامل يتطلب إشراك جميع الأطراف المتقاتلة في الميدان: "لأن الحرب حاليًا ليست بين الجيش والدعم السريع وحدهما، فهنالك حركات أيضًا تخوض الحرب من نواحي متعددة". 

ثمة مخاوف من أن تكون الدعوة الأميركية على حساب ما تحقق من تفاهمات في جدة

وأضاف: "ينبغي على الوسيط الأميركي أن يوصل جميع هذه البنادق لطاولة التفاوض، وفي مرحلة ما يحتاج أن يوائمها مع اتفاقية جوبا أيضًا الموقعة بين الحكومة وحركات مسلحة". وشدد أردول على أن: "إسكات جميع البنادق وللأبد في منبر تفاوضي سيؤسس لإجراءات سياسية جديدة ومختلفة عن سابقاتها".

من جانبه، قال محمد أبو زيد كروم، رئيس حزب منبر السلام العادل، إن مفاوضات سويسرا المقبلة ستنجح في حدود ما ترغب به أميركا. وأضاف أن واشنطن لم تضغط من قبل في اتجاه تنفيذ اتفاق جدة، وعادت بعد عام وأشهر لتبني موقف: "من الواضح أنه جاد لمعالجة أزمة السودان، ربما لكي يدخل الديمقراطيون للانتخابات دون حمولة أزمة السودان".

وذكر كروم أن أي جهود مبنية على اتفاق منبر جدة مرحبٌّ بها: "دون أن تفرز اعترافًا دوليًا بمليشيا الدعم السريع طرفًا موازيًا للدولة والجيش، ودون فتح منابر دولية جديدة، خاصة وأن المليشيا لا تزال تمارس انتهاكاتها بشكل يومي ومتزايد وتدفع في اتجاه زيادة معاناة المواطنين" وفق قوله.

كما اعتبر كروم أن الولايات المتحدة: "تستطيع الضغط على دولة الإمارات لكى تضغط هي على المليشيا لأن أيادي المعركة وقرارها من الخارج". مبيّنًا أن: "الجيش التزم بمقررات جدة ولبى دعوة لقاء جيبوتي. وحاليًا موقفه قويٌّ ومسنود شعبيًا وله المشروعية الكاملة في الدفاع عن البلاد" وفق تعبيره.