شكّلت "مبادرة المناطق الثلاث"، وهي مبادرةٌ سورية سياسية معارضة، هيئةَ عملٍ تنسيقية لتنظيم العمل المعارض في سوريا، وجاء الإعلان عن الهيئة الجديدة تحت اسم "تضامنية العمل والاجتماع السوري".
ووفقًا لبيانٍ صادرٍ عن المبادرة التي تم الإعلان عنها في الثامن من آذار/مارس الماضي، فإنّها قد "تطورت إلى آلية تضامنٍ وعملٍ سوري مشترك، تكوّنت بعد سلسلة حوارات ضمّت مجموعةً من القوى والتشكيلات المحلية من المؤمنين بضرورة تنسيق العمل على المستوى الوطني السوري، وبتلازم الأخلاق والسياسة والاستقواء بالسوريين بوصفه منهجًا لازمًا في العمل السياسي"، وفق بيان التأسيس.
وتلتحق "تضامنية العمل والاجتماع السوري" التي أُعلن عنها مؤخرًا بالمشهد السوري المعارض الذي تزدحم فيه العديد من التيارات والهيئات والمجالس والاتحادات، التي ظهرت إلى الوجود مع بداية الثورة السورية 2011، لكن القاسم المشترك بينها هو عدم قدرتها ـ حتى اللحظة ـ على كسب ثقة الطيف السياسي السوري المعارض على المستويين المنظم منه وغير المنظم الشعبي، مع الإشارة إلى طغيان المظهرية أو الشكلية واللحظية على العمل المعارض، ففيما عدا الإجماع على معارضة النظام تبقى المضامين السياسية للعمل السوري المعارض "هزيلةً" و"متنافرةً"، وعمّق من تلك الحالة وجود السلاح بيد الكثير من الفصائل المحسوبة على المعارضة، بالإضافة للتبعية "العمياء" لأجندة بعض القوى الإقليمية.
السؤال الصعب الذي يُطرح على "تضامنية العمل والاجتماع السوري" التي أُعلن عنها مؤخرًا هو: إلى أي مدى ستتمكن من نيل ثقة الشارع السوري المعارض؟
وعلى الرغم من المحاولات التي تبذلها بعض الفعاليات السياسية لتنسيق العمل المعارض، أو لتشكيل "مجلس لقيادة الثورة" كما هو الحال في ريف حلب الشمالي استنادًا لاعتصام "الكرامة" في مدينة أعزاز، كبرى مدن ريف حلب الشمالي، إلّا أنّ التباينات والحسابات والمصالح السياسية تحول دون تحقيق ذلك. فعلى الرغم من رفض الأداء السياسي لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية ما تزال جهود الشخصيات المعنية بتشكيل جسمٍ سياسيٍ بديل أكثر فاعليةً وإقناعًا عاجزةً عن ذلك.
وبالتالي فإنّ السؤال الصعب الذي يُطرح على "تضامنية العمل والاجتماع السوري"، التي أعلن عنها بحر هذا الأسبوع هو إلى أي مدى ستتمكن من نيل ثقة الشارع السوري المعارض؟
شدّد البيان التأسيسي لتضامنية العمل والاجتماع السوري على مجموعةٍ من النقاط أهمّها اعتبار "القضية السورية قضيةً وطنية"، إضافةً لرفض أي محاولاتٍ لـ"شرعنة النظام"، واعتبر البيان أنّ"حاجة السوريين إلى ملكية قرارهم السياسي الوطني، حاجةٌ ضرورية ولازمة لبناء مشروع السوريين التحرري والتأسيسي الذي بدأ في 2011".
وشدد البيان على أن تضامنية العمل والاجتماع السوري "سوريةٌ محضة لم تشارك أي جهةٍ غير سوريةٍ في إنشائها"، وأكّد البيان أنّ "الانتقال السياسي انتقال إلى الديمقراطية بالضرورة، بما تتضمن من قيمٍ أخلاقية، واحترامٍ مشترك، واعتدادٍ بالاختلاف".
يذكر أن بيان تأسيس التضامنية قد وُقّع من طرف تياراتٍ وهيئاتٍ سياسية عديدة، بالإضافة إلى شخصياتٍ معارضة وناشطين مختلف أرجاء سوريا.
وفي تصريحٍ لصحيفة "العربي الجديد" قال عبد الرحمن الحاج، وهو أحد القائمين على المبادرة، إن "التضامنية هي آلية تواصلٍ بين الأطراف المنضمة إلى مبادرة المناطق الثلاث في سوريا". معتبرًا أنه "بعد إعلان المبادرة والنقاشات التي نشأت بين الأطراف منذ إعلانها قبل خمسة أشهر صار لا بد من آليةٍ تنظم المشترك بين المناطق، فأطلقنا هذه التضامنية لتشكل الآلية اللازمة"، وفق تصوّره.
لافتًا إلى المبادرة والأطراف المنضوية تحتها "ليسوا حزبًا ولا يريدون أن يعطوا أي نوعٍ من الانطباع بأن هذه الآلية هي شكلٌ تنظيمي سياسي، لذا حاولنا تجنب الأسماء التقليدية المستخدمة وركزنا على الطابع العملي لها"، مردفًا القول: "وجدنا أن صيغة تضامنية أكثر تعبيرًا وأقرب إلى ما نريده، فباختصار: التضامنية هي آلية عملية للتنسيق والعمل المشترك بين أطراف مبادرة المناطق الثلاث وليست حزبًا جديدًا"، والمأمول منها، حسب المتحدث ذاته أن "تحقّق هذه الخطوة تقدمًا في النشاط والعمل في الشارع السوري".
يذكر أنّ مبادرة المناطق الثلاث أطلقت في الثامن من آذار/مارس الماضي، من طرف "مثقفين في مناطق السويداء ودرعا، في الجنوب السوري، وفي ريف حلب الشمالي، والتي انضم إليها لاحقًا تجمع العمل الوطني الذي شكلته مجموعة من أبناء الساحل السوري".
يشار إلى أن بيان التأسيس لمبادرة المناطق الثلاث أكّد أنها تستند على مبادئ، في مقدمتها: "تأميم السياسة، أي عدم تسليم القرار العمومي السوري لأي قوةٍ أجنبية، أو دولةٍ أخرى، أو مليشيا، أو جماعاتٍ حزبية، أو عصبية، وعدم مصادرة قرار السوريين"، ولعلّ هذا ما جعلها تتخذ موقفًا سلبيًا من قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وذراعها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" بعد ترحيب الأخير بتأسيس المبادرة.
وبالإضافة لمبدأ "تأميم السياسة" ترى المبادرة أنّ "الحياة، والحرية، والأمان، والكرامة، حقوقٌ مصونة للسوريين كلهم، تقع في مركز تفكير السياسة السورية، كما تناهض كل فعلٍ، أو خطاب يدعو إلى الكراهية، أو يروج للقبول بمصادرة الحريات والكرامة ومقايضتها بالاستقرار".
ويؤكد المشرفون على المبادرة في بيانهم التأسيسي على أنّ "الدولة الوطنية لجميع أبنائها، وليست دولة ملّة، أو طائفة، أو جماعة عرقية، أو حزب، أو تيار سياسي"، ومن هذا المنطلق يشددون على رفض " العصبيات والتحزبات" على حدّ توصيفهم.