مع دخول العدوان على قطاع غزة يومه الـ62، واصلت آلة الحرب الإسرائيلية استهداف المدنيين وارتكاب المجازر بحقهم، في وقت تتواصل فيه الاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال المتوغلة على عدة محاور شمال وجنوب قطاع غزة.
ويشهد القطاع، منذ انتهاء الهدنة مطلع كانون الأول/ديسمبر الجاري، قصفًا عنيفًا ومكثّفًا على مدار الساعة، تزامنًا مع تنفيذ جيش الاحتلال عملية برية في جنوب القطاع فاقمت سوء الأوضاع الإنسانية والصحية وتسببت أيضًا بأزمة نزوح هائلة.
قصف مكثّف في الشمال والجنوب
واستُشهد، فجر اليوم، 12 فلسطينيًا على الأقل، وأُصيب العشرات بجروح، جراء غارة إسرائيلية استهدفت مسجدًا في حي الدرج بمدينة غزة.
وأسفر قصف طائرات الاحتلال للبلدة القديمة بمدينة غزة، في محيط منطقة حمام السمرة تحديدًا، إضافةً إلى ميدان فلسطين، وسوق الزاوية، وموقف جباليا، عن استشهاد وإصابة العشرات دون أن تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول إلى المناطق المستهدفة وانتشال الشهداء وإسعاف الجرحى نتيجة القصف العشوائي العنيف والمكثّف.
ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي الليلة الماضية مجزرة جديدة في مخيم المغازي راح ضحيتها أكثر من 17 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين
وطال القصف الإسرائيلي، الجوي والمدفعي، أحياء الزيتون والشجاعية والصبرة شرق مدينة غزة، والرمال غرب المدينة. فيما استُشهد وأُصيب العشرات إثر قصف مدفعية الاحتلال منزلين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة جديدة بقصفها منزلًا في مخيم المغازي وسط القطاع الليلة الماضية، راح ضحيتها أكثر من 17 شهيدًا، إضافةً إلى عشرات الجرحى والمفقودين.
وفي جنوب القطاع، لا يزال تصعيد جيش الاحتلال مستمرًا تزامنًا مع التوغل البري لقواته، حيث قصفت طائراته ومدفعيته مدينة خان يونس وعدة مناطق في محيطها، بينها القرارة وخزاعة وعبسان والشيخ ناصر، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى دون أن تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول إليهم بسبب كثافة القصف العشوائي.
تدمير 23 آلية عسكرية إسرائيلية
أما ميدانيًا، فلا تزال الاشتباكات متواصلة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال في عدة محاور في شمال وجنوب قطاع غزة.
وأعلنت "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، صباح اليوم، استهدافها غرف قيادة جيش الاحتلال في المحور الجنوبي لمدينة غزة بمنظومة الصواريخ "رجوم" قصيرة المدى من عيار 114 ملم.
وكانت "كتائب القسام" قد أعلنت، مساء أمس الأربعاء، أن مقاتليها خاضوا منذ صباح الأربعاء اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال في جميع محاور التوغل في القطاع.
وقالت الكتائب، في بيان مقتضب عبر "تلغرام"، إنها أحصت تدمير 23 آلية عسكرية كليًا أو جزئيًا فقط في محاور التوغل في مدينة خانيونس وبيت لاهيا.
وأضافت أن قنّاصتها أوقعوا كذلك: "6 جنود بين قتيل وجريح، ونسفوا منزلاً تحصنت به قوة خاصة بعبوة برميلية، كما استهدفوا قوة أخرى تحصنت في أحد المنازل بالقذائف المضادة للأفراد، ودكوا التحشدات العسكرية بمنظومة رجوم قصيرة المدى وقذائف الهاون، ووجهوا رشقات صاروخية مكثفة نحو أهداف متنوعة وبمديات مختلفة إلى أراضينا المحتلة".
وأعلن جيش الاحتلال، صباح اليوم، مقتل ضابط وجندي خلال المعارك الدائرة في قطاع غزة. فيما أفادت هيئة البث الإسرائيلية بإصابة نحو 100 جندي إسرائيلي في أعينهم، أُصيب بعضهم بالعمى، خلال المعارك الدائرة في شمال غزة.
أنطونيو غوتيريش يفعّل المادة 99
دوليًا، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الخميس، تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة: "نظرًا لحجم الخسائر في الأرواح البشرية في غزة وإسرائيل في غضون فترة وجيزة"، وفق ما جاء في بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للمنظمة.
وتنص المادة المذكورة على أن: "للأمين العام أن ينبّه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".
وقال غوتيريش في تغريدة على منصة "إكس"، إنه: "في مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية وأناشد إعلان وقف إنساني لإطلاق النار".
وأيّدت عدة دول ومنظمات أممية خطوة غوتيريش، حيث أعرب منسق السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن دعمه تفعيل المادة 99 ميثاق الأمم المتحدة. كما دعا مجلس الأمن الدولي إلى التحرك بصورة عاجلة لمنع انهيار الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وأعلن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، دعم بلاده الكامل تفعيل المادة 99، مؤكدًا أن الكارثة الإنسانية في قطاع غزة: "لا تُطاق". كما أعلن مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبريسوس، دعمه تفعل المادة 99 في تغريدة على حسابه في منصة "إكس".
في المقابل، أثارت خطوة غوتيريش غضب "إسرائيل"، حيث وصف وزير خارجيتها إيلي كوهين ولاية غوتيريش بأنها "خطرٌ على السلام العالمي"، معتبرًا أن دعوته تفعيل المادة 99 يشكل دعمًا لـ"حركة حماس".
وفي سياق متصل، دعا وزير العدل في جنوب أفريقيا إلى التحقيق في جرائم "إسرائيل" في قطاع غزة، معتبرًا أن تصرفاتها هناك ليست سوى "جرائم حرب".
ووصفت عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، إليزابيث وارن، قتل أكثر من 15 ألف شخص في غزة بأنه فشل أخلاقي لـ"إسرائيل". فيما أكّد السيناتور الأمريكي فان هولن بأن عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة خلال شهرين، يفوق عدد الذين قُتلوا خلال نحو عامين من الحرب في أوكرانيا.
فاقمت العملية البرية التي ينفّذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة، سوء الأوضاع الإنسانية والصحية وتسببت بأزمة نزوح هائلة
وفي الأثناء، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية مباحثاتها بشأن "اليوم التالي" ما بعد انتهاء الحرب في غزة حيث قال البيت الأبيض إن مستشار نائبة الرئيس للأمن القومي الأمريكي، فيل جوردون، بحث مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومسؤولين آخرين، مسألة إدارة السلطة للقطاع بعد انتهاء الحرب.
وكان وزير وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قد جدَّد دعم بلاده لـ"إسرائيل" ومساعدتها لضمان عدم تكرار ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر حسب زعمه.
وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلًا عن مسؤول أمريكي، بأن بلينكن أبلغ مجلس الحرب الإسرائيلي بضرورة إنهاء الحرب في قطاع غزة خلال أسابيع لا أشهر، ولكن المسؤولين الإسرائيليين لم يقدّموا أي ضمانات بخصوص هذه المسألة.