وسط ما تعانيه بسبب العقوبات التي فرضت عليها بعد غزوها لأوكرانيا، تشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى حاجة موسكو إلى حلفاء غير تقليديين. وفي هذا الإطار، تكشف الصحيفة عن أن روسيا تنفتح على "علاقة صعبة مع كل من إيران والسعودية، الغريمين التقليديين، لبناء تحالفات مستقبلية، حيث تركز من خلال هذا التحالف على مصالحها الخاصة".
روسيا تنفتح على "علاقة صعبة مع كل من إيران والسعودية، الغريمين التقليديين، لبناء تحالفات مستقبلية"، حسب ما تشير "واشنطن بوست"
ووفق الصحيفة، فإن العلاقات تعيد رسم التحالفات الإقليمية لعقود قادمة، حيث توازن موسكو في علاقتها بين الغريمين اللدودين، فهي تريد الحصول على الأسلحة من طهران لاستمرار عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه تربط العلاقة مع الرياض بالحفاظ على أسعار النفط مرتفعة.
ورغم النفي الإيراني والروسي لعمليات توريد الأسلحة، إلا أن الصحيفة تشير لحادثة على أحد التلفزيونات الموالية للحكومة الأسبوع الماضي، حيث تم الكشف عن أن الطائرات المسيرة التي تستخدمها روسيا في تدمير البنية التحتية في أوكرانيا يتم تصنيعها في إيران. فقد قال الخبير العسكري المقرب من وزارة الدفاع الروسية رسلان بوخوف، لمذيعي تلفزيون "آر بي سي"، "نعلم جميعًا أن الطائرات بدون طيار إيرانية"، قبل أن يتمتم "لكن الحكومة لا تعترف بذلك".
وبالنسبة لـ"واشنطن بوست"، يمثل التدخل الإيراني عن طريق مبيعات الأسلحة إلى روسيا "تحولًا زلزاليًا"، فهو أول تدخل إيراني في حرب أوروبية، ودور عسكري "يشكل مخاطر غير مؤكدة للولايات المتحدة، وإسرائيل، وتركيا وغيرها". وهو ما يؤكده محلل الشأن الإيراني في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى هنري روما للصحيفة، موضحًا أن "هذا فصل جديد تمامًا في العلاقات الإيرانية الروسية".
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن العلاقة بين البلدين ليست جديدة، بل متجددة، ومبنية على "خدمة مصالحهما، بالبحث عن أرضية توافق بينهما". فروسيا وايران تدخلا عسكريًا في سوريا دعمًا لنظام بشار الأسد، لكن العلاقة تطورت بشكل أوثق هذا العام، حيث جرت سلسلة من الاجتماعات بين المسؤولين الروس والإيرانيين، كان أبرزها لقاء بوتين في تموز/يوليو الماضي مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي، الذي تبنى الرواية الروسية قائلًا إن "إيران ليست سعيدة بما يحدث للناس العاديين في الحرب، لكن في قضية أوكرانيا، لولا الخطوة الروسية لقام الطرف الآخر بإشعال فتيل الحرب".
كما زار النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر، ومسؤولون أمنيون إيرانيون موسكو هذا الشهر، حيث اتفقوا على شحنات أسلحة جديدة، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" للأنباء. بالإضافة لتأكيدات من مسؤولين أمريكيين بأن الإيرانيين يدربون مشغلي الطائرات المسيرة الروسية في قاعدة في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا.
وعلى الجانب الاقتصادي جرت نقلة نوعية في العلاقة بين البلدين، فقد عقدت محادثات بين الجانبين في تموز/ يوليو الماضي، انتهت بتوقيع شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" مذكرة تفاهم بشأن صفقة بقيمة 40 مليار دولار مع شركة النفط الوطنية الإيرانية. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أرسلت روسيا وفدًا من 65 من كبار رجال الأعمال إلى إيران لمناقشة مشاريع تهم البلدين. وبالرغم من تلك "العلاقة الوردية" وفق تعبير الصحيفة، إلا أنها تواجه خطر انعدام الثقة المستمر، فقد صوتت روسيا في السابق لصالح عقوبات الأمم المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي، ورأى القادة الإيرانيون أن دور روسيا لم يكن مفيدًا خلال المحادثات الدولية التي أفضت إلى توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
وفيما يخص العلاقة مع السعودية، أشارت الصحيفة إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب قرار الأخيرة خفض إنتاج النفط للحفاظ على ارتفاع الأسعار، حيث حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من "عواقب لما فعلوه مع روسيا". ونقلت "واشنطن بوست" ما كتبته مؤسسة "كارنجي للسلام الدولي" مؤخرًا من أن "بوتين يمكنه استخدام القوة النفطية الروسية، جنبًا إلى جنب مع السعودية ودول الخليج، لإيذاء خصومه الغربيين".
العلاقات تعيد رسم التحالفات الإقليمية لعقود قادمة، حيث توازن موسكو في علاقتها بين الغريمين اللدودين
وبحسب الصحيفة، ترى السعودية وآخرون أن "اهتمام واشنطن بمنطقتهم قد تراجع، ما جعل التعاون مع موسكو أكثر إثمارًا بالنسبة لهم". لكنها لا توضح ما يمكن أن يجنيه هذا التحالف للمصالح السعودية سوى تصريح بوتين الأخير الذي أشاد فيه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي "يسعى فقط لتحقيق مصالحه الوطنية بقراره خفض إنتاج النفط".