أدانت محكمة فرنسية ثلاثة مسؤولين في النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وحكمت عليهم غيابيًا بالسجن مدى الحياة، يوم الجمعة.
وصدرت الأحكام بحق علي مملوك، نائب رئيس النظام السوري للشؤون الأمنية والرئيس السابق للمخابرات في نظام الأسد، وجميل حسن، الذي كان رئيسًا للمخابرات الجوية في النظام السوري حتى عام 2019، وعبد السلام محمود، مدير فرع المزة في المخابرات الجوية.
وأمر القضاة بإبقاء أوامر الاعتقال الدولية ضد المسؤولين الثلاثة سارية المفعول. واتهم مملوك وحسن ومحمود بالتواطؤ في اعتقال وتعذيب وقتل الطالب باتريك دباغ (20 عامًا) ووالده مازن (48 عامًا) وكلاهما يحملان الجنسية الفرنسية.
الأحكام الفرنسية صدرت في قضية مازن وباتريك الدباغ، بعد قتلهم في سجون النظام السوري
وكان باتريك الدباغ في السنة الثانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق عندما اعتقل من منزله في تشرين الثاني/نوفمبر 2013. واعتقل والده مازن، الذي كان يعمل مستشارًا تربويًا في مدرسة الليسيه الفرنسية في دمشق، في اليوم التالي.
وقال شهود إن الأب والابن نُقلا إلى مركز الاحتجاز في مطار المزة العسكري الذي تديره المخابرات الجوية، حيث تعرض السجناء لتعذيب مروع.
وفي عام 2018، أُبلغت الأسرة من النظام السوري بوفاة كلاهما، لكن لم يتم ذكر أي سبب للوفاة، ولم يُسمح لها باستعادة الجثث.
وقبل المحاكمة، قال قضاة محكمة جرائم الحرب الخاصة في فرنسا، الذين أمضوا سبع سنوات في التحقيق في القضية، إنه "من الثابت بما فيه الكفاية" أن الرجلين "مثل آلاف المعتقلين في مخابرات القوات الجوية، تعرضا لتعذيب شديد لدرجة أنهما ماتا".
وقال المدعي العام للمحكمة إن الأحداث المحيطة باختفاء ووفاة الأب والابن كانت "جزءًا من سياق يمكن لعشرات، إن لم يكن مئات، آلاف السوريين التعرف عليه". واتهم نظام الأسد باتباع "سياسة دولة قمعية، تنفذها أعلى المستويات" في التسلسل الهرمي. وأضاف أن المتهمين، مثل الأسد، كانوا "مهندسي هذا النظام".
وفي تلخيصها، قالت كليمانس بيكتارت، محامية عائلة الدباغ والاتحادية الدولية لحقوق الإنسان: "هذه ليست جرائم الماضي… اثنان على الأقل من المتهمين الثلاثة في اختفاء ووفاة باتريك ومازن الدباغ لا يزالان في مناصب رفيعة في جهاز الدولة السورية".
وخلال المحاكمة التي استمرت أربعة أيام، استمعت المحكمة إلى شهود عيان حول كيفية تعذيب أطفال، بعضهم لا يتجاوز عمره 10 سنوات، وسجناء أكبر سنًا في مركز المزة.
وفي وقت سابق من الجلسة، عُرضت على المحكمة صورًا في ملفات قيصر، تظهر جثث السجناء الذين تعرضوا للضرب حتى الموت.
ووصف الشهود العنف الذي تعرض له السجناء في سجن المزة العسكري. وقال سجين سابق، لم يرغب في ذكر اسمه، إنه قضى ثلاثة أشهر في المزة، وروى كيف تعرض السجناء في السبعينيات من العمر والأطفال الصغار للتعذيب هناك. ووصف تعرضه للصعق بالكهرباء على أعضائه التناسلية، وإحراق جسده بالسجائر، وتعليق السجناء من أيديهم أو أقدامهم لعدة أيام. وقال: "لقد فقدت 20 فردًا من عائلتي المقربة، بما في ذلك شقيقان. لا أعرف العدد بالضبط، وربما أكثر، لأنه لا يزال لدي أقارب في السجن".
والقضية رفعتها الاتحادية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ونظر فيها أمام محكمة جرائم الحرب الخاصة في فرنسا.
وجرت محاكمات لعناصر من النظام في هولندا وألمانيا والسويد، لكن المحاكمة الفرنسية هي المرة الأولى التي تتم فيها محاسبة شخصيات رفيعة المستوى قريبة من الأسد.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، أصدرت فرنسا مذكرة اعتقال دولية بحق الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. كما تم اتهام ثلاثة آخرين، من بينهم شقيق الأسد، ماهر، باستخدام غاز السارين في هجومين عام 2013 أسفرا عن مقتل أكثر من 1000 شخص، بما في ذلك مئات الأطفال.
ورحبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بإصدار القضاء الفرنسي حكم الإدانة ضد الضباط في نظام الأسد، مشيرة إلى أنها خطوة إضافية في مسار المحاسبة، وعلى دول العالم الديمقراطية أن تتذكر وتسعى من أجل العدالة لما لا يقل عن 136192 شـخصًا لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، ويعانون التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وهـو مسؤول عـن مقتل ما لا يقل عن 15087 ضحية بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية.
نهج متواصل
وأصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا بعنوان "بعد مرور ستة أشهر على قرار محكمة العدل الدولية، النظام السوري قتل ما لا يقل عن 29 شخصًا بسبب التعذيب، واعتقل ما لا يقل عن 534 مدنيًا بينهم 8 أطفال و21 سيدة"، مؤكدة أنَّه ينبغي على كافة الدول الأعضاء في المحكمة قطع كافة أشكال العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع النظام السوري.
وقالت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان إنَّه منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بشأن طلب تحديد التدابير المؤقتة الذي قدمته كندا وهولندا في القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من المعاملات، أو العقوبات القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، ضد النظام السوري، فإنَّها تقوم بمراقبة يومية دقيقة لانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وعمليات الاعتقال/الاحتجاز التي تقوم بها قواته، إضافةً إلى التشريعات المحلية ذات الصلة التي يصدرها أو يلغيها أو يعدلها أو التغييرات في المنظومة الأمنية التي تعتبر المتورط الأساسي في ارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين في سوريا.
وأشار إلى أن التقرير الحالي الثاني في سلسلة المراقبة الدورية التي تجريها، حيث أصدرت التقرير الأول في 22 شباط/فبراير 2024، وذلك بعد مرور ثلاثة أشهر على صدور القرار، الذي استنتجت فيه عدم قيام النظام السوري بأي إجراءات فعلية للامتثال لمتطلبات قرار محكمة العدل الدولية، وأكَّدت فيه بحسب البيانات المسجلة أنَّه استمر في خرقه المتكرر لاتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سوريا في عام 2004.
قال قضاة محكمة جرائم الحرب الخاصة في فرنسا، الذين أمضوا سبع سنوات في التحقيق في القضية، إنه "من الثابت بما فيه الكفاية" أن الرجلين "مثل آلاف المعتقلين في مخابرات القوات الجوية، تعرضا لتعذيب شديد لدرجة أنهما ماتا"
ويقول فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشَّبكة السورية لحقوق الإنسان: "أحد الأهداف الأساسية من المراقبة اليومية لالتزام النظام السوري بقرار محكمة العدل الدولية هو مساعدة فريق المحكمة في تقييم امتثال النظام السوري لقرارها، والذي نأمل أن يصدر قريبًا، ومساعدة الادعاء في بناء الملف ضد النظام السوري الذي لم يكترث مطلقاً بتطبيق قرار محكمة العدل الدولية وفق ما تظهره عشرات الانتهاكات التي وثَّقناها منذ صدور القرار وحتى الآن".
وسجل التقرير منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 حتى 16 أيار/مايو 2024، ما لا يقل عن 534 حالة اعتقال تعسفي بينهم 8 أطفال و21 سيدة اُعْتُقِلُوا داخل مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري، أفرج عن 63 حالة منهم، وتحول 471 منهم إلى حالة اختفاء قسري. كما سجل مقتل ما لا يقل عن 29 شخصًا بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري، في ذات المدة المشار إليها، سُجِّل تسليم جثمان واحد فقط من الضحايا لذويه، بينما لم يسجل تسليم جثامين الضحايا الآخرين.
إضافة لذلك فإنَّه مع بداية عام 2024، تمكَّنت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان من الحصول على بيانات وفيات جديدة لحالات لم يُكْشَف عنها سابقًا، مما يجعلها ترجح قيام النظام السوري بإرسال مزيد من بيانات المختفين قسريًا في مراكز احتجازه إلى دوائر السجل المدني لتسجيلهم كمتوفيين، وقد سجلت ما لا يقل عن 14 حالة، لمختفين سُجِّلُوا على أنَّهم متوفون في دوائر السجل المدني، وذلك منذ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 حتى 16 أيار/مايو 2024، مشيرة إلى أنَّ من بين الحالات التي سُجِّلَت مجموعة من الضحايا الذين هم على صلة قربى فيما بينهم، وحالات لنشطاء سياسيين وطلاب جامعيين، وفي الحالات جميعها لم يُذكَر سبب الوفاة، ولم يُسلِّم النظام الجثث للأهالي، ولم يُعلن عن الوفاة وقت حدوثها.