اتفقت هياكل قوى الحرية والتغيير الخاصة بتشكيل الحكومة الانتقالية المدنية المرتقبة يوم الخميس 15 من آب/أغسطس 2019 على تولي الدكتور عبدالله حمدوك لمنصب رئيس مجلس الوزراء للفترة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات وثلاثة أشهر، حيث صعد اسم الخبير الأممي حمدوك للساحة السياسية عندما تم ترشيحه لتولي منصب وزير المالية السوداني في التشكيل الوزاري برئاسة معتز موسى، إبان فترة الرئيس المعزول البشير في أيلول/سبتمبر 2018، ولكنه اعتذر عن قبول تكليفه بالمنصب، رافضًا العمل في ظل حكومة البشير، حيث وجد تأييدًا كبيرًا، واحتفاءً ملفتًا من قبل الشارع السوداني نتيجة لهذا الرفض، فقد كان هنالك غضبٌ شعبيٌ عارم وقتئذ من قبل المواطنين تجاه سياسة حكومة النظام البائد، ثم بعد ذلك برز اسم الدكتور الاقتصادي أحمد عبد الله "حمدوك" وسط المرشحين لتولي رئاسة مجلس الوزراء في الفترة الانتقالية، بعد الإطاحة بالرئيس البشير وتولي المجلس العسكري الانتقالي إدارة البلاد، إلى أن تم الإعلان عنه رئيسًا للحكومة الانتقالية رسميًا من قبل الحرية والتغيير نهار الخميس.
يهتم عبدالله حمدوك بأربعة مجالات رئيسية تحتضن عشرات المجالات الفرعية وهي الحماية من المهددات وحكم القانون، وفرص التنمية المستدامة، والتنمية البشرية، والمشاركة وحقوق الإنسان
من هو عبدالله حمدوك رجل المرحلة المقبلة؟
علاوة على ما سبق، يحمل عبدالله حمدوك درجة الماجستير والدكتوراه في علم الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية بجامعة مانشستر البريطانية، كما يتمتع عبدالله حمدوك بخبرة طويلة من العمل في المجال الاقتصادي والحكم الرشيد، فقد عمل حمدوك بوزارة المالية في السودان في منصب كبير مسؤولين في الفترة من 1981-1987، إلا أنه غادر البلاد نتيجًة لسياسة الحكومة السودانية، ثم عمل في عدة محطات خارجية، حيث عمل في شركة مستشارين خاصة في زيمبابوي حتى عام 1995، ثم مستشارًا في منظمة العمل الدولية في زيبمبابوي حتى العام 1997، وتتركز خبراته في مجالات إصلاح القطاع العام، والحوكمة والاندماج الإقليمي وإدارة الموارد وإدارة الأنظمة الديمقراطية والمساعدة الانتخابية، حيث كانت آخر محطة عمل بها هي القائم بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا.
اقرأ/ي أيضًا: تقرير لجنة التحقيق يفتح الباب أمام مزيد من الاحتمالات الثورية في السودان
شروط عبدالله حمدوك لتولي المنصب
وضع عبدالله حمدوك جملة اشتراطات لتولي رئاسة الحكومة، من بينها أن يكون مجلس الوزراء بصلاحيات تنفيذية كاملة دون قيود من المجلس السيادي "رأس الدولة"، فقد كان رفض حمدوك لحقيبة وزير المالية إبان عهد الرئيس البشير المعزول بسبب تدخل رأس الدولة في سياسات الوزارة، الأمر الذي يرفضه عبدالله حمدوك بتاتًا. كما علل أسباب رفضه لوزارة المالية في فترة النظام البائد بأنه لا يوجد تناسق وكفاءة في الفريق الاقتصادي، مما يصعب من مهمة العمل.
فلسفة حمدوك لإدارة الحكومة
حاول عبدالله حمدوك في لقاءاته العديدة مع الإعلاميين والناشطين، ومن خلال حسابه على تويتر، تشخيص أزمات الدولة، إلى جانب وضع الحلول لها فهو يرى أن مشكلة السودان الرئيسية تكمن في إدارة التنوع والحكم الرشيد لأنها المدخل لرفاه اقتصادي مستدام، فهذا ما فشلت فيه حكومة الدكتاتور البشير السلطوية طوال ثلاثين عامًا، فلم تخاطب أسساسات المشكلة، ألا وهي إدارة التنوع بصورة تحترم ثقافات وعادات وتقاليد كل إقليم، بل تعاملت معها بصورة عنفوانيه، فسعت الإنقاذ إلى فرض ثقافتها النيلية على أقاليم السودان المختلفة، فيما زادت الأمر سوءًا محاولة البشير حكم كل السودان بقوانين الشريعة الإسلامية، رغم وجود جماعات مسيحية في مناطق مختلفة من جبال النوبة، وأقاليم الجنوب، فهذه الجماعات سودانية الأصل والنشأة، وسوء ادارتها تمخض عنه حمل السلاح من قبل تلك الجماعات، ووصل الأمر إلى انفصال جنوب السودان في 2011، فيما يرى مراقبون أن الفشل في إدارة التنوع كان سببًا مباشرًا له.
علاوة على ما سبق، يهتم عبدالله حمدوك بأربعة مجالات رئيسية تحتضن عشرات المجالات الفرعية وهي الحماية من المهددات وحكم القانون، وفرص التنمية المستدامة، والتنمية البشرية، والمشاركة وحقوق الإنسان، فلا يمكن الحديث عن مستقبل السودان دون مصاحبة تلك المجالات.
اقرأ/ي أيضًا: بعد انقطاع دام شهرًا.. عودة الإنترنت في السودان بـ#توثيق_مجزرة_القيادة_العامة
الشارع السوداني والجدال حول عبدالله حمدوك
المتابع عن كثب للشارع السوداني يجد أن سواده الأعظم يضع ثقته في حمدوك لرئاسة الحكومة، نسبًة لما يتمتع به من صيت في مجالات إصلاح القطاع العام، كما أن مقطع الفيديو الذي يتحدث عنه عبدالله حمدوك عن كيفية نمو اقتصادات أفريقيا وإيصالها للحكم الرشيد، والتسجيل الصوتي الذي انتسب له وهو يتحدث فيه عن كيفية خروج السودان من هذا المنعطف إلى بر الأمان، ساهما في وضع الثقة فيه من قبل بعض السودانيين، حيث وجد الفيديو والتسجيل الصوتي صدى واسعًا بين الناشطين السودانيين في وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح الكثيرون ينظرون إلى عبدالله حمدوك بأنه المخلص في هذه الفترة الانتقالية.
يجد المتابع عن كثب للشارع السوداني أن سواده الأعظم يضع ثقته في عبدالله حمدوك لرئاسة الحكومة، نسبًة لموقفه من نظام البشير ولما يتمتع به من صيت في مجالات إصلاح القطاع العام
في جانب آخر، يرى بعض السودانيين أن حمدوك لوحده لن يستطيع حل المشاكل المتراكمة منذ استقلال السودان، فالمجتمع له الدور الأكبر، وهنا تكمن المعضلة، فلا ينبغي وضع الحلول في شخص بعينه، فالإشكاليات التي خلفتها حكومة البشير طوال ثلاثين عامًا من الحكم العضوض، من المستحيل أن تحل بيد شخص واحد، أو خلال فترة قصيرة، فالأمر يحتاج إلى تضافر مزيدً من الجهود والعمل معًا، أضف إلى ذلك حاجة البلاد إلى التوافق السياسي وتعزيز الوفاق الوطني، فهما خطوات نحو الاستقرار السياسي والانتقال نحو الديمقراطية والبناء والتنمية ودولة العدالة والحرية التي قامت من أجلها الثورة.
اقرأ/ي أيضًا: