عسكري برتبة لواء، يبلغ من العمر 56 عامًا، تجاوز العديد من قادته حتى تولى منصبًا شديد الخصوصية والأهمية في القوات المسلحة المصرية، ولكنه ينتظر مصيره الطبيعي كقائد عسكري في نظام مستقر، ويتمنى الحصول على وظيفة من بين خمسة مناصب معتادة عقب خروجه على المعاش في عام 2014.
غير أن اللواء عبد الفتاح السيسي تحول بفضل الثورة المصرية في 25 يناير2011، إلى منصب لم يكن يحلم به، وفي سرعة البرق ترقى من رتبة لواء إلى فريق ووزير للدفاع ثم صار مشيرًا، وبدلًا من أن يخرج للمعاش في 2014، أصبح رئيسًا للجمهورية في منتصف 2014. ورغم هذا الفضل البيّن للثورة المصرية على السيسي، إلا أنه يراها "وعيًا زائفًا" و"توصيفًا غير صحيح للأزمات في عهد مبارك"، محذرًا من تكرار تحركات شبيهة.
بفضل الثورة المصرية، تحوّل السيسي من لواء جيش عادي، إلى وزيرٍ للدفاع ثم رئيسًا للجمهورية
بدورنا نبحث في الفرص الوظيفية المحتملة للسيسي في حال استمر الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في الحكم، أو تولى نجله الأصغر جمال مبارك الحكم كمان كان مخططًا، وهل كانت الثورة المصرية بالفعل "وعيًا زائفًا"، أم فرصة لا تكرر كثيرًا للمحظوظين عبر التاريخ.
"وعيٌ زائف"
لم يكن مصدر تلك العبارة أحد أعمدة نظام مبارك ورجال عصره، أو وزير من وزرائه أطاحت به الثورة وقضى شهورًا أو سنوات خلف قضبان السجن قبل أن يخرج منه في مهرجان البراءة للجميع، وإنما صدرت عن أحد أكثر المصريين استفادة من ثورة يناير، إنه الرئيس المصري الحالي ذو الخلفية العسكرية، عبدالفتاح السيسي.
اقرأ/ي أيضًا: السيسي الذي لا يخطئ
وزير الدفاع السابق الذي أطاح بالرئيس الأسبق محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو 2013، قال خلال مؤتمر الشباب الوطني الثالث في مدينة الإسماعيلية، قبل أيّام: "لما الناس تحركت في 2011، كان جزء من التوصيف لحجم المشكلة ليس حقيقي، التوصيف لمشكلة مصر خلال 30 سنة الماضية لم يكن حقيقي، كان وعي زائف لكم". واستمر السيسي منفعلًا: "قالك حل المسالة واتحرك وشيل، وأنت بتتحرك وتشيل بتشيل مستقبلك، عايز تتحرك تاني اتحرك بس أنت كده بتضيعها خالص، وهتضيّع مستقبلك أنت وأولادك وأولاد أولادك".
الدستور المصري الذي أقسم السيسي على احترامه، يشير في ديباجته إلى احترام ثورة 25 يناير، ووصفها بـ"إرادة الشعب": "وقدمنا الشهداء والتضحيات في العديد من الهبات والانتفاضات والثورات، حتى انتصر جيشنا الوطني للإرادة الشعبية الجارفة في ثورة 25 يناير"، ثم يُسهب في توصيف تلك الحالة الثورية التي "دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية، واستعادت للوطن إرادته المستقلة".
ولولا الثورة المصرية، أو "الوعي الزائف" بتعبير السيسي، لكان الآن على الأرجح في منصب من هذه المناصب الخمسة:
1. خبير عسكري في الإعلام
تبدو أنها الوظيفة الأقرب لشخصية السيسي رغم عدم وجود رئيس سابق للمخابرات العسكرية قد عمل بها، إذ يتحدث السيسي دائمًا عن معلومات مبهمة وغير مكتملة وسرية، الأمر الذي يعطي انطباعًا كبير بالخطورة والغموض، فضلًا عن نفوذ المتحدث ذي الطابع الأسطوري، وهو من أكثر ما يُروج له في الإعلام وأكثر نمط يفضله كثير من المشاهدين، كما هي الحال مع الخبراء الإستراتيجيين والعسكريين، مثل اللواء عبد المنعم كاطو واللواء سامح سيف اليزل وآخرين. ويتميز السيسي فكريًا بالتقارب مع بعض الخبراء الذين يدور حديثهم عن المؤامرة وحروب الجيل الخامس.
ومهنة الخبير الإستراتيجي العسكري كانت نادرة الانتشار في مصر قبل ثورة 25 يناير، ولكنها كانت موجودة، وممتهنها عسكري سابق يُعطى لقب لواء، وإن لم يصل إلى هذه الرتبة، ويشارك في البرامج والحوارات الصحفية مندوبًا عن القوات المسلحة دون إعلان ذلك صراحة، ويلقي ببعض التصريحات والتسريبات التي ترغب الشؤون المعنوية للجيش بنشرها.
2. محافظ لمحافظة حدودية
وتعد هذه الوظيفة الأقرب للظروف السياسية في حال استمرار نظام مبارك، فمن المتبع منذ عشرات السنوات تعيين عسكريين للمحافظات الحدودية المصرية، وسبق السيسي خلال عهد مبارك ثلاثة رؤساء للمخابرات عُيّنوا محافظين، وهم محمد الدسوقي الغياتي، وعين محافظًا لشمال سيناء عام 1996، وكمال عامر الذي عُيّن محافظًا لمحافظة مطروح وانتقل بعدها لمحافظة أسوان، ومراد موافي الذي عُيّن محافظًا لشمال سيناء لمدة عام واحد قبل أن يستعين به عمر سليمان كمدير للمخابرات العامة في شباط/فبراير 2011.
3. لواء على المعاش
شخصية السيسي المحافظة، والخلفية التجارية لعائلته، وقدرته على الضبط والربط، كلها عوامل كانت من الممكن أن تدفع بتعيينه رئيسًا لشركة حكومية كبيرة، أو خاصة استثمارية، ولكانت تلك الخطوة لتأتي حال وصوله لسن المعاش دون الحصول على رضا مبارك ورجاله.
وبشكل عام يعتمد قياديون عسكريون بعد خروجهم على المعاش، على العمل تحت اسم لواء سابق، أو لواء على المعاش، وهو مُسمى يحصد به الوظائف في الشركات الكُبرى براتب كبير، كواجهة اجتماعية واقتصادية لهذه الشركات، وبخاصة التي تعمل في مشاريع من الباطن مع القوات المسلحة المصرية. وتنتشر تلك المهنة بشكل كبير أيضًا في صفوف قيادات الداخلية على المعاش، مع ارتفاع أعداد الجنرالات.
اقرأ/ي أيضًا: السيسي خائفٌ من ثورة جديدة
4. رئيس هيئة الرقابة الإدارية
اثنان من مديري المخابرات الحربية في عهد مبارك تولوا رئاسة هيئة الرقابة الإدارية: الأول أحمد عبد الرحمن، أول مدير للرقابة بعد عودتها من جديد في عهد مبارك، والثاني محمد فريد التهامي، الذي تولى هذا المنصب في عام 2004 خلفًا للواء هتلر أحمد طنطاوي. واستمر محمد فريد التهامي رئيسًا للهيئة حتى عام 2012.
شخصية السيسي المحافظة، والخلفية التجارية لعائلته، كانتا لتؤهلانه لوظيفة مرموقة في إحدى الشركات الكبرى بعد خروجه على المعاش
والرقابة الإدارية واحدة من أبرز الأجهزة التي تدعم سيطرة الرئاسة على الموظفين والوزراء ومراقبتهم، وما كان من السهولة أن يدخل السيسي بديلُا للتهامي، الرجل القوي لدرجة عودته للعمل الأمني في منصب رئيس المخابرات العامة في تموز/يوليو 2013، عقب عزل محمد مرسي بأيّام.
5. بديلًا لعمر سليمان
خلال عهد مبارك انتقل اثنان فقط من رئاسة المخابرات العسكرية إلى رئاسة المخابرات العامة، وهما اللواء أمين نمر الذي تولى إدارة جهاز المخابرات العامة لمدة ثلاث سنوات بعد أن كان رئيسًا للمخابرات الحربية، وانتقل بعدها ليكون سفيرًا في دولة الكويت، قبل حرب الخليج الأولى.
فيما كان عمر سليمان اللواء الثاني، والذي عقب توليه المنصب أغلق موسم الانتقالات المعتاد لقادة المخابرات الحربية لمبنى المخابرات العامة. واستمر عمر سليمان في منصبه مديرًا للمخابرات العامة، 18 عامًا، من 1993 إلى 2011، واستعان به مبارك ليكون نائبه قبل أن يُعزل الأخير تحت ضغط المجلس العسكري برئاسة وزير الدفاع آنذاك محمد حسين طنطاوي.
اقرأ/ي أيضًا: خمسة أخطاء دمغت عهد السيسي
ويعد هذا المنصب، أي بديل عمر سليمان، الأصعب على السيسي أو غيره لو أن مبارك استمر في الحكم، وذلك أنه من الصعب للغاية تخطي عمر سليمان، الرجل الأقوى في نظام مبارك.
في النهاية يبدو أنه من غير المنطقي حديث السيسي بهذا الشكل عن ثورة يناير، إذ كان من قبل يتحدث عنها بلهجة إيجابية، لكن الأمر بات غير مستغرب على الرجل وهو الذي تتضارب تصريحاته بين الفينة والأخرى بشكل فج منذ توليه الحكم.
اقرأ/ي أيضًا: