06-يونيو-2024
أسرى غزة ومعتقل سديه تيمان

(Getty) من المؤكد استشهاد 35 أسيرًا داخل معتقل "سديه تيمان"، إما داخل المعسكر أو بعد نقلهم لمستشفيات قريبة

بات من المحسوم وقوع فظائع موثقة من قبل الجيش الإسرائيلي، في معسكر الاعتقال "سديه تيمان"، ضد الأسرى من قطاع غزة، سواء على مستوى الاعتقال لمدة غير محددة ودون إجراء قانوني، أو على مستوى التعذيب الوحشي. وتكشف التقارير الجديدة، عن سلوكيات لم تنشر من قبل، أو تحمل شهادات إضافية عن معاناة أسرى غزة.

وتناول تقرير "نيويورك تايمز" الأميركية، التي كانت أول وسيلة إعلام تزور معسكر اعتقال سديه تيمان بإذن من الجيش الإسرائيلي، شهادات الأسرى وبعض الجنود فيه، والتي تكشف عن ظروف اعتقال مروعة، سبق الكشف عنها في عدة تقارير، مع تفاصيل إضافية في التقرير الحالي.

وافتتح التقرير بوصف "الرجال على الأرض في صفوف، مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، غير قادرين على رؤية الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يراقبونهم من الجانب الآخر من السياج الشبكي. مُنعوا من التحدث بصوت مرتفع، ومُنعوا من الوقوف أو النوم إلا عندما يُسمح لهم بذلك".

وأضاف التقرير: "ركع عدد قليل في الصلاة. وتم فحص أحدهم من قبل المسعف. وسُمح لآخر لفترة وجيزة بنزع الأصفاد من يديه للاغتسال. وجلس مئات المعتقلين الآخرين في صمت. لقد كانوا جميعًا معزولين عن العالم الخارجي، ومُنعوا لأسابيع من الاتصال بالمحامين أو الأقارب".

ويشير التقرير، إلى أنه بحلول أواخر شهر أيار/مايو، قضى ما يقرب من 4000 معتقل من غزة ما يصل إلى ثلاثة أشهر في "طي النسيان" في معسكر "سديه تيمان". وبحسب البيانات الإسرائيلية، فقد تم نقل حوالي 70% منهم إلى إلى السجون الإسرائيلية، وتم الإفراج عن البقية و"عادوا إلى غزة دون تهمة أو اعتذار أو تعويض".

قال جندي إسرائيلي خدم في معسكر اعتقال "سديه تيمان" إن الجنود كانوا يتفاخرون بانتظام بضرب المعتقلين

وقال محمد الكردي، 38 عامًا، وهو سائق سيارة إسعاف أكد جيش الاحتلال أنه اعتقل في "سديه تيمان" أواخر العام الماضي: "لم يعرف زملائي ما إذا كنت حيًا أم ميتًا. لقد سُجنت لمدة 32 يومًا. لقد شعرت وكأنها 32 عامًا". يشار إلى أن الكردي اعتقل في تشرين الثاني/نوفمبر خلال مروره عبر حاجز إسرائيلي عندما كان ينقل جرحى العدوان.

وقال ثمانية معتقلين سابقين، أكد جيش الاحتلال أنهم جميعًا اعتقلوا في "سديه تيمان"، إنهم تعرضوا للضرب والركل والضرب بالهراوات وأعقاب البنادق وجهاز كشف المعادن المحمول أثناء احتجازهم. وقال أحدهم إن ضلوعه كُسرت بعد أن رُكب على صدره، وقال محتجز آخر إن ضلوعه كُسرت بعد أن ركل وضرب ببندقية، وهو اعتداء قال محتجز ثالث إنه شهده. وقال سبعة إنهم أُجبروا على ارتداء الحفاضات أثناء استجوابهم. قال ثلاثة إنهم تعرضوا للصعق بالكهرباء أثناء استجوابهم.

وقال جندي إسرائيلي خدم في الموقع إن الجنود كانوا يتفاخرون بانتظام بضرب المعتقلين ورأوا علامات تشير إلى تعرض العديد من الأشخاص لمثل هذه المعاملة. مشيرًا إلى أن أحد المعتقلين نُقل للعلاج في المستشفى الميداني المؤقت بالموقع بسبب كسر في عظمته أثناء احتجازه، بينما أُخرج آخر لفترة وجيزة بعيدًا عن الأنظار وعاد مصابًا بنزيف في صدره. وأضاف أن شخصًا توفي في "سديه تيمان" متأثرًا بجروح أصيب بها في صدره.

ومن المؤكد استشهاد 35 أسيرًا داخل معتقل "سديه تيمان"، إما داخل المعسكر أو بعد نقلهم لمستشفيات قريبة.

وقال يوئيل دونشين، وهو طبيب عسكري يخدم في معسكر "سديه تيمان"، إنه من غير الواضح لماذا أسر الجنود الإسرائيليون العديد من الأشخاص الذين عالجهم هناك، والذين من غير المرجح أن يكون بعضهم مقاتلين شاركوا في الحرب. وأوضح أن أحدهم كان مصابًا بشلل نصفي، وآخر يزن حوالي 300 رطل، والثالث يتنفس منذ الطفولة من خلال أنبوب تم إدخاله في رقبته، وتساءل: "لماذا أحضروه؟ لا أعرف. إنهم يأخذون الجميع".

كيف اعتقل أهالي غزة؟

قال فادي بكر، طالب الحقوق من مدينة غزة، إنه اعتقل في 5 كانون الثاني/يناير على يد جنود إسرائيليين بالقرب من منزل عائلته. وأوضح بكر، 25 عامًا، الذي نزح بسبب الحرب على غزة في وقت سابق، أنه عاد إلى حيه للبحث عن الدقيق، لكنه وقع في وسط تبادل إطلاق النار وأصيب.

وأضاف أن الإسرائيليين عثروا عليه وهو ينزف بعد توقف القتال. وأضاف أنهم جردوه من ملابسه، وصادروا هاتفه ومدخراته، وضربوه واتهموه بأنه مقاتل نجا من المعركة. ويتذكر بكر أنه قيل له: "اعترف الآن وإلا سأطلق عليك النار". ويتذكر بكر إجابته قائلًا: "أنا مدني"، ولكن دون جدوى.

وقال يونس الحملاوي، 39 عامًا، وهو ممرض، إنه اعتقل في تشرين الثاني/نوفمبر بعد مغادرته مستشفى الشفاء في مدينة غزة. ووصف جميع المعتقلين الثمانية السابقين أسرهم بطرق مماثلة: "فقد كانوا معصوبي الأعين بشكل عام، ومقيدي الأيدي بأربطة، وجُردوا من ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية". وقال معظمهم إنهم تعرضوا للاستجواب واللكم والركل أثناء وجودهم في غزة، وقال البعض إنهم تعرضوا للضرب بأعقاب البنادق. وفي وقت لاحق، تم حشرهم مع معتقلين آخرين نصف عراة في شاحنات عسكرية ونقلهم إلى "سديه تيمان".

سديه تيمان.. غوانتانامو غزة

خلال الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة، بما في ذلك حرب عام 2014، كانت معسكر "سديه تيمان" يعتقل فيه بشكل متقطع أعدادًا صغيرة من سكان غزة الذين تم أسرهم. إذ أنه في الأساس مركز قيادة ومخزن للمركبات العسكرية الإسرائيلية، وتم اختيار المسعكر لأنها قريبة من غزة وتضم موقعًا للشرطة العسكرية، التي تشرف على مرافق الاحتجاز العسكرية.

في تشرين الأول/أكتوبر، بدأت إسرائيل في استخدام الموقع لاحتجاز الأشخاص الذين تم أسرهم خلال يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ووضعتهم في حظيرة دبابات فارغة.

وتحول معسكر "سديه تيمان" إلى قاعدة اعتقال أساسية بعد العدوان البري على قطاع غزة، إذ وصله الآلاف من أهالي القطاع، مما أدى إلى توسيع أماكن الاحتجاز.

بحلول أواخر أيار/مايو، كان المعسكر يضم ثلاثة مواقع احتجاز، وهي: "الحظائر التي تحرس فيها الشرطة العسكرية المعتقلين؛ والخيام القريبة حيث يعالج المعتقلون على يد أطباء عسكريين؛ ومنشأة استجواب في جزء منفصل من القاعدة يعمل بها ضباط استخبارات، من شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش والشاباك".

وكما أقر الاعتقال على أساس قانون "مقاتل غير شرعي، والذي يتيح اعتقال أي شخص من غزة لمدة 75 يومًا بدون إذن قضائي، و90 يومًا دون الاتصال بمحامٍ.

وقالت أستاذ القانون لورانس هيل كاوثورن إن قرار إسرائيل بتأخير المراجعة القضائية لقضية ما لمدة 75 يومًا دون إتاحة الوصول إلى المحامين أو الصليب الأحمر "يبدو لي وكأنه شكل من أشكال الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، وهو في حد ذاته انتهاك للقانون الدولي".

جحيم داخل المعتقل

وقال الشاب بكر، إنه اعتقل داخل قفص مفتوح في "سديه تيمان"، إذ أجبر على الجلوس مكبلًا لمدة تصل إلى 18 ساعة في اليوم، ولم يكن هناك أي جدار، مما جعل المكان يتعرض للمطر والبرد، وكان الحراس يراقبونه من الجانب الآخر من سياج شبكي.

كان جميع المعتقلين معصوبي الأعين، باستثناء واحد يعرف بالشاويش، وكان الشاويش بمثابة الوسيط بين الجنود والأسرى، حيث كان يوزع الطعام ويرافق السجناء الآخرين إلى مجموعة من المراحيض المتنقلة في زاوية مكان الاعتقال.

وقال عناصر من جيش الاحلال، إنه يُسمح لكل أسير بالوقوف كل ساعتين، والنوم بين الساعة 10 مساءً و6 صباحًا تقريبًا. وقالوا إنه سُمح للمعتقلين لفترة وجيزة في تشرين الأول/أكتوبر بخلع عصب أعينهم والتحرك بحرية داخل أقفاص الاعتقال.

وقال بكر إنه كان مرهقًا بعد وصوله إلى "سديه تيمان"، ونام بعد وقت قصير من وصوله، مما دفع أحد الضباط إلى استدعائه إلى غرفة قيادة قريبة. وأشار بكر إلى أن الضابط بدأ بضربه، ويتذكر قول الضابط: "هذه عقوبة من ينام".

وقال رفيق ياسين، 55 عامًا، وهو عامل بناء تم اعتقاله في كانون الأول/ديسمبر، إنه تعرض للضرب على بطنه بعد محاولته إلقاء نظرة خاطفة من تحت العصابة على عينيه. وأكد أنه بدأ يتقيأ دما وعولج في مستشفى مدني في بئر السبع. 

وقال الجندي الإسرائيلي الذي شهد الانتهاكات إن أحد المعتقلين تعرض للضرب المبرح لدرجة أن ضلوعه نزفت بعد أن اتهم بإلقاء نظرة تحت عصابة عينيه، بينما تعرض آخر للضرب بعد أن تحدث بصوت عالٍ.

ومثل المعتقلين السابقين الآخرين، يتذكر بكر أنه كان يتلقى ثلاث وجبات خفيفة في معظم الأيام، عادة ما تكون عبارة عن خبز يقدم مع كميات صغيرة من الجبن أو المربى أو التونة، وأحيانًا الخيار والطماطم. وقال جيش الاحتلال إن الوجبات الغذائية "تمت الموافقة عليها من قبل أخصائي تغذية معتمد من أجل الحفاظ على صحتهم"، وفق تعبيره.

ووفقًا لعدد من المعتقلين السابقين، لم يكن ذلك كافيًا. وقال ثلاثة منهم إنهم فقدوا أكثر من 40 رطلًا أثناء احتجازهم.

وقال إسرائيليان كانا في مستشفى معتقل معسكر "سديه تيمان"، إن موظفيه كانوا أصحاب خبرة قليلة. وأوضح أحدهم، أنه في بداية لم يكن المرضى يتلقون ما يكفي من مسكنات الألم أثناء الإجراءات المؤلمة.

وقالت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، في تقرير لها في نيسان/أبريل إن المستشفى الميداني كان "نقطة منخفضة بالنسبة لأخلاقيات الطب والكفاءة المهنية".

واعترفت الإدارة الحالية للمستشفى في المعسكر الإسرائيلي بأنها لم تكن دائمًا مجهزة تجهيزًا جيدًا كما هي الآن.

وقال الطبيب دونشين، في بعض النواحي، إن العلاج في العيادة الميدانية أصبح الآن "أفضل قليلاً"، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنه يعمل بها بعض أفضل الأطباء في إسرائيل. إذ كان دونشين، وهو مقدم في الاحتياط العسكري، طبيب تخدير لفترة طويلة في أحد المستشفيات الكبرى في القدس، ويقوم الآن بالتدريس في كلية طب.

وأكد الأطباء العاملون في "سديه تيمان"، إنهم طُلب منهم أيضًا عدم كتابة أسمائهم على أي وثائق رسمية وعدم مخاطبة بعضهم البعض بالاسم أمام المرضى. وقال الدكتور دونشين إن المسؤولين يخشون التعرف عليهم واتهامهم بارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية.

كيف يستجوب الأسرى؟

وبعد أربعة أيام تقريبًا من وصوله، قال بكر إنه تم استدعاؤه للاستجواب. إذ تم نقله إلى مكان يطلق عليه الأسرى اسم "غرفة الديسكو"، لأنهم أجبروا على الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة للغاية التي منعتهم من النوم. واعتبر بكر ذلك شكلًا من أشكال التعذيب، قائلًا إنه كان مؤلمًا للغاية لدرجة أن الدم بدأ يسيل من داخل أذنه.

وأقر جيش الاحتلال باستخدام "الموسيقى" زاعمًا أنها "لم تكن عالية وغير ضارة"، وكان الهدف منها "منع المعتقلين من الحديث مع بعضهم بسهولة قبل الاستجواب".

قال الجندي الإسرائيلي الذي شهد الانتهاكات إن أحد المعتقلين تعرض للضرب المبرح لدرجة أن ضلوعه نزفت بعد أن اتهم بإلقاء نظرة تحت عصابة عينيه، بينما تعرض آخر للضرب بعد أن تحدث بصوت عالٍ

وقال الحملاوي، كبير الممرضين، إن ضابطة أمرت جنديين برفعه والضغط على شرجه في عصا معدنية مثبتة على الأرض. وأضاف الحملاوي أن العصا اخترقت شرجه لمدة خمس ثوان تقريبًا، مما تسبب في نزيف وتركه في "ألم لا يطاق".

وتفصل مسودة مسربة من تقرير الأونروا مقابلة قدمت رواية مماثلة. واستشهدت بمحتجز يبلغ من العمر 41 عامًا قال إن المحققين "أجبروني على الجلوس على شيء مثل عصا معدنية ساخنة وشعرت بالنار"، وقال أيضًا إن أسيرًا آخر "مات بعد أن وضعوا العصا الكهربائية" في شرجه.

ويتذكر الحملاوي أنه أُجبر على الجلوس على كرسي موصل بالكهرباء. وقال إنه تعرض للصدمة في كثير من الأحيان، لدرجة أنه بدأ التبول بشكل لا يمكن السيطرة عليه في البداية، وتوقف بعد ذلك عن التبول لعدة أيام. وأكد أنه أيضًا أُجبر على ارتداء حفاضات، لمنعه من تلويث الأرض.

قال إبراهيم شاهين، 38 عامًا، وهو سائق شاحنة تم احتجازه في أوائل كانون الأول/ديسمبر لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا، إنه تعرض للصعق ما يقرب من ست مرات أثناء جلوسه على كرسي.