حضرت "مارين لوبان" إلى بيروت ولم يحضر واجبها. ما معناه باللبناني أن المرشحة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عن اليمين المتطرف زارت العاصمة اللبنانية والتقت عددًا من المسؤولين السياسيين فيها، إلا أن الحفاوة التي قوبلت بها ظلّت باهتة، ليس لأنها تستحق الأكثر بل لأن الأفكار المسبقة عن الزائرة "المتطرفة" وما أدلت به من تصريحات خلال تنقلّها بين قصور الرئاسة الرسميّة والمقرّات الحزبيّة أثقل خطواتها وجعل منها ضيفةً غير مرغوب فيها أقلّه من قبل نصف اللبنانيين الذين يرَون في بشار الأسد عدوًا للإنسانية وشرًا يتربّص بالشعبين اللبناني والسوري معًا.
جاءت مارين لوبان للبنان لتُروّج لانكبابها على مكافحة ما أسمته بـ "التطرف الإسلامي" والتأكيد على موقفها من بقاء بشار الأسد
لكن لمَ زارت لوبان لبنان بعيد شهرين من الانتخابات الرئاسية الفرنسية وفي خضم حملتها وسط استطلاعات الرأي التي تُبيّن تقدمها تارةً وتراجعها تارةً أخرى لصالح منافسها فرانسوا فيون؟.. بين ما بان في الكلام وما ظهر في "الاستعراض"، بدا جليًا أن رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف في فرنسا حضرت إلى لبنان لتبحث شؤونًا "استراتيجية" تتعلق بالأمن القومي لبلادها. هي لم تُصرّح مباشرةً أنها أتت لتُخاطب ناخبيها من على المنابر اللبنانية، إلا أنها جاءت لتُروّج لانكبابها على مكافحة ما أسمته بـ "التطرف الإسلامي" والتأكيد على موقفها من الحرب السورية وبقاء بشار الأسد.
اقرأ/ي أيضًا: مارين لوبان..تحت مطرقة الوظائف الوهمية والفساد
لبنان النائي بنفسه عن الأزمة السوريّة رغم ما يطاله من نيرانها، والجار الذي يؤدي "واجبات" الجيرة في استقبال العدد الأكبر من النازحين، لم تكن تنقصه إلا "لوبان" التي تطمح لأن تصبح رئيسة لفرنسا في أيار/مايو المقبل، لتخبره في معرض عبارات "الإطراء" للعلاقات اللبنانية/الفرنسية أن أزمة اللاجئين ذات وطأة شديدة عليه وتحمّله "أعباء كبرى يتمكن بشجاعته وكرمه من أن يتخطاها"، متداركةً: "لكن من البديهي أن هذه الأزمة لا يمكن أن تستمر إلى ما شاء الله بالنظر إلى عواقبها الجسيمة التي تطال الاقتصاد ونظام الصحة ومختلف أوجه العناية بهذا العدد الهائل من النازحين".
ما لم تقله لوبان في قصر بعبدا في أعقاب لقائها الرئيس ميشال عون، أكملته في السرايا الحكومية حيث أشارت بعد لقائها الرئيس سعد الحريري إلى رؤيتها للملف السوري، معتبرةً أنه لا يوجد أي حلّ قابل للحياة ومعقول في سوريا "خارج الاختيار ما بين الثنائي بشار الأسد من جهة وداعش من جهة أخرى"، مشيرةً إلى أن الأسد "يشكل حلًا يدعو إلى الاطمئنان أكثر بالنسبة لفرنسا من تسلّم تنظيم داعش الإرهابي أو أي من حلفائه الحكم في سوريا".
وتماشيًا مع موقفها، وفي مقر وزارة الخارجية والمغتربين، أسمعت المرشحة الفرنسية الوزير جبران باسيل ما يُدغدغ أذنيه حول "حماية المسيحيين" في الشرق الأوسط، مشيرةً إلى أن أفضل طريقة لذلك تكون عبر "القضاء على التطرف الإسلامي".
أما الأصداء التي أملتها رئيسة "الجبهة الوطنية" من كلامها في مقر حزب "الكتائب" خلال لقائها رئيس الحزب سامي الجميل وبالرغم مما علّقته على العلاقة السابقة التي كانت جمعت الجبهة مع الأحزاب اليمينية المسيحية وما قيل في هذا الإطار عن مشاركة أعضاء منها في القتال خلال الحرب اللبنانية، لم تأتِ كما المشتهى إذ لا يشاطر الجميل ضيفته حمى دعم الأسد على الأقل، حاله في ذلك حال سمير جعجع الذي حظي بمرور لوبان والتي كان حزبها من داعميه خلال سنوات الحرب اللبنانية التي كان أحد أقطابها.
أشارت الزعيمة الفاشية الفرنسية مارين لوبان إلى أن الأسد "يشكل حلًا يدعو إلى الاطمئنان"، كما "ترحمت" على العقيد معمر القذافي
اقرأ/ي أيضًا: انظروا إلى فرنسا..هناك ما ينافس سوء انتخاب ترامب
زيارة "لوبان" لم تقتصر على القيادات والمسؤولين السياسيين، بل كانت لها محطة في بكركي عبّرت خلالها عن موقفها من موضوع النازحين للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي. كما حضرت إلى دار الفتوى للقاء المفتي عبداللطيف دريان، لكنها رحلت بعد ما رفضت الامتثال لمقتضيات البروتوكول الذي يفرض على من يزور المفتي من النساء وضع غطاء للرأس.
اللبنانيون الذين واكبوا الزيارة بتعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، استغرب بعضهم استقبال "لوبان" أصلًا في لبنان، خصوصًا وأن عددًا من المسؤولين كانوا تجنبوا لقاءها كالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وعدد من المسؤولين الكنديين. كما أن مواقفها المتطرفة في مواجهة ما تراه متطرفًا مستنكرة محليًا في فرنسا، فما بالك في لبنان حيث سيزيد تطرفها اليميني "طينة" الأجواء بلّة.
حضرت مارين لوبان إلى لبنان وعادت من حيث أتت، تاركةً الخشية من سيطرة اليمين المتطرّف في مراكز القرار العالمي في مقابل تطرف الإرهاب الذي لا دين له ويبطش يمينًا ويسارًا.
اقرأ/ي أيضًا: