تشيرنوبل مصغرة، هي ما تعرفه روسيا هذه الأيام، بعد حادثة انفجار نووي خلال تجارب عسكرية بالقاعدة البحرية نينوكسا شمال البلاد، مسببة سبعة قتلى و23 جريحًا على الأقل، مع ارتفاع نسبة الإشعاعات في المناخ. ما يهدد بوقوع كارثة إذا ما تطورت الأمور، في حادثة تأتي هي الأولى عالميًا منذ كارثة فوكوشيما سنة 2011، والأولى روسيًا بعد تشيرنوبل السوفيتية وقتها سنة 1986.
منذ تسجيل الانفجار النووي في روسيا، ومع التكتم الرسمي الذي لحقه، اندلع هلع عام وسط ساكنة المدن المحيطة ببؤرة الانفجار. ومعه فراغ المخازن الصيدلية من عقارات اليود والبوتاسيوم، المستعملة لتجنب تأثير اليود المشع
انفجار الحادث
في 8 آب/أغسطس الجاري، هز دوي الانفجار الكبير الساحل الشمالي لروسيَا، ووثقت مشاهدة النيران وهي تتصاعد في شكل فطر ضخم ناحية القاعدة العسكرية نينوكسا، مما لا يدع شك أن الأمر يتعلق بانفجار نووي. الشيء الذي أخذ وقتًا للسلطات الروسية كي تصرح أن "الأمر يتعلق بانفجار حدث أثناء تجربة محرك نووي لأحد صواريخها الجديدة"، وأن قتيلين راحا ضحية هذا الحادث وخمسة مجروحين، كما نفى المتحدث الحكومي أي تسرب نووي أعقب الحادث. لاحقًا، ارتفع عدد القتلى إلى 7 والجرحى إلى 23 حسب الوكالة الروسية للطاقة الذرية، في تقرير نشرته يوم الجمعة الماضي يتضارب مع حديث الحكومة. تضارب لم يلبث طويلًا حتى تداركته الوكالة على لسان مسؤول تواصلها، قائلًا إن "عدد من فريق العمل ألقى بهم الانفجار إلى البحر، وكان لا يزال عندنا أمل في العثور عليهم أحياء، حيث استمر البحث لكن دون جدوى" حسب وكالة Tass الروسية للأنباء.
اقرأ/ي أيضًا: إنفوغراف: أبرز صفقات السلاح في المنطقة العربية خلال عام 2017
لم يحدد تقرير وكالة الطاقة الذرية الروسية أن التجارب المذكورة كانت تهم صاروخ 9M730 Burevestnik الجديد. لكن توصيفه بأن الحادث نجم عند اشتغال فريق من المهندسين على "محرك دفع نووي لصاروخ باليستي"، يتطابق وأوصاف الأيقونة الجديدة للترسانة النووية الروسية، كما كشف عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السنة الماضية، قائلًا: "إنه صاروخ استراتيجي غير محدد المدى، قادر على ضرب كل الأهداف، ولا يمكن ردعه بأي من تكنولوجيا حالية مضادة للصواريخ".
هذا وأعلنت السلطات الروسية إغلاق المجال البحري لمدينة نينوكسا، ما يقارب 250 كلم مربع، ومنع أي نشاط مدني فيه سواء كان سباحة أو صيدًا.
عودة شبح تشيرنوبل
منذ تسجيل الحدث، ومع التكتم الرسمي الذي لحقه، اندلع هلع عام وسط ساكنة المدن المحيطة ببؤرة الانفجار. ومعه فراغ المخازن الصيدلية من عقارات اليود والبوتاسيوم، المستعملة لتجنب تأثير اليود المشع، بعد أن أقبل المواطنون على ابتياعها. كما أذاعت المحطات المحلية برامج توضيحية عن طريقة استعمال تلك العقاقير، وكيفية الاحتماء من الإشعاعات، مهيبة بالسكان لزومهم بيوتهم في هذه الأيام. إضافة إلى أن أطقم إنقاذ شوهدت تنقل مصابين إلى مستشفيات مدينة سيفيرودفينسك، المجاورة لموقع الانفجار، مرتدين بزات واقية من الإشعاعات، حسب ما جاء في شهادات وصور نقلتها وكالة Bazza روسية.
في وقت تحاول السلطات المحلية بمدينة سيفيرودفينسك نفي وجود خطر إشعاعي. سجلت منظمة Greenpeace ارتفاع في نسبة الإشعاعات بكامل مناطق الشمال الروسي، بـ 20 مرة عن المعدل الطبيعي، ملحة على الحكومة الروسية بتبيان طبيعة تلك الاشعاعات. كما سجلت CTBTO المنظمة المناهضة للتجارب النووية أربع هزات ناتجة عن الانفجار المذكور، أبعدها كان مركزها بفيينا النمساوية. ونفت الوكالة النرويجية للطاقة الذرية توصلها بأي إشعار من السلطات الروسية عن مدى تأثير الحادثة، ويبقى التكتم عن ملابساتها ليحجب الكثير عن مدى ضررها وخطر الإصابة بإشعاعاتها.
يعيد هذا المناخ المشحون والتكتم الرسمي الصارم على المعلومة إلى الوقائع التي صاحبت كارثة تشيرنوبل، حيث فضلت الحكومة السوفيتية وقتها الحفاظ على سمعتها السياسية على تركيز جهود الإنقاذ. ورغم أن حادثة نينوكسا صغيرة، إلَا أن التعتيم عليها يدع الشكوك حول مخاطرها مفتوحة، تضيع معها مصداقية أي محاولة للطمأنة.
مسلسل تشرنوبيل.. أصل الكارثة وفصلها
أسبوعٌ من الانفجارات
فيما يبدو أنه أسبوع الكوارث العسكرية الروسية بامتياز. عرفت البلاد حادثة أخرى يوم الـ 5 من آب/أغسطس الجاري، هذه المرة جنوب البلاد، حيث انفجر مستودع ذخيرة قرب مدينة أشينسك. انفجار ترجع أسبابه لوصول الحرائق التي تعرفها منطقة سيبيريا للمستودع، الذي التهمته النيران. يومين من ذلك، وفي مستودع ثانٍ في نفس القاعدة المدفعية شرقي سيبيريا، سمع دوي انفجار آخر تبين فيما بعد أن له نفس الأسباب. فيما خلف الانفجاران قتلى وجرحى، إضافة إلى أضرار مادية.
تشيرنوبل مصغرة، هي ما تعرفه روسيا هذه الأيام، بعد حادثة انفجار نووي خلال تجارب عسكرية بالقاعدة البحرية نينوكسا شمال البلاد، مسببة سبعة قتلى و23 جريحًا على الأقل
هذا وأعلنت السلطات الروسية حالة الطوارئ في المنطقة، وأجلت قرابة 100 ألف من سكان القرى الواقعة في محيط الـ 20 كيلومتر من مركز الحادث، إضافة إلى تعليق كل الرحلات الجوية فيها. كما ضاعفت جهودها للسيطرة على الحريق خصوصًا في محيط المستودع المذكور.