نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، اليوم الخميس، السادس من تموز/يوليو 2017، مقالًا للسفير القطري في روسيا فهد بن محمد العطية، بعنوان "قطر تواجه تدخلًا سافرًا من جيرانها"، يتحدّث فيه عن الحصار المفروض على قطر من السعودية وأبوظبي والبحرين ومصر، منذ عدة أسابيع، تحت دعاوٍ فضفاضة غير محددة، فضلًا عن كونها واهية. والسطور التالية ترجمة للمقال.
بلدي قطر تحت الحصار، فخلال الشهر الماضي قامت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع علاقاتها مع قطر، وقامت دول الخليج المشاركة في الحصار بترحيل المواطنين القطريين بشكل تعسفي، دون أي اعتبار لأعمارهم أو ظروفهم أو أحوالهم الصحية.
وكانت قد أعلنت المجموعة المحاصرة، قائمة من الاتهامات الصادمة ضد قطر، من بينها استضافة عناصر من الحرس الثوري الإيراني في عاصمتنا الدوحة، وتمويل مليشيات حزب الله الموالية لإيران، ودعم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي. ولا يبدو الأمر منطقيًا على الإطلاق، لأن حزب الله وداعش في عداوة مستعرة، ويخوضان حربًا شعواء ضد بعضهم البعض في سوريا.
لم تتلق قطر أي تنبيه مسبق بمطالب دول الحصار، فرغم عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، لم يطلب منها أبدًا مناقشة هذه المطالب
والادعاءات الأخرى لا تقل عجبًا كذلك، إذ تُتهم قطر بدعم متمردي الحوثي في اليمن، مع أنه حتى بداية هذا الحصار، شاركت بلادي في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وفقدنا جنودنا أثناء قتالهم مع متمردي الحوثي. وهذه الاتهامات هي إهانة لأرواح شهداء الواجب.
اقرأ/ي أيضًا: أبوظبي والرياض في اليمن.. تغطية الفشل والصراع الخفي عبر اتهام الدوحة
كما أعلنت الدول المحاصرة قائمة من الجماعات والأفراد المتهمين بالإرهاب تدعمهم قطر أو تستضيفهم، أحد هؤلاء الأفراد في الحقيقة، هو داعية سلفي يمني يعيش في الرياض، وآخرون ممن وردوا في القائمة لا يقطنون في الدوحة أصلًا وليس لهم أي ارتباطات بقطر.
يذكرني هذا الأمر كثيرًا بما فعلته حكومة النمسا عام 1914، حين قدمت قائمة من المطالب المستحيلة وغير العادلة كذريعة لهجومها على صربيا، وهذا ما تفعله اليوم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، إذ قدموا لبلادي قائمة من الشروط التي تنال من استقلالية قطر وسيادتها.
ولم تتلق قطر أي تنبيه مسبق بهذه المطالب من ذي قبل، فرغم عضويتنا في مجلس التعاون الخليجي، لم يطلب منّا ولو مرة واحدة مناقشتها، ومع انتهاء مُهلة دول الحصار اليوم، يُهدد التحالف السعودي بعقوبات إضافية.
لقد تضرر آلاف المواطنين القطريين، ولقد كانت أمي في رحلة عمرة بمكة في السعودية، وعندما بدأ الحصار أُجبرت على العودة إلى الدوحة بطريقة غير مقبولة. وبالنظر إلى ادعاءات السعودية بحماية الحرمين الشريفين، فإن هذا الإقصاء لزوار بيت الله الحرام، يُعد إهانة للعالم الإسلامي كله.
ومن بين الشروط التي حاولت دول الحصار فرضها على قطر، هي إغلاق عدد من المؤسسات الإعلامية، من بينها قناة الجزيرة، تلك القناة الفضائية التي حازت العديد من الجوائز، وكذلك بعض المنافذ الإعلامية في لندن. موقف قطر واضح، فنحن ندعم حرية الصحافة، وهذه المنافذ الإعلامية لطالما كانت حرة في نشر محتوى ناقد حتى لقطر نفسها حتى في أثناء هذا الحصار، ومطالب دول الحصار بإغلاق هذه الوسائل الإعلامية غير مقبولة.
اقرأ/ي أيضًا: أبوظبي على لسان سفيرها في موسكو: حرية الصحافة والتعبير ليست لنا
لقد حصلت الجزيرة على إشادة دولية لتغطيتها لأخبار الشرق الأوسط بينما كانت المؤسسات الإعلامية الأخرى إما مؤيدة للأنظمة أو خاضعة لقيود شديدة. وخلال الربيع العربي، عرضت وسائل الإعلام في دول الحصار، صورًا لمشاهد هادئة في مدن كانت في الحقيقة تعج بالمتظاهرين الذين تقمعهم قوات الأمن. هذه الدول فرضت تعمية إعلامية على الحركات المناضلة من أجل الديمقراطية، والآن لا يستطيعون مسامحتنا لأن مواطنيهم كان بإمكانهم مشاهدة الجزيرة لمعرفة الحقيقة.
اليوم البرامج الحوارية ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة لوسائل الإعلام المدعومة رسميًا في السعودية والإمارات، تخوض رهانها الأكبر وتدعو لتغيير النظام في قطر. بعض مقدمي البرامج الحوارية وضيوفهم وصلوا إلى درجة المناداة بعمليات إرهابية داخل الأراضي القطرية.
وتعرض العديد من المسؤولين القطريين للاغتيال المعنوي والإهانة، حتى أنه في السعودية والإمارات، تمّ تجريم التعاطف مع أي شخص يدافع عن قطر على الإنترنت، حيث هددت الدولتان بفرض غرامات مالية كبيرة وعقوبات بالسجن قد تصل إلى 15 عامًا.
إن هذه حملة تدار على مستويات عليا، فقد قال وزير الدولة السعودي والمستشار الإعلامي لولي العهد محمد بن سلمان، على تويتر، إنه يأمل "ألا يقبل القطريون المطالب، وأن هذه مجرد البداية"، متعمدين تصعيد التوتر إلى درجة تهديد سيادتنا، حيث قال مدير شرطة دبي والأمن العام على تويتر: "لطالما كانت قطر جزءًا من الإمارات العربية المتحدة، ولا يمكن انتزاعها منها".
لنكن واضحين، اليوم تُعاقَب قطر لأن بعض القوى الرافضة للتغيير من الدول التي تفرض حصارها على قطر، مدفوعين بتغير ميزان القوى الجيوسياسية في المنطقة، رأوا فرصة في إخبار الناس في العالم العربي، أنهم إذا حلموا بالتغيير ستقضي عليكم الأنظمة الديكتاتورية، لكن قطر لن ترتدع في مواجهة هذا الهجوم غير المبرر.
على خلاف أنظمة عديدة في المنطقة تبنت قطر قيم الحكم الرشيد وحرية التعبير وحقوق الإنسان، وهي قيم متوافقة مع ما تتبناه أمريكا
قطر دولة ذات سيادة، تفخر بأن تكون على قمة سلم التطوير في العالم العربي. وهي تعتنق التغيير، وتشجع النقاش، وتدعم أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة مهما كانت خلفياتهم العرقية والدينية، وعندما جاء الربيع العربي فإنه لم يأت لصالح دين أو طائفة واحدة، بل لجميع الناس في المنطقة.
اقرأ/ي أيضًا: بعيدًا عن تخبط ترامب.. أمريكا "الرسمية" تقف ضد حصار قطر
لقد كنا إلى جانب مشاركتنا في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، عضوًا فعالًا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب، إذ تعد قطر مركزًا محوريًا للجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وقد قدمنا في سبيل ذلك قدرًا كبيرًا من الدعم المالي والسياسي، ونحن راضون عما بذلناه في هذا الصدد.
وعلى خلاف أنظمة عديدة في المنطقة تبنت قطر قيم الحكم الرشيد وحرية التعبير وحقوق الإنسان، وهي قيم متوافقة مع القيم التي تتبناها الولايات المتحدة، ولذا فإن على إدارة ترامب أن تنصح حلفاءها الخليجيين بتغيير مسارهم، أما إذا استمرت الولايات المتحدة في رضاها وإذعانها للأفعال العدائية من دول الحصار تجاه قطر، والتي قد تقود منطقتنا إلى مزيد من الانقسام وعدم الاستقرار؛ فإن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط سوف تتضرر.
اقرأ/ي أيضًا:
ما تبقى من أوراق الضغط السعودي والإماراتي على قطر.. فشلٌ من وراء فشل